مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

السيف أشرف الأسلحة في التراث العربي والإسلامي

مادة سيف في اللغة العربية تدل على امتداد في شيء، وعلى طول أيضاً، ومن هذا الباب جاءت كلمة السيف (سمي بذلك لامتداده): نوع من الأسلحة معروف، ويجمع على سيوف، وأسياف، والسيّاف: هو صانع السيف وبائعه وحامله، وكذلك الذي يضرب به. يقال: استافوا، أي: امتشقوا سيوفكم، والمُسيف: المتقلّد بالسيف، فإذا ضرب به فهو سائف. ورجل سائف: ذو سيف، وسيّاف: أي صاحب سيف، وجمعها: سيّافه.
والسيف في اللغة هو الذي يضرب به. والجمع: أسياف وسيوفٌ وأسيف.
ويعرف السيف عند العرب بأسماء كثيرة تتجاوز الخمسمئة اسم، وسواء اتفقنا مع أصحاب اللغة بأن للسيف اسماً واحداً وما عداه مرادفات له، أم اختلفنا، فإن السيف حريّ بالاهتمام والإشارة.
والحقيقة أن بعض هذه الأسماء هي في الأصل صفات، ثم صارت أسماء للسيف مثل: الأبيض والبارق والحسام والخذوم والخشيب والدِّمقصي وذو شُطب والرداء والسريجي والشجير والشلحاء والصارم والصفيحة والصقيل والصل والصمصام والصليم والعضْب والعضم والعطّاف والغدير والفشفاش والقاطع والقَلَعي والكهام والكوكب واللُّج والمِخذم والمخراق والمِخصل والمشرفي والمِشمل والمِغول والمِعصل والمُنْصُل والموصول والنّشيل والهبرقي والهندي والمهند والوأي والوشاح والوقام، واليماني.
أسماء السيف من هيئته
يوجد الكثير من الأسماء للسيف حسب هيئته منها:
- إذا كان السيف عريضاً: صفيحة
- إذا كان لطيفاً: قضيب
- إذا كان صقيلاً: خشيب
- إذا كان رقيقاً: مهو
- إذا كان قطّاعاً: مقصل، مخضل، حُسام
- إذا كان يمر في العظام: مُصمم
- إذا كان يصيب المفاصل: مُطبق
- إذا كان ماضياً في الضربة فهو: رسوب
- إذا كان صارماً لا ينثني: صمصامه
- إذا كان في متنه أثر: مأثُور
- إذا كان قديماً جداً وتكسر حدُّه: قضم
- إذا كان له بريق: إبريق
- إذا كان سُوي وطُبع بالهند: مهند
- إذا كان وسط السوط: مغول
- إذا كان يستخدم لقطع الشجر فهو: معضد.
السيف وصناعته في التاريخ العربي
يدل وفرة السلاح المصنوع من معدن الحديد في خزائن ملوك الحيرة (القرن الثالث قبل الميلاد) على ازدهار الحدادة عند العرب في حقبة مبكرة من تاريخهم القديم، كما كانت في بصرى من أرض حوران مصانع للسلاح.
وكان يطلق على الحداد: قينا، وفي حديث خباب (الصحابي خباب بن الأَرَتّ التميمي ت:37هـ): (كنت قينا في الجاهلية)، وكان بنو أسد يقال لهم: القيون، لأن أول من عمل الحديد بالبادية الهالك بن أسد بن خزيمة. ويذكر البخاري أن خباباً كان يعمل حداداً، وأنه عمل للعاص بن وائل سيفاً. كما يذكر الصحابي عبدالله بن مسلم الحضرمي أنه كان له صبيان عبدان يصقلان السيوف. ولقد استفاد بني أسد من معدن الحديد الموجود في جبل لهم يدعى قساس في صناعة نوع من السيوف، سميت بالقساسة نسبة إليه. كما اشتهر لبني أسد نوع من السيوف عرفت بالسيوف السريجية، نسبة إلى سريج أحد بني معرض بن عمرو بن أسد بن خزيمة.
ومن أحسن سيوف العرب: المشرفية، نسبة إلى مشرف، وهو رجل من ثقيف. وكان سلاح القبيلة، وهو حدادها أيضاً، من أجل رجالها. وكان عليه صقل السلاح والفؤوس، وصنع المسامير والعجلات والرماح. وكان يكلف أعوانه بصنع الفحم من الخشب بحرقة وحثو التراب عليه. كما كان يبحث مع جماعة أخرى من أعوانه عن حجر الحديد. ثم يعمد إلى طحنه وتمييز طيبه من خبيثه، ثم يمزج طحينه بشيء من الدهن الساخن. ثم يأتي دور الطباع الذي يستخرج الحديد، يساعده في تشغيل المنافخ أحد أولاده، وكان بعض الطباعين خاصاً بقبيلة معينة، وبعضهم ينتقل بين القبائل.
وكان العرب يصنعون سيوفهم إما من الحديد، ويطلق عليه سيف: أنيث، وإما من الصلب (فولاذ) ويطلق عليه سيف: مذكر.
ولأجل السيف عرف العرب صناعة الفولاذ الذي يصنع منه أجود السيوف في البواتق التي تستخدم لصهر الفولاذ والحديد من مواده الخام.
وتقسم السيوف العربية منذ التاريخ القديم وحتى القرن الثامن عشر، إلى عدة أصناف، وتؤكد الأدلة الأثرية والفنية على أن نصال السيوف الإسلامية كانت مستقيمة منذ زمن الجاهلية، فصدر الإسلام إلى حوالي نهاية القرن الثالث عشر.
والسيف عامة من حيث الشكل ينقسم إلى صنفين: السيف المستقيم والسيف المقوس، ولكل منهما أصناف في البلدان المختلفة.
وخلافاً لما هو معروف وشائع فإن السيف العربي الأول كان مستقيماً وذا حد وحيد، ويحدثنا التاريخ العربي عن سيوف ذات حدين في قسمها السفلي، كما يتردد الحديث عنه في معركة بدر: (لا سيف إلا ذوالفقار ولا فتى إلا علي). وقد أصبح هذا الحديث منقوشاً على أكثر السيوف.
ولقد عدد الفيلسوف العربي الشهير يعقوب الكندي في رسالته القيمة: السيوف وأجناسها خمسة وعشرين نوعاً تتبع تسميتها لنوع الفولاذ فيها والمكان الذي صنعت فيه كالسيوف اليمانية والقلعية والهندية، وهي سيوف كريمة (عتيقة) ثم السيوف الخرسانية والبصرية والدمشقية والمصرية والكوفية، وهي سيوف مولدة أي أن فولاذها مصنوع حديثاً.
أشهر السيوف العربية قبل الإسلام
يروى أن أشهر سيف عربي في العصر الجاهلي: رسوب مفخم، سيف الحارث بن أبي شمر الغساني أعظم ملوك العرب قبل الإسلام، ويقال إن هذا السيف كان أحد السيوف التي أهدتها الملكة بلقيس إلى سليمان عليه السلام.
وكان لبعض السيوف في التاريخ العربي قبل الإسلام مكانة منحتها شهرة مدوية، من هذه السيوف: صمصامة لصاحبه عمرو بن معدي كرب الزبيدي ضُرب به المثل في كرم الجوهر وحُسن المخبر والمضاء، حتى قيل عنه:
سناني ما حق لا عيب فيه
وصمامي يصم آل العظام
أهداه عمرو بن معدي كرب بعد إسلامه إلى خالد بن العاص عامل الرسول صلى الله عليه وسلم على اليمن ولم تزل أسرته تتوارثه حتى اشتراه خالد بن عبدالله القسري بمبلغ كبير، ولم يزل عند بني مروان حتى زالت الدولة الأموية فبحث عنه الخلفاء العباسيون (السفاح والمنصور والمهدي) ولم يجدوه ووجده الخليفة الهادي فاشتراه ثم أهداه للشاعر أبي الهول الحميري. ومن السيوف الشهيرة في هذا العصر، سيف عمرو بن كلثوم المسمى: المستلب.
السيف في صدر الإسلام
جاء الإسلام آمراً بإعداد المستطاع من القوة لنصرة الدين الحق. ولما كانت صناعة السيوف معروفة عند عرب ما قبل الإسلام داخل الجزيرة وخارجها. عمل المسلمون على صناعة وتجويد السيوف حتى صارت حرفة ومهنة مهمة.
وكان السيف العربي الإسلامي منذ أول عهده -في عهد الرسالة- مستقيم النصل، لا يعرف الانحناء، وبقي كذلك حتى القرن الثالث عشر الميلادي، كما كانت السيوف في هذا العصر تحلى بالرصاص والحديد وغيرها، ولا يزيدون عليها، وإن رخص لهم الإسلام في تحليتها بغير الصور.
وآيات القرآن والأحاديث النبوية تبين لنا ما أعده الله عز وجل للسيف وللمجاهدين به من مكانة مرموقة في الحياة الدنيا، ومن منزلة رفيعة في الحياة السرمدية. كما تشير بوضوح إلى الزاوية التي احتلها هذا السلاح في نهج الرسول القائد صلى الله عليه وسلم، وتظهر شدة حب الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا السلاح الحيوي، وحرصه على تكريمه، بتكريم حامله والمشيد بذكره، فعندما أنشده كعب بن زهير قصيدته بانت سعاد المشهورة، وعندما وصل كعب إلى قوله:
إن الرسول لنور يستضاء به
مهند من سيوف الله مسلول
ألقى صلى الله عليه وسلم بردته عليه، الأمر الذي يمثل منتهى كرم الرسول صلى الله عليه وسلم، وتكريمه لكعب، لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد أباح دمه قبل ذلك. كما بلغ من شدة ولعه صلى الله عليه وسلم بالسيف أنه لقب خالد بن الوليد بسيف الله المسلول.
سيوف الرسول صلى الله عليه وسلم
أصبح أحد سيوف الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجاً صنع على نمطه بعض من الصحابة سيوفهم. ففي حديث عثمان بن سعد عن أبيه عن ابن سيرين قال: صنعت سيفي على سيف سمرة، وزعم سمرة أنه صنع سيفه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واهتم مؤرخو السيرة النبوية بأشهر السيوف في تاريخ الإسلام، فذكروا سيوف الرسول صلى الله عليه وسلم وعددوا ذكرها وأوصافها، فقد كان له صلى الله عليه وسلم تسعة أسياف هي:
- مأثور، وهو سيف ورثه صلى الله عليه وسلم عن أبيه، وقدم به إلى المدينة، سمي المأثور: لأنه كان في متنه أثر.
- القلعي: من القلع أو كالا في شمال الهند وهي مشهورة بجودة أسلحتها.
- بتار: القاطع
- الحتف: الموت. والأسياف الثلاثة الخيرة حصل عليها النبي صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع بعد إجلائهم عن المدينة.
- رسوب
- المخذم
- اليماني
- ذو الفقار: بكسر الفاء وبفتح الفاء، وكان لا يكاد يفارقه صلى الله عليه وسلم، وكانت قائمته وقبيعته وحلقته وذؤابته وبكراته ونعله من فضة، غنمه الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وكان في الأصل للعاص بن منبه السهمي، وسمي ذو الفقار لحزوز في وسطه، تشبه فقرات الظهر. وكانت العرب إذا أصابت سيفاً قاطعاً حافظت عليه، وتناقلت خبره، وأطرته، كسيف ذي الفقار هذا.
- العضب، وهو سيف وهبه سعد بن عبادة مع درع يقال لها ذات الفضول للرسول صلى الله عليه وسلم حين خروجه إلى بدر.
وقد ذكر المؤرخون أن هذه السيوف كانت عند أمراء مكة، احتفظوا بها شرفاً وفخراً. كما قيل إن الشريف بركات بعث بها إلى السلطان العثماني سليم الأول في مصر مع ولد له، ثم حملها السلطان إلى الإستانة.
أشهر السيوف العربية في الإسلام
- سيف الفاروق عمر بن الخطاب: ذو الوشاح
- سيف الإمام علي بن أبي طالب: ذوالفقار (أهداه إليه الرسول صلى الله عليه وسلم)
- سيف حمزة بن عبدالمطلب: اللياح
- سيف خالد بن الوليد: القرطبي، الأولق، ذوالقرط
- سيف خالد بن خالد بن الوليد: ذو الكف
- سيف سعد بن أبي الوقاص: بلاء
- سيف سعد بن عبادة: الرقراق
- سيف ينسب لمعاوية بن أبي سفيان
- سيف أبي موسى الأشعري: الصدى
- سيف عبدالله بن رواحه: الفرد
- سيف مؤرخ في عام 100هـ منقوش عليه اسم مالكه وصانعه لكن النقش غير مقروء
- سيف له مقبض مذهب وواقية من الحديد، نقش على نصله تاريخ 105هـ / 724م واسم الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك
- سيف عليه نقوش متتابعة لأسماء: الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز، والخليفة العباسي هارون الرشيد والسلطان المملوكي قايتباي
السيف في الشعر العربي
للسيف مكانة مرموقة في الشعر العربي نستهل هذه المكانة بتشبيه عنترة لحب عبلة بقوله:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني
وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
وفي معركة أخرى للعشق يقول الشاعر:
كل السيوف قواطع إن جُردت
وحسام لحظك قاطع في غمده
دع عنك ذا السيف الذي جردته
عيناك أمضى من مضارب حدّه
والسيف عند العرب منذ القدم من أهم مقومات الفروسية والبطولة، كما أن للسيف بأسمائه وأوصافه المختلفة نصيباً وافراً في الشعر العربي، ولاسيما في قصائد الفخر والحماسة والحروب والمبارزات، يقول عنترة العبسي:‏‏
إن لي همة أشد من الصخر
وأقوى من راسيات الجبال
وحساماً إذا ضربت به الدهر
تخلت عنه القرون الخوالي
ووقع السيف كان يبرز علو الهمة، يقول عنترة:
لي همة عند وقع السيف، عالية
وعفة عند وقع الطير في الشرك
وبالسيف يصير البطل طبيباً لمن أصيب بحب العدوان، يقول عنترة:
وسيفي كان في الهيجا طبيباً
يداوي رأس من يشكو الصداعا
ويفاخر المتنبي منشداً:
ويعرف السيف كفي أنني بطل
والرمح في ساعدي المفتول مطواع
وقد خص الشعراء العرب السيف بعناية فائقة وتقدير كبير، وأشادوا به جداً، ولا عجب فهو رفيقهم ومؤنسهم وسندهم في الحل والترحال، حتى إن بعضهم فضله على القلم من حيث التأثير وبلوغ المراد في الأوقات العصيبة.
قال المتنبي:
مازلت أُضحك إبلي كلما نظرت‏
إلى من اختضبت أخفافها بدم؟
حتى رجعت وأقلامي قوائل لي ‏‏
المجد للسيف ليس المجد للقلم‏
اكتب بنا أبداً بعد الكتاب به‏
فإنا نحن للأسياف كالخدم
وقد يستخدم اسم السيف في مجالات أخرى في الشعر العربي كالحكمة وضرب الأمثال مراداً به القوة والحزم والبطش كقول أبي تمام الطائي:‏‏
السيف أصدق أنباء من الكتب‏
‏في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب‏‏
بيض الصفائح، لا سود الصحائف في‏‏
متونهن جلاء الشك والريب‏
وفي الشعر العربي ينسب السيف إلى الموضع الذي طُبع فيه، فيقال للسيف المطبوع في الهند: هندي ومهند وتجمع على هندية، والمطبوع في القلع، قلعياً، وأما الذي طُبع في اليمن فيقال له يماني، وقال في الفرزدق:
أحين أعاذت بي تميم نساءها
وجُرّدت تجريد اليماني من الغمد
ويقال للسيف المطبوع في أرض مشارف بالأردن بالمشرفية، يقول أبو تمام:
لفحت سموم المشرفية وسطه
وهجا وكُنّ سوابع الأظلال
ويقول البحتري:
ولم أرَ للترات بَعُدْن عهداً
كَسَلِّ المشرفية من قريب
ومهما تعاقبت الأزمنة والأحقاب فإنه يبقى للسيف أثره وهيبته، ويبقى له حضوره في الأعمال الإبداعية من شعر وقصص ومسرحيات، حقيقة أو رمزاً أو مجازاً، وصحيح أن السيف لم يعد له اليوم أثره الفعال سلاحاً فتاكاً كيوم كان له شأنه لدى الأمم جميعاً قبل اختراع الأسلحة الحديثة المتنوعة، إلا أنه مازال رمزاً حياً للقوة والحزم وللسلاح عامة، وينطوي على كثير من المعاني والصور والمجازات الجميلة، كقول جميل صدقي الزهاوي:
رأيت السيف قد ملك الشعوبا
ولم أر أنه ملك القلوبا‏
وكل حكومة بالسيف تقضي
فإن أمامها يوماً عصيبا
وفي الختام، أخذ السيف مكانه أيضاً في عالم اليوم كأحد أسلحة الفرسان، وأصبحت له مدارس ومذاهب لتعلم فنونه القتالية في نواد رياضية عامة وخاصة، بحيث أفردت شعوب العالم أجمع للسيف موقعه في الرياضة الحديثة وتسمى لعبته: سابر، أو فلوريه وإيبيه، أو الشيش.
وما زال شرف السيف ونسبه لدى العربي لا يضاهيه شرف، يتوارثه الأبناء عن الآباء ويحرصون على مكانته العالية الرفيعة.

ذو صلة