كورونا والإرهاب والأدب، عنوان لافت لقضايا مجتمعية آنية، دخلت إلى مجال الأدب الذي يمثل مرآة المجتمع، فظهر (أدب كورونا)، (أدب المنزل والبيت)، و(أدب العزلة)، (أدب المرض والكوارث)، و(أدب الخوف) الناتج عن الإرهاب، وكل ذلك مقدمة -كما أحسب- لإنتاجية أدب عالمي جديد لعالم ما بعد كورونا. ولنا هنا أن نستعيد الرؤية لهذا الأدب العالمي الجديد.
ومما لاشك فيه أن جائحة كورونا قد أثرت على كل مناحي الحياة العامة والخاصة، ومنها الأدب. لكن الأدباء -فيما أحسب- استثمروا حاجتهم إلى العزلة، لا العزل، ووظفوا طاقاتهم الإبداعية لخدمة الأدب، حيث تمثل العزلة أهم مناخ جميل للمبدع الذي يحتاج إلى الهدوء، وتوفير جو مريح للكتابة، كما أن الحظر قد قرر العزلة الإجبارية والتي أثرت على ذائقة المبدع فبدأ يعتصر عقله، وجوارحه لإنتاجية أدب يساوق اللحظة الراهنة، ويتماشى معها، ولعل جائحة كورونا -كما أرى- قد جاءت بخير على الأدباء والكتاب والمبدعين، وأجبرتهم للجلوس في البيت، للتطلع إلى مزيد من الإبداع، وقد كان.
ولعمري، فقد أنتجت العزلة (أدب السكون والصمت، أدب المنزل، أدب العزلة)، وهي من المسميات الموجودة في الآداب الأوروبية، إلا أنها ليست معروفة عندنا كثيراً، فبحث الأدباء في تاريخ (أدب المرض) والجائحة، وأطروا له، فهناك إبداع ظهر أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية نتيجة تفشي وباء الكوليرا، والطاعون آنذاك، وقد رصدت ذاكرة الأدب مئات الأعمال الشعرية والروائية التي كتبت عن ذلك، كما رصدت -الآن- الذائقة الأدبية، وما زالت ترصد أدب الجائحة، أو الأدب ما بعد عالم كورونا، وهو أدب ما بعد حداثي -فيما أحسب- إذ إنه وليد اللحظة الراهنة، ويعد ظاهرة عالمية، لأن الوباء انتشر في العالم كله، في وقت واحد، وقد رأينا الشعراء في مصر والعالم العربي، بل وفي العالم كله يتبارون في رصد الجائحة في إبداعاتهم، كما تبارى الروائيون، وكتاب القصة -الذين كما أزعم- قد استفادوا كثيراً في رصد هذه الظاهرة البيئية الصحية العالمية في قصصهم، خصوصاً وأن القصة قد تراجعت كثيراً، وتقدمت الرواية، إلا أننا رأينا كتاب القصة يكتبون (الأدب التوثيقي) الذي يؤطر لمثل هذه الظواهر العالمية المخيفة، والتي أخافت العالم، وأصابته بالهلع، وربما الجنون في فترة وجيزة من عمر تاريخ الأمم والشعوب.
الإرهاب: ومما لا شك فيه أن تأثيرات الإرهاب على الأدب هي تأثيرات عميقة، وجوهرية، خصوصاً وأنها تصيب المبدع برهبة وهلع شديدين، والإبداع مع الرهبة والرصاص، لا يمكن أن تؤتى له ثمار، ومع ذلك تصدى كثير من الأدباء لهذا الوباء الجديد، وهذه الأصوليات الفكرية والعقائدية التي أثرت على تحولات الأدب، وإنتاجيته، لكنها أخرجت لنا (أدب الكوارث والأزمات) و(أدب الهلع والخوف) وكلها قد تتعلق بسيكولوجيا المبدع، ومدى تأثير الإرهاب على النفس، إلا أن الإرهاب لم ينجح في تكميم الأفواه، بل رأينا الكثير من الأعمال الأدبية والفنية: في الفنون التشكيلية والمعارض، وفي كتابات الصحافيين ترصد هذه الظاهرة العالمية الجديدة/ القديمة، والتي ربطها الظلاميون الجدد بالدين للأسف، وحاربوا للوصول إلى خلافات مزعومة، والإسلام بريء منها بالكلية.
إن أدب الكوارث -في يقيني- قد جعل الجميع يرجع إلى ذاته، ويحاسب نفسه، ويتذكر المولى عز وجل، وتلك لعمري أفضل مزايا وفوائد كورونا والكوارث والإرهاب، فاللجوء والفرار إلى الله -عز وجل- والوقوف للتأمل والنظر والعودة إلى الخالق، هو السبيل القويم لخلق مجتمع المدينة الفاضلة، التي تحدث عنها أفلاطون، وهي تتفق مع المدينة الفاضلة للمتقين، المؤمنين الحق، والتي استشرف لها نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والبركات.