مجلة شهرية - العدد (579)  | ديسمبر 2024 م- جمادى الثانية 1446 هـ

مصر والجزيرة العربية العلاقات التاريخية بين (الحروب والصداقات)

كانت العديد من أجزاء مصر تابعة لحكم الممالك العربية قبل الإسلام في فترات عديدة حيث أثر العرب بشكل مباشر في التاريخ المصري القديم، بداية من مملكة قيدار العربية التي قامت في دومة الجندل وشمال شبه الجزيرة حتى الفتح الإسلامي لمصر زمن عمر بن الخطاب.
سيطرت مملكة قيدار على أجزاء عدة من سيناء ودلتا النيل وصولاً لتلة المسخوطة في الإسماعيلية حيث وجد إناء فضي كتب عليه (هذا الإناء الذي قدمه قينو بار بن جشم بن شهر ملك قيدار قرباناً للمعبودة اللات).
ويذكر لنا أبو التاريخ هيرودوت، أن قبائل قيدار كانت تسيطر على أراضي سيناء وشرقي حدود مصر، ويقول هيرودوت إن (قمبيز) ملك فارس عندما أراد غزو مصر أرسل رسله لملك العرب، (لم يذكر هيرودوت اسمه)، حاملين أفخر الهدايا من أجل أن يطلب منه السماح لجيشه بالمرور من الصحراء العربية وأن يتعاهد معه ألا يهجم على جيشه، وافق الملك العربي على طلب (قمبيز) ملك فارس وتعاهد بالدم مع رسله، (قد تكون صيغة مبالغة من هيرودوت وذلك بسبب أنه ذكر أن العرب تقدس العهود وتفي بها لأبعد درجة وهذا ما أثار إعجابه بالعرب)، وسمح الملك العربي لجيش الأخمينيين بالعبور من أراضي العرب وبل زودهم بالماء عن طريق أنبوب كبير مصنوع من جلود الإبل، يمتد هذا الأنبوب من نهر أسماه (Corys) وهو نهر كان يتوسط شبه الجزيرة العربية ويعبر أراضي نجد قد حفر له ملك العرب عدة مصبات من أجل أن يصب في الصحراء ويغذيها، وكان نهاية النهر تصب في البحر الأحمر الذي أسماه (الخليج العربي)، وقد دل أن البحر الأحمر كان تحت سيطرة هذا الملك العربي. نعود لجيش فارس وعبوره أرض العرب، نعم عبر الجيش الأراضي العربية ومده العرب بالماء والغذاء، واعتبر الفرس العرب حلفاء لهم في هذه الحرب، احتل الفرس مصر سنة 525 ق.م وخضع كل العالم للفرس حيث يذكر هيرودوت: (بعد أن احتلت مصر خضعت كل شعوب آسيا للتاج الفارسي إلا العرب لم يخضعوا للفرس ولم يكونوا عبيداً لهم بل كانوا متحدين كأصدقاء).
وعندما نسافر إلى فترة لحيان والأنباط نرى أن خليج العقبة لم يكن اسمه العقبة بل كان يدعى (خليج لحيان)، وكان العرب الأنباط يسيطرون على جميع الموانئ البحرية في الشرق حيث سيطروا على موانئ البحر الأحمر، والبحر الأبيض المتوسط، وخليج عدن، والخليج العربي، وخليج السويس والعقبة، ولم تكن العلاقة النبطية المصرية علاقة جيدة، فيذكر التاريخ عدة مشاحنات بين البلاطمة في مصر وبين العرب الأنباط، فقد حاول البلاطمة الإضرار بالمصالح النبطية عبر الهجوم على أراضي زراعة القار (مادة تستخدم في التحنيط والعمليات الطبية) التي كانت تحت سيطرة الأنباط، وكانت تعود بالنفع الكبير عليهم، تريث الأنباط بالرد على البلاطمة ومع قوتهم العسكرية الكبرى التي وصلت ذات مرة لقلب الإسكندرية إلا أن الحارث الثالث (ملك الأنباط) رأى أن الصبر هو الحل الأمثل في هذه الفترة حيث كان الرومان يتربصون البلاطمة، وبعد هزيمة جيش مصر بقيادة كيلوبترا في معركة أكتيوم على يد القوات الرومانية أعدت كيلوبترا أسطولاً للهرب عن طريق البحر الأحمر، وعندما علم الحارث الثالث بهذا الأسطول أمر سفنه وجيوشه بالهجوم عليها وحرقها، وبهذا غيَّر الأنباط مجرى التاريخ، فلولا حرق أسطول كليوبترا من قبل الأنباط لما انتحرت كليوبترا، وبعد ذلك دمر الأنباط جميع المحطات التجارية المصرية وهجموا على جميع السفن البلطمية التجارية واستولوا على ما فيها، بل وجعلوا من اليوم الذي حرقوا فيه سفن كيلوبترا عيداً سنوياً.
لم تتوقف الأمور بين العرب ومصر عند هذا الحد بل تذكر لنا سجلات Notitia Dignitatum البيزنطية عن قلعة عربية ثمودية تدعى ثمودينا
( Thamudena ) تتواجد بالقرب من أهرامات الجيزة في مصر وتظهر فوق القلعة شعار العرب في ذلك الوقت العقاب (ربما نسر) وتتواجد في القلعة كتيبة من الفرسان العرب ورماة الأسهم، اسم الكتبية:
‏Equites Saraceni Thamudeni, at Scenas Veteranorum
والترجمة الحرفية للاسم:
(وحدة الفرسان السراسيين الثموديين في منطقة سيناس فيتيرانورم).
السراسيين: العرب.
سيناس فيتيرانوم: منطقة بالقرب من أهرامات الجيزة.
وهنالك العديد من البرديات التي تذكر القصص بين أهل القلعة العرب وبين المصريين حتى هجرها الثموديون وانتهت تلك العلاقة بين مصر والعرب حتى فتح عمرو بن العاص لها. ولم تكن كل العلاقات التاريخية بين مصر والعرب بهذا السوء كما ذكرت بل أتت فترات ازدهرت فيها التجارة بين الشعبين، ففي عهد الملك رمسيس الثالث ازدهرت التجارة بين فراعنة مصر (كيميت في ذلك الوقت) وبين مملكة مدين في الجزيرة العربية. قد يظن البعض أن الحروب يجب أن تكون أبدية وهذا غير صحيح، فأفضل طريق للسلام هي الحرب، فالعلاقة القوية اليوم بين الشعوب العربية هي بسبب الحروب القديمة بينهم ومصر خير دليل واضح لنا، في النهاية لم أذكر جميع القصص عن العلاقات التاريخية بين مصر وشبه الجزيرة العربية بل اخترت ما رأيت أنه مناسب لهذه المقالة.

ذو صلة