مجلة شهرية - العدد (582)  | مارس 2025 م- رمضان 1446 هـ

نقاط التميز في المبادرة

في أكتوبر 2021، أطلقت المملكة العربية السعودية مبادرتها (الشرق الأوسط الأخضر)، لتشكل تغيراً نوعياً جوهرياً في الإستراتيجات البيئية بدول المنطقة، ولتعطي دفعة تحفيزية لجهود التخفيف والتكيف مع آثار التغيرات المناخية. وقد تميزت هذه المبادرة عن سابقاتها، سواءً في المملكة أو في دول المنطقة الأخرى، بعدد من الخصائص التي توفر لها مقومات التنفيذ تمويلياً وفنياً، وتمنحها قبولاً إقليمياً وعالمياً، وتجعلها أكثر قدرةً على كسب دعم وتأييد حكومات المنطقة وشركاء التنمية الدوليين. وفي السطور التالية، نستعرض ثلاثة من هذه الجوانب التي تميز المبادرة وتزيد من فرص نجاحها في تحقيق أهدافها المنشودة.

أولاً: من حيث التوقيت، فقد تزامن تدشين هذه المبادرة مع تزايد الأزمات البيئية والاقتصادية عالمياً وإقليمياً، التي تعصف بدول الشرق الأوسط، والتي تضافرت تداعياتها لتزيد من إدراك دول المنطقة لدور التغير المناخي في تفاقم هذه التهديدات البيئية والاقتصادية الخطيرة التي تشهدها المنطقة. فعلى سبيل المثال، أطلقت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الأجزاء الثلاثة للتقرير العالمي السادس للتغير المناخي خلال الفترة بين أغسطس 2021 ومارس 2022، والذي جاءت نتائجه لتعيد التأكيد على أن إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمنطقة العربية بشكل خاص، يعد من أكثر أقاليم العالم عرضة لتأثيرات التغير المناخي. فمعظم الدول العربية تقع في نطاقات جافة أو شبه جافة، وهي من بين أعلى المناطق ندرة في الموارد المائية على مستوى العالم، حيث لا يتجاوز معدل سقوط الأمطار في أغلب أراضيها حدود 400 ملم سنوياً.
ثانيا: يميز مبادرة الشرق الأوسط الأخضر هو وجود رؤية واضحة تنطلق من إدراك تام للمسؤولية الإقليمية والدولية للمملكة فيما يتعلق بدفع عجلة جهود مكافحة التغير المناخي، باعتبارها منتجاً عالمياً رائداً للنفط ولاعباً رئيساً في أسواق الطاقة العالمية. فالمملكة العربية السعودية - شأنها كباقي دول مجلس التعاون الخليجي- من بين أكثر الدول تضرراً من تغير المناخ، ولكنها نظراً لثرواتها تعد في وضع أفضل من العديد من دول المنطقة الأخرى لبناء قدرتها على الصمود ضده. ولذلك، فقد امتدت أهداف هذه المبادرة لما وراء الأولويات البيئية الوطنية التي حددتها المملكة في رؤيتها 2030، لتسعى للمساهمة في تحقيق الأهداف الإقليمية والعالمية لمواجهة تغير المناخ من خلال خفض انبعاثات الكربون في المنطقة بمقدار 60 % وبنحو 2.5 % عالمياً. إلى جانب ذلك، فقد اشتملت أهداف هذه المبادرة على زيادة نسبة المحميات الطبيعية ودعم برنامج لإعادة التشجير في المنطقة بزراعة 40 مليار شجرة ويمثل 5 % من أهداف التشجير العالمية، واستعادة 200 مليون هكتار من الأراضي، علاوة على إطلاق مبادرة عالمية لتقديم حلول الوقود النظيف لتوفير الغذاء لأكثر من 750 مليون شخص حول العالم. وبالتوازي مع ذلك، فقد أعلنت المملكة عن عزمها على إنشاء منصة تعاون دولية لتحقيق مفهوم اقتصاد الكربون الدائري، فضلاً عن إنشاء مجمع إقليمي لاستخراج واستخدام وتخزين الكربون، ومركز إقليمي للإنذار المبكر بالعواصف للتخفيف من المخاطر الصحية المتعلقة بالغبار، وإنشاء برنامج إقليمي لبذر السحب (الإمطار الصناعي) لزيادة هطول الأمطار بنسبة 25 %. وبناء عليه، فليس ثمة مبالغة في وصف الكثير من منظمات التنمية الدولية لهذه المبادرة بـ(ثورة خضراء) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ستلعب في حال نجاح تنفيذها دوراً مهماً في إعداد البنية التحتية اللازمة لحماية البيئة، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر للكوارث الطبيعية، ودفع العمل المناخي في المنطقة مع شركائها الدوليين لإيجاد حلول مبتكرة تقلل مستوى الانبعاثات الكربونية بشكل أكثر كفاءة وفعالية.
ثالثاً، من حيث الرؤية الاقتصادية على المدى الطويل، فإن هذه المبادرة تظهر إدراك المملكة ووعيها للتغيرات الهيكلية التي يقبل عليها النظام الاقتصادي العالمي، وبداية الانتقال التدريجي لنظام عالمي لما بعد النفط يعتقد أن تكتمل ملامحه خلال العقود الثلاثة القادمة. فعلى الرغم من أن الاستنفاد المادي للهيدروكربونات غير متوقع في العقود القليلة القادمة، فإن التوقعات العلمية والاقتصادية تشير إلى أنه بحلول عام 2050 ستصير مصادر الطاقة البديلة متاحة وبأسعار منافسة أو أقل من الوقود الأحفوري، وسيكون للتحول العالمي للاعتماد على هذه المصادر الجديدة للطاقة تأثير كبير على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبصرف النظر عن الانتقال العالمي للمصادر البديلة للطاقة، فإن التقلبات التي شهدتها أسواق النفط في السنوات الأخيرة قد زادت من إدراك دول المنطقة لحتمية لتبني إستراتيجيات جادة للتنويع الاقتصادي وتقليل اعتمادها المالي على عائدات تصدير النفط وتسريع جهود التحول في مجال الطاقة. فعلى سبيل المثال، أدت جائحة كورونا خلال العامين الماضيين إلى انخفاض الطلب على النفط في الأسواق الاستيرادية الرئيسة، وبخاصة الصين، لتنهار أسعار النفط عالمياً وتصل إلى أدنى مستوياتها منذ عقدين. فحتى وقت قريب، كانت القناعة المستقرة في العقل الاقتصادي للكثير من دول المنطقة تقوم على معايير اقتصادية بحتة بلا اعتبار جاد لمعايير متكاملة للتنمية المستدامة على المدى الطويل، ومن ثم فطالما كانت التكاليف المرتبطة بتنويع مصادر الطاقة وقطاعات البنيان الاقتصادي تفوق العوائد المحتملة منها، لم تكن هناك ضرورة اقتصادية حقيقية للانخراط بجدية في التحول.

ذو صلة