مجلة شهرية - العدد (582)  | مارس 2025 م- رمضان 1446 هـ

بين المخاطر والحلول الشرق الأوسط الأخضر والأمن الغذائي العالمي

بدأ العالم يلمس آثار التغير المناخي على البيئة والأمن والاقتصاد والغذاء، ومن هنا جاء تحرك المملكة العربية السعودية بإطلاق مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، لتمثل أول تحالف من نوعه في المنطقة لمكافحة التغير المناخي ودعم الاقتصاد الأخضر وتعزيز الاستثمار فيه، ووضع أسس دبلوماسية المناخ ولتعزيز الإرادة السياسية اللازمة لإحداث تغيير جذري فيما يتعلق بالحفاظ على البيئة والاستعداد لمواجهة مخاطر أزمة الأمن الغذائي العالمي. وكون المبادرة تتضمن أكبر برنامج عالمي لإعادة التشجير فإنها سوف تساهم في الحد من آثار التغير المناخي والاحتباس الحراري.

يهدد تغير المناخ الأمن الغذائي العالمي، مما يجعله أحد أكثر الاهتمامات إلحاحاً في القرن الحادي والعشرين. وعلى الصعيد العالمي، يعاني حوالي 820 مليون شخص من الجوع. ويعتبر المناخ من أهم المحددات في الكفاءة الزراعية، ولأنه مرتبط بعمليات فسيولوجية يمكن أن يكون له تأثير مباشر.
هذه القضية لديها القدرة على التأثير على الأمن الغذائي العالمي، لا سيما في البلدان النامية. واعتماداً على الموقع والمنطقة المناخية والمحصول، قد يكون لتغير المناخ آثار إيجابية وسلبية على كمية الإنتاج الزراعي وجودته.
وسيكون توافر المياه أحد العوامل التي تحد من إنتاج المحاصيل والأمن الغذائي. ولن تحدث ندرة المياه إذا لم يزدد الطلب على المياه، ولكنها ستحدث إذا تم توسيع المساحة المزروعة بمعدلات كفاءة الري الحالية. ونتيجة لذلك، فإن تحديد آثار تغير المناخ على إنتاج الغذاء وموارد المياه أمر بالغ الأهمية لتصميم طرق التكيف. وقد واجهت الزراعة العالمية مشكلة جديدة في القرن الحادي والعشرين، على وجه التحديد، زيادة إنتاج الغذاء لعدد متزايد من السكان مع إدارة موارد المياه الشحيحة بشكل متزايد، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال زيادة إنتاجية مياه المحاصيل.
تم تحديد تعزيز إنتاجية المياه كأولوية سياسية مهمة من قبل عدد من المنظمات الدولية، بما في ذلك مجلس المياه العالمي (WWC)، والمعهد الدولي لإدارة المياه (IWMI)، ومنظمة الأغذية والزراعة. إن زيادة إنتاجية المياه هي الحصول على نفس المحصول الزراعي بمياه أقل أو الحصول على غلات محاصيل أعلى بنفس الكمية من المياه. وتؤثر العديد من العوامل غير المؤكدة على إنتاج المياه للمحاصيل بسبب تغير المناخ بما في ذلك، تقلب المناخ، وظروف خصوبة التربة على المدى الطويل، والمتغيرات المناخية، وزيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وعدم اليقين في نموذج نمو المحاصيل.
تجدر الإشارة إلى أن حالات الجفاف الشديدة، التي أصبحت في كثير من الأحيان بسبب تغير المناخ، تؤدي سلبياً إلى تفاقم إنتاجية المحاصيل من خلال تقليل تعبئة المغذيات وتراكم الأملاح في التربة، مما يجعلها جافة وغير صحية ومالحة وعقيمة في نهاية المطاف. ومن خلال دمج نهج متعدد التخصصات، يمكن أن يساعد الاستشعار عن بعد والتصوير الساتلي أيضاً في الإسقاطات المستقبلية للنظم الإيكولوجية الزراعية الحساسة وتقديم حلول تصحيحية. ويمكن أن يساعد استخدام نماذج محاكاة المحاصيل عالية الدقة المستندة إلى البيانات المناخية المستقبلية ومجموعات البيانات الأخرى صانعي السياسات في فهم آثار تغير المناخ على غلة المحاصيل بشكل أفضل.
وفي الوقت نفسه، وفقاً للتقارير السنوية للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، قد تزداد الإمكانات الزراعية في الدول المتقدمة بنسبة 8 % بحلول عام 2080، وذلك بفضل مواسم النمو الأطول، بينما يمكن أن تنخفض بنسبة 9 % في البلدان المتخلفة، مع توقع أن تعاني أفريقيا جنوب الصحراء من أعلى معدلاتها خسائر. وأكدت الأبحاث الحديثة أن التغيرات المستقبلية في درجات الحرارة وهطول الأمطار ستؤثر، وفي بعض الحالات تحد، من تأثيرات ثاني أكسيد الكربون المباشرة على النباتات.
قد تؤدي درجات الحرارة المرتفعة أثناء التفتح، وعلى سبيل المثال، إلى تقليل تأثيرات ثاني أكسيد الكربون عن طريق تقليل عدد الحبوب وحجمها وجودتها. وقد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل غير مباشر عن طريق زيادة استهلاك المياه. كما تُظهر معظم الدراسات اتجاهاً عاماً للانخفاض بالنسبة لأهم المحاصيل الحقلية في العالم العربي، وقد يؤدي تغير المناخ إلى زيادة الاحتياجات المائية بنسبة تصل إلى 16 في المئة للمحاصيل الصيفية مع خفضها بنسبة تصل إلى 2 في المئة للمحاصيل الشتوية بحلول عام 2050. ومع المناخ المتوقع سيتغير الطلب على الري وسوف يطول وقت الري للري التكميلي، نظراً للزيادة في قيم التبخر المرجعية، ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي الطلب السنوي المرجعي للري في مصر بنسبة 6 إلى 16 في المئة بحلول القرن الحادي والعشرين، مما يؤدي إلى زيادة عامة في الطلب على المياه للمحاصيل.
إن الآمال معلقة على مبادرة الشرق الأوسط الأخضر لرسم خارطة طريق عربية تحمي منطقتنا من آثار بيئية كارثية، سعياً لتنمية الإنسان العربي وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي.

ذو صلة