مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

البيانات والصور الذاتية والوقاية من الأمراض.. الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية

تستخدم برامج الذكاء الاصطناعي في الأرجنتين، بداية من فحوصات كشف الإصابة بفيروس كورونا المستجد عبر برنامج (واتساب) وحتى التقاط صور ذاتية لفحص المخاطر القلبية، لدعم تشخيصات المراحل الأولى للأمراض. والتقنيات ذات الصلة ما زالت في مهدها، غير أنها قادرة على الكشف عما يغيب عن العين المجردة.
بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، فإنّ 138 مليون مريض يعانون سنوياً من سوء تشخيص حالاتهم المرضية التي ثبت لاحقاً أنها كانت قاتلة في 2.6 مليون حالة. ففي الولايات المتحدة، كانت الأخطاء الطبية المرتبطة بسوء استعمال المستحضرات الدوائية أو سوء التشخيص السبب الثالث للوفاة في عام 2015.

ويثبت كل ذلك أن الطب ليس معصوماً من الخطأ، وحتى المتخصصين يمكن أن يقعوا في أخطاء. إن الأداء اليومي لجميع الأطباء عرضة لعوامل كالتوتر أو الإفراط في العمل أو الإنهاك (إذ يعملون أحياناً لأربع وعشرين ساعة متصلة). وفي هذا السياق، ربما تجلب لنا القفزات التقنية التي تحققت خلال السنوات الأخيرة أنباء سارة. فقد حقق الذكاء الاصطناعي ابتكارات تعزز تشخيص الأمراض، بل وحتى ساعد على الكشف عن الحالات الصحية الخفية على العين المجردة.
وفي الأرجنتين، ما زال تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية في مراحله الأولية، غير أنه أظهر تطورات واعدة.

فحص فيروس كورونا المستجد عبر برنامج (واتساب)
مؤخراً، أطلقت حكومة مدينة بوينس آيريس برنامج «IATos» بهدف تعزيز فحص فيروس كورونا المُستجد. والبرنامج أداة تسمح لك بتسجيل صوت سعالك على برنامج (واتساب) وإرساله عبر (Boti) (وهو برنامج الدردشة الآلي الخاص بالمدينة) تمهيداً لتحليله ببرنامج (IATos). وإذا طابق المقطع الصوتي أنماط الحالات الإيجابية، فإن البرنامج يوصيك بالخضوع لفحص فيروس كورونا المستجد.
ويعمل برنامج (IATos) استناداً إلى شبكة ذكاء اصطناعي عصبية بوسعها تحليل الأصوات والأنفاس وأصوات السعال.
ولتدريب نظام التعرُّف القائم على الإنترنت، جُمِعَت أصوات 140 ألف مريض ما بين مصاب بفيروس كورونا المُستجد وغير مصاب به عبر برنامج (Boti) (عبر فحوص اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل) من منتصف عام 2020. وهي أكبر قاعدة بيانات من نوعها في العالم أجمع، وهي مُتاحة مجاناً للجميع.

أثارَ برنامج (IATos) مخاوف متعلقة بالخصوصية.
وقد بلغت نسبة دقة التنبؤات الحالية لبرنامج IATos %8ولو أنه (ليس باختبار للكشف عن المرض، وإنما عنصر آخر له ثِقل فيما يتعلق بتحديد ما إذا كانت بحاجة إلى إخضاع نفسك إلى فحص). بحسب ما جاء على لسان وكيل المدينة الذكية أوغسطن سواريز في تصريحه لصحيفة كلارين الأرجنتينية. ويعني ذلك أن توجيهات برنامج Boti لا بد من تأكيدها بمسحة أنفية.
وقد أثار البرنامج مخاوف متعلقة بالخصوصية. قال سواريز تعليقاً على ذلك: (إن التسجيلات تتم دون الإفصاح عن هوية صاحبها، ولا تُجمع أي معلومات شخصية. فالنظام يُحلل وحسب أنماط سعال مُحدَّدَة). وتعليقاً على وصول البرنامج إلى مكبر صوت جهازكَ، قال سواريز إن المعلومات المجموعة فقط عبر النظام الصوتي لبرنامج (واتساب) هي التي تُعالَج، مضيفاً أنه لا حاجة لتفعيل المزيد من التصريحات أو تحميل أي تطبيقات أخرى.

المخاطر القلبية والمتعلقة بالسكري
زارَ خوليو (البالغ من العُمر 65 عاماً) طبيب القلب بعد أن أحسّ بالتعب. وأحسّ بأن هناك انسداداً في شريانه. ولكن، بعد أن عبّأ الاستبيان التقليدي واستكمل الفحوصات الطبية، قيل له إنه بخير حال. وبعد بضع سنوات، تعافى خوليو من جراحة في القلب خضع لها بسبب المضاعفات التي أصابته إثر خضوعه للفحوصات. ويقول إنه لو كانت هناك أداة للتنبؤ بخطورة تعرضه لأزمة قلبية، فلربما كان قد أقنع طبيبه بأنه معرض للخطر.
يرأس طبيب القلب جوستافو داكوارتي وحدة الذكاء الاصطناعي في منصة ÜMA Salud، وهي منصة صحية رقمية. وصرَّحَ لصحيفة كلارين بأنه أمسى مهتماً بالذكاء الاصطناعي عندما عملتُ على تشخيصات عبر التصوير الطبي، وبدأت ألاحظ أن الخوارزمية تقترح شيئاً مختلفاً عن اعتقادي وظني. وبعدها، تحققت من الأمر واكتشفت أنني كنت مخطئاً وأن الذكاء الاصطناعي مصيب.
ويقول جوستافو إن المرضى عادة ما يزورون الأطباء عندما تظهر عليهم الأعراض، ولذلك ركَّزَت منصة ÜMA Salud على ابتكار أدوات تقنية للكشف عن عوامل الأمراض في مرحلة مبكرة. في سبتمبر 2021، أطلقت المنصة أداة مجانية على صفحتها على شبكة الإنترنت تستخدم خوارزمية مبنية على التعلم العميق للشبكات العصبية للتنبؤ بمخاطر الإصابة بأمراض القلب أو السكري من النوع الثاني. وكل ما يحتاجه المريض فقط أن يُسجِّل ويستكمل استبياناً موجزاً، ويرسل صورة لوجهه (صورة ذاتية) يمكن التقاطها بأي جهاز شريطة وجود إضاءة كافية وأن يكون الوجه واضحاً بشكل لا لبس فيه.
يحلل النظام الصورة في ثوان معدودات، ويُحدِّد مستويات خطورة إصابة المريض بتلك الأمراض. وتُحلل الخوارزمية هنا أنماطاً محددة للوجه (تشكيل تجاعيد بعينها على الأذن، أو رواسب دهنية صغيرة على الأجفان، إلخ) ربما كانت مُرتبطة بمؤشرات مبكرة جداً على مرض محتمل. وغالباً ما تكون هذه الأنماط خفية على العين المُجردة. يقول جوستافو إن الاختبار التجريبي الذي أُجري على 1500 صورة (500 من مرضى السكري، و500 من مرضى القلب، و500 من الأصحاء) حقق مستــــوى دقة بنسبة 71 % لمرضى القلب و72 % لمرضى السكري. واليوم، بلغ مستوى دقة اختبار الجهد القلبي %70.
وقد استخدم أكثر من 8000 شخص تلك المنصة، ولو أن جوستافو يشدد على أن نتائجها استدلالية وأنها ليست (بالتشخيص الحاسم). ومرة أخرى، تطلبت الحاجة إجراء فحوصات سريرية على سبيل التأكيد.

الذكاء الاصطناعي حليف مفيد
يرأس عالم الأعصاب موريشيو فاريز حالياً مركز أبحاث CIEN المتخصص في أمراض الجهاز العصبي والمناعي التابع لمركز (فليني)، وهو مركز وعيادة لأمراض الأعصاب. وفي عام 2017، شاركَ في تأسيس شركة (إنتيلاي) الناشئة المتخصصة في تطوير الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية. ومن بين ركائز شركة (إنتيلاي» دمج الذكاء الاصطناعي في التصوير التشخيصي. ومنتج الشركة المعروف باسم «Entelai Pic» أداة تعتمد على خوارزميات التعلُّم العميق المستخدمة في الدراسات العصبية. وهي أول برنامج طبي مستند إلى الذكاء الاصطناعي تعتمده الهيئة الحكومية لتنظيم العقاقير.
من ناحية، تُستخدم هذه الأداة في الكشف المبكر عن الأمراض المُزيلة للمَيالين مثل التصلب المتعدد الذي يتطلب تصوير بالرنين المغناطيسي في منتهى الدقة. ويسمح الذكاء الاصطناعي بالكشف عن التغييرات الطارئة على حجم المخ وآفات بعينها من الصعب جداً الكشف عنها بالعين المجردة.
إن دقة الكشف عن أمراض الرئتين أعلى حتى من دقة كشف أكثر الأطباء تخصصاً.
ويمكن للأداة باستخدام الخوارزميات أيضاً أن تقيس حجم المخ، وتلك القطاعات تحديداً المتعلقة بتشخيص أمراض المخ التنكسية مثل باركنسون أو ألزهايمر. يقول فاريز: (إنه من الصعب جداً على أي طبيب أن يرى تكويناً ثلاثي الأبعاد للمخ ومقارنته بما يُعدُّ طبيعياً، ما لم تكن التغيرات حادة للغاية. واليوم يمكننا تحديد حجم مخ المريض، والفضل في ذلك للذكاء الاصطناعي، ومقارنة القيمة المُستخلصة بقاعدة بيانات قوامها آلاف الحالات).
ويسمح برنامج Entelai Pic أيضاً بالتصوير الإشعاعي للقفص الصدري، فصارت تلك الصور ذات أهمية بالغة في الأشهر الأولى للجائحة عندما تسبب فيروس كورونا في الإصابة بأكبر عدد من حالات الالتهاب الرئوي. ودقته في الكشف عن أمراض الرئتين أعلى حتى من دقة كشف أكثر الأطباء تخصصاً.
يقول فاريز إن الذكاء الاصطناعي فعّال في عملية التشخيص قدر فعالية أفضل المختصين، غير أن الأدلة العلمية تثبت أن مزيجاً من نوعي التشخيص يتفوق على أي منهما بحياله. ويصف فارير الذكاء الاصطناعي بـ (الحليف في اتخاذ قرارات أفضل).
وقد قدّمَت الشركة 250 ألف استشارة باستخدام برنامج Entelai Pic، وتعقد الآمال بحلول عام 2022 أن تكون لديها ملايين الصور لتحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعي. وفي حين أن الشركة تعاونت إلى الآن مع العيادات والمستشفيات، فهي تود أن تطلق منصةً لخاصة المُستخدمين بحلول نهاية مارس من العام الجاري.
وفي هذه الحالة، سيكون البرنامج أداة تسمح للمرضى بتحليل الشَامَات عبر صور تُلتقط بهواتفهم الخلوية لأغراض الكشف المبكر عن الأورام المحتملة. وتفيد الفحوص إلى الأن بأن نسبة دقة هذه الأداة بلغت  70 %.

التعلُّم العميق وسرطان الثدي
عندما قررت كارولينا موندينو (البالغة من العمر 25 عاماً) أن تدرس الهندسة الحيوية، كانت تعلم أن هدفها تحسين حياة الناس. ولأغراض مشروعها النهائي، صممت أداةً تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمساعدة الأطباء على الكشف عن سرطان الثدي.
وصممت خوارزمية بوسعها تصنيف الأورام المرصودة في صور الثدي الشعاعية وفقاً لنوع الورم وحدته، ومن ثم تحديد خبث الورم من عدمه. والنظام فعال بنسبة  90 % في تصنف أنواع الأورام، وتبلغ دقته  70 %  في تحديد مدى خبث الورم. وهي أيضاً تأمل أن يتسنى استخدام البرنامج المصمم أساساً للاستخدام الطبي بمعرفة المرضى أنفسهم.
ويتمتع برنامج Entelai Pic بخوارزمية للكشف عن الأورام في صور الثدي الشعاعية بنسبة دقة تصل إلى 93 %. يقول فاريز إن الخوارزمية التي تُستخدم دُرِّبَت باستخدام مزيجٍ من ملايين الصور. وأضاف قائلاً إنه من بين الميزات العظيمة للذكاء الاصطناعي السرعة والقدرة على اختصار عمل الأطباء والحد من حالات التأخير، الأمر الذي قد يكون بالغ الأهمية في علاج مرض السرطان.

تطورات واعِدَة
إن منصة ÜMA Salud وبرنامج Entelai يعملان استناداً إلى مبدأ التشخيص الداعم أو أداة الذكاء الاصطناعي التي تُجري تشخيصاً مبدئياً عبر أسئلة تُطرح على المريض. ولقد دُرِّبَت خوارزمية منصة ÜMA Salud بآلاف من التواريخ السريرية، وتبلغ نسبة دقتها 80 %. يقول داكوارتي إن المنصة ما زالت قيد التطوير. ويشمل منتج شركة إنتيلاي المعروف باسم Entelai Doc خاصية إحالة المرضى إلى الأطباء المختصين، ومراقبة تلقائية للمرضى، ونظام إنذار للاستشارات العاجلة.
وما زالت التطبيقات الأخرى في المرحلة الاستقصائية، لكن قد يثبت أنها حاسمة لاحقاً. ومن بينها استخدام الذكاء الاصطناعي لاختصار الوقت اللازم للتمييز بين الخلايا الجذعية المُتعددة القدرات إلى حد كبير. يقول أرئيل وايزمان الباحث في المجلس الوطني للبحث العلمي والتقني (CONICET) والمعني بهذا المشروع: (إن ذلك سيكون له تبعات كبيرة على العلاجات التعويضية لعدد كبير من الأعضاء البشرية. ويضيف وايزمان قائلاً إن الخلايا الجذعية المتعددة القدرات هي أقوى أنواع الخلايا الجذعية على الإطلاق، إذ إنه بوسعها التحوُّر (التمايز) إلى أي نوع من الخلايا في الكائن الحي البالغ).
وتعكف وزارة العلوم الأرجنتينية أيضاً على اختبار خوارزميات ذكاء اصطناعي مصممة لمنع تفشي جائحات فيروس كورونا وغيره من الأمراض المعدية في الدولة.

ذو صلة