منذ أن خرج ديوان (آماس وأطلاس) إلى النور في بواكير القرن العشرين؛ أدرك القارئ العربي وطليعة المثقفين والأدباء العرب أنهم إزاء شاعر متميز، ذي رؤية خاصة، ونفس جديد، يسعى إلى إحداث نقلة نوعية على صعيد الحركة الثقافية والإبداعية في المشرق العربي وشبه الجزيرة العربية من جهة، وحركة الواقع الاجتماعي المعيش من جهة أخرى، ويوماً بعد يوم أثبت الشاعر السعودي الرائد والمفكر اللامع محمد حسن عواد بصمته الشعرية المتفردة إلى جانب نهوضه بأعباء مسؤوليته التاريخية بهمة وإرادة ورؤية واضحة من خلال أفكاره الناضجة وتطلعاته الحداثية التي تستجيب لمتطلبات الحياة العصرية، كما أثبت أنه مبشر برؤى تجديدية جعلت منه رقماً صعباً في حركة الشعر العربي المعاصر، بل أثبت كونه المجدد الأهم في مسيرة النهضة الأدبية في المملكة العربية السعودية الحامل بين يديه رسالة تنويرية تتميز بصدق وحزم استثنائيين، وهذا ما جعله يخوض معارك فكرية بإيمان وإصرار مع العديد من الأدباء والمفكرين المجايلين له.
كما أن الشاعر المجدد محمد حسن عواد منذ أن أطل بكتابه النثري المهم (خواطر مصرحة) عام 1926م؛ أطلق العنان لآرائه وأفكاره في مجال التجديد الثقافي، وإعادة تقويم الأعراف والقيم الاجتماعية والأخلاقية، وقد تميز هذا الكتاب بطروحاته الجريئة في نقد المجتمع وبعض العادات والتقاليد السائدة آنذاك، وكذلك انتقاده للمرتكزات العامة للثقافة الرائجة وقتذاك، وقد اعتبر الكثير من النقادة أن هذا الكتاب صرخة مدوية لايزال صداها قائماً حتى يومنا هذا، كما عرف عن محمد حسن عواد أنه أول من حمل رسالة نهضوية في تاريخ شبه الجزيرة العربية بهمة عالية دون كلل أو ملل ودون تردد أو توانٍ أو مواربة، ناهيك عن كونه ﻣﻦ أواﺋﻞ المثقفين الذين طالبوا بتعلم اﻟﻤرأة ورﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮاها اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ والاﺟﺘﻤﺎﻋﻲ كي تأخذ دورها اللائق في المجتمع.
ولا نأتي بجديد إذا قلنا إن محمد حسن عواد الشاعر كانت له ريادة بائنة وأسبقية لافتة في كتابة قصيدة التفعيلة، أو ما يصطلح عليه بالشعر الحر، حسب ما وثقته بعض الدراسات الحديثة، بالإضافة إلى ذلك كان سباقاً في الدعوة إلى نبذ التقليد، ليس على صعيد القصيدة العربية فحسب؛ بل على صعيد الواقع من أجل بناء مجتمع متطور، وكان في طليعة الأدباء العرب الذين كسروا حالة الركود والتقولب في شكل ومضمون القصيدة العربية العمودية من خلال قصائده ذات النزعة التجديدية، ويمكننا الإشارة إلى قصيدة (ترنيمة) وقصيدة (بلاد العزم) اللتين ظهرتا في ديوانه (آماس وأطلاس) المنشور بوقت مبكر من القرن الماضي، وهاتان القصيدتان كان لهما قصب السبق على قصائد رواد حركة الشعر الحر مثل قصيدة (الكوليرا) لنازك الملائكة وقصيدة (هل كان حباً) لبدر شاكر السياب.
لم تكن مجالات التجديد في الشعر في نظر محمد حسن عواد تخص الإيقاع الشعري والأوزان التقليدية أو الصور الشعرية فحسب؛ بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى الطروحات الفكرية والاجتماعية الملتزمة بالقضايا المصيرية للوطن العربي بشكل عام ضمن إطار القصيدة الحديثة، فكان أن جمع بين جرأة التعبير وجدة المعاني، وهو ما حرك أسباب التأمل والتدبر في مسيرة الحركة الثقافية العربية المعاصرة، وهذه الخاصية خلقت له مماحكات كثيرة مع العديد من النقاد والأدباء المخالفين لأفكاره، فشبت على إثر ذلك معارك حامية الوطيس بين أصحاب مدرسة الشعر التقليدي والمحافظين من الشعراء وبين الأدباء المجددين في شكل ومضمون القصيدة العربية. كما أن شعر العواد إضافة إلى كونه يتسم بلغة ثورية ونزعة تجديدية وروح وثابة؛ كان يتسم بطابع الالتزام في قضايا الإصلاح، لذلك نجده في طليعة الذين آمنوا بوظيفة الأدب الإصلاحية وضرورة إجراء تغييرات جوهرية في المجتمع على كافة الأصعدة الثقافية والاجتماعية والسياسية، وهذا يؤشر من طرف خفي لمأخذ سجل عليه تجلى في عدم اعتنائه بتطوير أدواته الشعرية الخاصة.
من جانب آخر لم يكن العواد رائداً في ميدان التجديد الشعري فحسب؛ بل إنه كان رائداً في مجال الكتابة النثرية والأدبية والفكرية كذلك، ويكاد يكون أول من اختط أسلوب المقالة الأدبية في الأدب السعودي المعاصر، وكانت له مؤلفات وكتابات مهمة كثيرة أثرت الساحة الثقافية في عموم الجزيرة العربية والخليج العربي منها (خواطر مصرحة) عام 1926م، (تأملات في الأدب والحياة) عام 1952م، (من وحي الحياة العامة) عام 1943م، (الطريق إلى موسيقى الشعر الخارجية).. وغيرها. وقد كان عواد في جميع مراحل حياته واضحاً جلياً في دعوته إلى الكتابة بطريقة الشعر الحر، وكذلك في تراصفه مع جميع موجات الحداثة، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في عدم إنكاره لقصيدة النثر كما فعل بعض رواد حركة الشعر الحر، إضافة إلى ذلك كان من السباقين إلى استخدام التقنيات الحداثوية في كتابة القصيدة الحديثة، مثل توظيف الأسطورة، أو الانفتاح على التجارب الأدبية في الآداب العالمية الأخرى.
إنه مبدع ومفكر في آن معاً، لذا تميز محمد حسن عواد بوضوح الرؤية وصلابة الرأي والاعتداد الراسخ بالنفس والإصرار على الموقف، ما جعله لا يبالي في الذهاب إلى أبعد نقطة في الدفاع عن آرائه ووجهات نظره منذ أن شن الهجوم المبكر على النمط التقليدي في الأدب العربي في مقاله الموسوم (الأدب في الحجاز) الذي ظهر في كتابه المهم (خواطر مصرحة) عام 1926م، وهذا الكتاب عموماً يعد أول كتاب تنويري نهضوي في تاريخ الجزيرة العربية في نظر الدارسين والمهتمين بحركة الثقافة والأدب في العالم العربي، وقد أثار زوبعة مدوية على الصعيد الثقافي والاجتماعي والفكري ليس على مستوى الجزيرة العربية فحسب، بل على صعيد عموم الساحة الثقافية العربية المعاصرة امتد صداها إلى اللحظة الراهنة، ولم يفتر عواد طيلة حياته عن كتابة المقالات الداعية إلى نبذ الصياغات القديمة والقيم البالية.
ومما يحسب لصالح تجربة الشاعر الرائد محمد حسن عواد أنه شجع أقرانه الآخرين على المغامرة وخوض غمار التجريب في جميع الاتجاهات الإبداعية والفكرية والاجتماعية، وذلك لما كان يمتلكه من مقومات التحدي والإصرار والصلابة، كما أن شخصيته المفطورة على التجريب والمجبولة على الإقدام دفعته إلى خوض مغامرات جريئة في التجربة الشعرية ودعته إلى تناول موضوعات شديدة الحساسية في الواقع، وإلى استخدام مفردات مؤثرة في الحياة العامة، ما جعله رائداً متميزاً للأدب الواقعي في مفهومه الإصلاحي التنويري، فكان بحق أحد أهم الرموز والقامات الأدبية والثقافية في المملكة العربية السعودية، ومن أبرز طلائع حركة النهضة الأدبية والفكرية في شبه الجزيرة العربية ومن أهم الشخصيات الإبداعية، كما حظيت تجربته باحتفاء كبير على الصعيدين الرسمي والشعبي، ومن بين أحد الأنشطة الثقافية المعروفة لمحمد حسن عواد هو ترؤسه نادي جدة الثقافي منذ تأسيسه إلى فترة منتصف السبعينات من القرن العشرين.
إن ما يميز تجربة العواد الشعرية أنه لم يكن مهتماً بالتجديد الموسيقي للقصيدة العربية فحسب؛ بل كان همه الأكبر هو الخروج على الموضوعات التقليدية في قصائده، إلى جانب سعيه نبذ شعر المديح والقصائد المناسباتية، كما كان صاحب محاولات يقظة في جعل شعره أنموذجاً للفكر المتأمل الذي يواكب حركة الحياة بوهج الأحاسيس الصادقة، رغم ذلك كانت تجربة العواد في تجديد موسيقى الشعر من الجرأة بمكان بحيث تم اعتبارها الأقوى تأثيراً في هذا الميدان، خصوصاً في مساحة الجزيرة العربية لأنها عبدت الطريق أمام معاصريه والأجيال اللاحقة من الشعراء السعوديين على وجه الخصوص للاندفاع نحو التجديد الشعري على صعيدي المبنى والمعنى وكافة نواحي الفعل الإبداعي كالصورة والرمز والرؤية والمحتوى العام. وهناك شبه اتفاق بين النقاد على أن تجربة العواد كانت حصيلة تمازج معطيات مدرسة (الديوان) ذات الطابع الفكري النقدي ومعطيات تجربة جماعة (أبولو) بنزعتها الرومانسية واحتفائها بالجانب الوجداني في الشعر، وفوق ذلك كله طغى على شعر عواد الهم الوطني والاجتماعي وتطلعاته إلى النهوض بالمجتمع، وكأن عاطفته الفردية قد أريقت في عاطفة الجماعة، فكان طابعه العام أقرب ما يكون من مذهب الالتزام الذي كان رائجاً آنذاك، ونقرأ له مقطعاً من إحدى قصائده يقول فيه:
أيها المشرف من رأس الهرم!
أيها الناظر من خلف السدم
أيها المحجوب في الغيب الأصم!
هذه الدنيا هبوط وصعود
درج السلم ترتج ارتجاجا،
والمساعي تملأ الأرض عجاجا
ليتها تسلك للخير فجاجا!
أسفاً! فالشر شيطان مريد
ليت، أمي وأبي لم يسلماني
قبضة العالم مرخي العنان
أحسنا الأمر إذن لو يعلمان
غير أن الأمر من خلف السدود
يشار إلى أن محمد حسن عواد كان معجباً بمحمود عباس العقاد، لا سيما أن هناك عدة صفات متشابهة وقواسم مشتركة تجمع الشخصيتين، منها: الإيمان بما يحمله من أفكار ومبادئ وصلابة في الدفاع عنها دون تراجع مهما كلف الأمر، كذلك الاعتزاز بالرأي والاعتداد بالنفس، كما أنه في الوقت ذاته كان متأثراً بشعراء جماعة أبوللو، وبالأخص أحمد زكي أبو شادي، وقد وصف أبو شادي محمد حسن عواد بأنه: (قائد الحركة التجديدية في الشعر الحجازي ومن أولئك الشعراء الموهوبين المحسنين). ومن جانب آخر أشار المؤرخ والأديب محمد حسين زيدان إلى أن الشاعر الرائد محمد حسن عواد كان قد عرف (أبوللو) وذيل قصائده بهذا اللقب قبل أن تنشأ (جماعة أبوللو) في القاهرة، وذلك كان مدعاة إلى النزوع نحو الشعر الحر والمرسل ومحاولة منه في توظيف الأسطورة والرموز التاريخية في الشعر.