مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

العمارة الخضراء

هي تلك العمارة التي تترابط وتنسجم مع البيئة المحيطة وتتميز بعلاقة قوية مع هذه البيئة، كما أنها تعد أحد الاتجاهات الحديثة في الفكر المعماري سواء على صعيد العمارة الفردية أو المباني السكنية العامة أو المدن الكبرى أو الصغرى. وفي هذه المقالة نتعرف على مفهوم ومبادئ العمارة الخضراء.
مفهوم العمارة الخضراء
تعرف العمارة الخضراء بأنها عمارة مستدامة تسعى إلى تصميم واع يحترم البيئة، وتعمل على تعزيز فكرة الحفاظ على الموجود لإيجاد حياة أفضل للأجيال القادمة، وهي عمارة تأخذ بعين الاعتبار تقليل استهلاك المواد والموارد والحفاظ على الطاقة وتقليل أثر الإنشاء بعملياته المختلفة على المباني وعلاقتها بالطبيعة، فهي تسعى لإيجاد أفضل علاقة بين المبنى والطبيعة من جميع النواحي، هي عمارة صديقة لكل معطيات الجوار، تسعى إلى إهدار أقل وناتج أقل من الملوثات والمخلفات، تعمل على توفير الكثير من التكاليف الحياتية خصوصاً في أيامنا هذه كفواتير الماء والكهرباء، وهي ضرورية جداً للحفاظ على البيئة التي نعيش بداخلها.
ينبغي التأكيد هنا أن المقصود بالعمارة الخضراء ليس فقط إقامة المباني وفق شروط بيئية معينة أو زيادة المساحات الخضراء، إنما المقصود تحقيق التوافق بين الإنسان ومجتمعه وبيئته من خلال الربط بين ثلاثة عناصر أساسية (كفاءة استخدام الموارد، التعامل الأمثل مع الظروف المناخية والجغرافية السائدة، الاستجابة للاحتياجات البشرية المادية والاجتماعية السائدة) مع الحفاظ على حقوق واحتياجات الأجيال القادمة.
والمباني الخضراء تجمع بين مجموعة واسعة من الممارسات والتقنيات، والمهارات اللازمة للحد منها والقضاء في نهاية المطاف على تأثيرات المباني على البيئة وصحة الإنسان، إنها كثيراً ما تؤكد على الاستفادة من الموارد المتجددة، على سبيل المثال، استخدام أشعة الشمس من خلال الطاقة الشمسية السلبية، والطاقة الشمسية النشطة، والتقنيات الضوئية واستخدام النباتات والأشجار من خلال الأسطح الخضراء وحدائق المطر، والحد من جريان مياه الأمطار. وتستخدم تقنيات أخرى عديدة، مثل استخدام الخشب كمادة بناء، أو باستخدام خرسانة معبأة ملموسة قابلة للاختراق أو الحصى بدلاً من الأسفلت أو الخرسانة التقليدية لتعزيز عملية تجديد المياه الجوفية.
يمكن الإشارة إلى وجود كم كبير من التعاريف للعمارة الخضراء لدى الباحثين والدارسين والمهتمين بشؤون العمارة عموماً والعمارة الخضراء خصوصاً، فالمعماري كين يانج Ken Yeang يرى أن العمارة الخضراء أو المستديمة يجب أن تقابل احتياجات الحاضر دون إغفال حق الأجيال القادمة لمقابلة احتياجاتهم أيضاً.
ويرى المعماري وليام ريد William Reed أن المباني الخضراء ما هي إلا مباني تصمم وتنفذ وتتم إدارتها بأسلوب يضع البيئة في اعتباره، ويرى أيضاً أن أحد اهتمامات المباني الخضراء يظهر في تقليل تأثير المبنى على البيئة إلى جانب تقليل تكاليف إنشائه وتشغيله.
أما سوزان ماكسمان (Susan Maxman) فترى أنها العمارة التي تناسب ما يحيط بها وبصورة ما متوافقة مع معيشة الناس ومع جميع القوى المحركة للمجتمع.
ويمكن أن نشير إلى أن العمارة البيئية قد ظهرت في الحضارات القديمة في صورة محاولة الإنسان للتأقلم والتعايش في بيئته. وتباينت صور هذا التأقلم من استخدام المواد المتاحة في البيئة المحلية في العمران مروراً بطرق استخدامها وانتهاء بالأساليب التي اتبعها للتعامل مع عناصر البيئة ومحدداتها من الأمطار والرياح والحرارة وضوء الشمس وغيرها.
ففي مصر نجد أن إنسان الحضارات المصرية القديمة استخدم المواد المحلية وهي الطوب واللبن والبردي والأخشاب في منظوماتهم المعمارية الخاصة مثل مساكن العمال، في حين استخدموا الأحجار الطبيعية ونحتوا في الجبال منظوماتهم المعمارية المقدسة مثل المعابد.
وفي العمارة الإسلامية اتجه المعماريون إلى العديد من المعالجات البيئية مثل استخدام الملاقف والقباب والأقبية والفراغات الداخلية، وكذلك الأخشاب في المشربيات وغيرها. وكل ذلك كان في إطار تأقلم الإنسان مع بيئته. وكان هذا الاتجاه سائداً على مر العصور والأزمان، فلم يتجه الإنسان إلى تجاهل بيئته مطلقاً، وإنما حاول بشتى الطرق التأقلم مع عناصرها، إلى أن قامت الثورة الصناعية.
أسس ومبادئ العمارة الخضراء
من أهم أسس ومبادئ العمارة الخضراء:
1 - عدم الإسراف في استخدام المواد والموارد.
2 - الحفاظ على الماء، إذ إن الماء هبة ونعمة ربانية لا يحق لأي شخص مهما كان أن يسرف في صرفه وبالتالي هدره.
3 - الحفاظ على الطاقة من خلال تصميم المبنى بحيث يستفيد من الطاقة الطبيعية والتهوية الطبيعية وعدد الفراغات وشكلها وتوزيعها بشكل سليم، والفهم الصحيح والواعي لأسس التصميم المعمارية المتعارفة لدى كل معماري يساعد على استغلال أفضل للمصادر الطبيعية كالطاقة والهواء.
4 - التوازن في استخدام المواد بين تحقيق استفادة جيدة وضمان الاستمرارية، فزرع الأشجار وعملية التثمير من أسس العمارة الخضراء التي يجب استخدامها بشكل متوازن.
5 - التكيف مع المناخ، فقد حرص الإنسان على أن يتضمن بناؤه للمأوى عنصرين رئيسين هما: الحماية من المناخ ومحاولة إيجاد جو داخلي ملائم لراحته.
6 - إبراز جمال المسكن من خلال إبعاد الفكر الأصم للكتل عن عقلية التصميم فنحن لا نبحث عن كتل خرسانية منعزلة.
7 - على التصميم أن يراعي البيئة المحيطة ويكملها لا أن يحدث فيها متغيرات غير متآلفة معها.
8 - اعتبار الإنسان كعنصر بشري من عناصر الطبيعة يؤثر فيها ويتأثر بها في علاقة جدلية إبداعية متطورة.
9 - تحقيق أسس النظافة العامة للإنسان والبيئة لضمان وجود أنقى لموارد الطبيعة على المدى البعيد.
10 - البحث عن أفضل علاقة للمباني بالشوارع المحيطة لتقليل مفاهيم الاختناق في العملية التصميمية.
11 - عندما تصل المباني إلى نهاية عمرها الإنتاجي، عادة ما يتم هدم المبنى، التفكيك هو وسيلة لحصد ما يعتبر عادة (النفايات)، وإعادة استعمالها كمواد مفيدة للبناء، كما أن تمديد العمر الإنتاجي للبناء يقلل من النفايات من مواد البناء مثل الخشب التي هي خفيفة وسهلة للعمل مع جعل التجديدات أسهل.
عيوب تترافق مع العمارة الخضراء
1 - الموقع
بما أن هذه المباني تعتمد على الشمس للحصول على الطاقة، فإنها تحتاج إلى موقع متميز تسهل لأشعة الشمس الوصول إليه، وذلك قد يتطلب في بعض الأحيان وضعها في جهة مقابله للمنازل الأخرى.
2 - التوافر
المواد اللازمة لبناء هذا المبنى في بعض الأحيان يصبح من الصعب الحصول عليها خصوصاً في المناطق المدنية، حيث الحفاظ على البيئة ليس هو الخيار الأول لقاطنيها، لذلك شحن هذه المواد سيزيد من تكلفة المبنى.
3 - عدم توافر نظم تبريد الهواء
هذه المباني تعمل على الحرارة لتوليد الطاقة، وبالتالي فهي ليست مصممة للمناطق الساخنة لأنها لا تمتلك أي أنظمة لتبريد الهواء، لذلك سوف تكون هناك حاجة لمكيفات الهواء الأمر الذي سيجعل هذه المباني لا تمت بصلة لمفهوم (صديق للبيئة).

ذو صلة