مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

المنصات الرقمية وتسويق الكتاب

أثناء حضوري للمؤتمر الدولي للنشر العربي والصناعات الإبداعية في شهر مايو 2022، الذي أقيم قبل معرض أبوظبي الدولي للكتاب، بصفتي متحدثاً عن النشر المصري والعربي، وبعد الانتهاء من جلستي واستماعي لباقي الجلسات، كانت إحداها بعنوان (هل أصبحت منصات وسائل التواصل الاجتماعي سوقاً جديدة للكتب؟) فوجئت بما قدمته السيدة (آني آرسان)، المديرة الإستراتيجية لمنصة تيك توك، وخبيرة في الرؤى المؤثرة، من أرقام التفاعل مع الكتب على المنصة.
بدأت بمقولة السيدة (شانون دفيتو)، مديرة الكتب في مكتبات (بارنز أند نوبل) الأمريكية: (الكلام عن الكتب التي تحبها لن ينتهي أبداً، ولكن فقط سيتغير المكان الذي نتحدث فيه). وبناءً عليه، فمنصة تيك توك هي أفضل مكان الآن. ففكرة المنصة أنها تجمع الأشخاص بناء على تفضيلاتهم.
طلبتْ من الحضور الدخول على التطبيق والبحث عن كلمة BookTok ومراجعة حجم الحركة (أي كم مرة تم استخدامها في فيديوهات) على هذه الكلمة، كان الرقم 54 مليار مرة! نعم مليار، وظهر مصطلح جديد وهو (البوكتوكر) BookToker. جدير بالذكر أنها قالت إن الفيديو الذي حقق أكبر مشاهدة في العالم كان فيلم (تيتانيك) وقد حقق 3.5 مليار مشاهدة!
وفي أثناء كتابتي لهذا المقال، فتحت لأتأكد من الرقم فوجدت أنه قد وصل إلى 61 مليار مشاهدة! وأعتقد أنك لو بحثت عنه الآن، سيكون قد زاد في هذه الدقيقة التي نتحدث فيها.
ماذا يعني هذا؟ في زمن نقول فيه إن العالم لا يقرأ وإن العالم العربي لا يهتم بالقراءة والجيل الجديد لا يفعل شيئاً غير الاستمتاع بالألعاب وتصفح منصات التواصل الاجتماعي، نجد أن كلمة (كتب) على منصة تيك توك تحصل على 600 مليون مشاهدة آنذاك (والآن وصل الرقم إلى 737 مليون مشاهدة).
بالتأكيد هناك سبب. وفقاً لإحصائية على موقع (الإندبندت) البريطانية، ذكرت أن مصر تحتل المركز الخامس على مستوى العالم في معدلات القراءة بمعدل 7:30 ساعة أسبوعياً في حين احتلت السعودية المرتبة الحادية عشرة بمعدل 6:48 ساعة أسبوعياً، وهو عكس ما نسمع عنه ونقرؤه في صحفنا هنا.
هل المشكلة في طريقة حسابنا؟ هل فيما نعتبره قراءة أو ثقافة؟ هل هو التنميط الذي تعودنا عليه أم النظرة الدونية التي ننظر بها لأنفسنا؟ إذن من هو النجم الثقافي؟ ومن صنعه؟
هل هو القارئ؟
بصفتي ناشراً، كثيراً ما أقابل قراءنا في معارض الكتب في مصر وفي جميع أنحاء الوطن العربي، أقابل جميع أنواع القراء، من يقرأ بشكل منظم، من يقرأ للتفاخر أمام الأصدقاء، من يريد القراءة، ولكنه لا يملك الإمكانيات المادية لذلك، ومن لا يقرأ، ولكنه يحب التواجد في أوساط المثقفين، والكثير غيرهم. ولكن الأعداد في ازدياد وكذلك النهم لكل ما هو جديد ومختلف. ولكن هل هو النجم أم هو النتيجة أو السبب في وجوده هو النجم؟
هل هو الناقد؟
في الماضي، كان الناقد نجم الوسط الثقافي، كان لو كتب عن كتاب تقذف مبيعاته بعد المقال الذي كتبه إلى أرقام كبيرة ويصبح قادراً على صنع النجوم بمقاله. ولكني أتذكر منذ ثلاثة أعوام عندما تحمس ناقد كبير لأحد كتبنا وخصص له عامودين في جريدة الأهرام المصرية العريقة، متحدثاً عن رأيه الإيجابي في الكتاب ومدى أهميته. ماذا كان انعكاس ذلك على مبيعات الكتاب؟ بيعت نسختان فقط!
هل هو الناقد الحديث؟
في كثير من الأحيان في أثناء وقوفي في المعرض، أعرض كتاباً معيناً على قارئ موضحاً له الموضوع وأهميته، وفي أحيان أخرى، أحكي القصة كاملة بناء على رغبة القارئ، فينظر إليَّ بتركيز ثم يمسك تليفونه المحمول ويبحث عن الكتاب على موقع (جودريدز) GoodReads. وبناء على تقييم الموقع والمراجعات يقرر إذا كان سيشتري الكتاب أم لا، حتى لو كان الكتاب مترجماً فهو يبحث في المراجعات العالمية ويصبح ذلك مرجعه الأساسي ومصدر الثقة.
هل هو المُراجِع الحديث؟
حدث في أحد المعارض أن وجدنا طلباً كبيراً على عنوان صدر منذ عامين، وهو أمر غير مألوف. عادة يكون الاهتمام الأساسي في المعرض بالإصدارات الجديدة. وبناء على فضولي الشخصي، بدأت في سؤال المشترين عن السبب في اختيار هذا العنوان بالذات؟ ذكر الجميع أن ذلك بناءً على نصيحة ومراجعة أحد (البوكتيوبرز) BookTubers والتي ذكرت أنها تأثرت بهذا الكتاب بشكل كبير وأحبته. في بعض الأحيان، كان يقال على الكتاب حتى أنه (قمر)! وهو ما لم أفهمه. ولكنه وبشكل قاطع أثر في مبيعات كتاب قديم نسبياً أكثر من مقال في الأهرام. ثم سمعت عن مصطلح (بوكستجرام) Bookstagram، أي من يقوم بمراجعة الكتب على إنستجرام.
وقد اقترحت وأدرت أول ندوة عن ظاهرة البوكتيوبرز في الوطن العربي وذلك في معرض القاهرة الدولي عام 2018. وكان معي أوائل من أنشؤوا هذه القنوات وكان عدد المتابعين وقتها نحو 7 آلاف متابع فقط، الآن بلغ العدد 140 ألفاً، وهو مؤشر مهم لحجم الظاهرة.
بعد تفكير في الوضع الراهن، وفي المستقبل القريب الذي نرى إرهاصاته الآن، بل والمستقبل البعيد أيضاً، أرى أن المحرك الرئيس الذي يحرك كل هؤلاء الأطراف حالياً هو الذكاء الاصطناعي! نعم هو.
فــ (AI) أو الذكاء الاصطناعي والخوارزميات هي من يقرر ظهور مقال الناقد لك إما في أثناء البحث على الإنترنت أو على مواقع التواصل الاجتماعي. وتقرر أيضاً ما إذا كان فيديو (اليوتيوبر) أو (البوكستجرام) أو (البوك توكر) سيظهر لك وهو قادر على أن يفرضه عليك وعلينا حتى يصبح (تريند) ويكتسح المواقع.
ومهما حاول الناشر أو شركات التسويق الإلكتروني فهم أو التنبؤ بكيفية عمل الخوارزميات لإعداد المنشورات والفيديوهات التي تضمن أكبر تفاعل معها، يظل الذكاء الاصطناعي متغيراً بشكل يومي ويتطور بحيث يجد دائماً الجديد ويدفع الناشرين لدفع النقود في إعلانات حتى تظهر في المكان الصحيح.
ما المستقبل العربي في ظل كل هذا؟
يعيش في الوطن العربي 436 مليون شخص يتحدثون العربية ونحو 60 % منهم تحت سن الـ30 عاماً مما يعطينا ميزة نسبية كبيرة.
الصورة الدائمة هي أننا متأخرون 40 عاماً وأمامنا الكثير حتى نصل إلى ما هو في أوروبا أو أمريكا، وهي صورة غير منصفة بالمرة وفيها تقليل من إمكانياتنا وقدراتنا. فالتقدم لا يحدث بالوتيرة نفسها ولا يبدأ من الصفر. يمكننا بسهولة أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، بل ونضيف ونوفق الأوضاع حتى نصل إلى نتائج أفضل كثيراً، وخصوصاً في مجال التكنولوجيا. فكثير من حاضنات التكنولوجيا ومبادرات ريادة الأعمال الإلكترونية تبدأ في الوطن العربي وبإمكانيات بسيطة تصل إلى أقصى مجالات النجاح.
من خلال تعاملي واختلاطي بالكثير من الناشرين على مستوى العالم من (جوادالاهارا) في المكسيك إلى بكين في الصين إلى جانب فرانكفورت في ألمانيا بالطبع، والتي تعتبر مركز النشر في العالم، وجدت أن وضعنا ليس بعيداً عن العالم، وضعنا أفضل من دول كثيرة وهناك الكثير من الفرص، متاحة حولنا كناشرين، ولكنها تحتاج إلى بعض التسهيلات والتعاون والمساعدات (وهذا في حاجة إلى شرح تفصيلي للمشكلات والحلول) وعندها سيكون الوضع في الوطن العربي مختلفاً تماماً، ونكون في طريقنا مرة أخرى لقيادة العالم.

ذو صلة