محمد جابر الأنصاري مفكر عربي معروف يتميز بدقة العبارة، وجمالية الأسلوب، وجرأة التناول، وموضوعية الطرح، ووضوح الأفكار، والمؤلف من المفكرين العرب القلائل الذين يمتلكون القدرة على التركيز على كافة ظروف وحيثيات وملابسات التخلف في العالم العربي -والتنبيه إلى خطورة الوضع الحالي- والسبل الناجعة للتخلص منه والانطلاق نحو التقدم والتنمية والتطور.
كما أن الأنصاري -بحسب علي عبدالله خليفة-: (لم يكن مجرد ناقد أدبي حصيف فحسب، فقد كان مفكراً عروبياً أصيلاً ذا نظرة شمولية تنحو لوسطية قومية في معالجة تأزمنا الحضاري، وضع لها العديد من المؤلفات التي ناقش عبرها أعلى ما كان يطرح على ساحة الفكر العربي).
ولد الأنصاري عام 1939 في مدينة (المحرق) البحرينية، نال شهادة الدكتوراه في الفكر الإسلامي الحديث من الجامعة الأمريكية في بيروت 1979، مع دراسات مكملة في كمبردج والسوربون، وهو عضو المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون في البحرين، حاز جائزة الدولة التقديرية في البحرين، وجائزة سلطان العويس في الدراسات القومية والمستقبلية وجائزة منيف الرزاز للدراسات والفكر، ويشغل الآن منصب المستشار الثقافي لملك البحرين.
الأنصاري ومسيرة الثقافة والفكر
ألف الأنصاري عدداً من المؤلفات الثقافية والفكرية والسياسية القيمة، وكان مشغولاً بالهم السياسي والحضاري العربي، لذلك نجده يخصص العديد من كتبه لتناول العديد من الموضوعات الفكرية المهمة التي يبحث فيها إشكاليات واقع التأزم الفكري العربي وسبل الخروج من حالة الأزمة إلى آفاق النهضة والتقدم، ومن أبرز مؤلفاته العناوين التالية:
تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربية 1930 - 1970 ، العالم والعرب سنة 2000 ، التفاعل الثقافي بين المغرب والمشرق، مساءلة الهزيمة جديد العقل العربي بين صدمة 1967 ومنعطف الألفية، رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية وشواغل الفكر بين الإسلام والعصر، تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية، الفكر العربي وصراع الأضداد، العرب والسياسة أين الخلل.. جذر العطل العميق، لقاء التاريخ بالعصر.. دعوة لبذر الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيساً لثقافة العقل، وقام بترجمة هذا الكتاب (الذي نشر عام 2006) الدكتور منصور سرحان، وهو الذي ترجم عدة مؤلفات أخرى للأنصاري، بما في ذلك بعض المقالات المنشورة بالصحف والمجلات العلمية، وبهذا أمكن للقارئ الغربي في أمريكا وأوروبا أن يتعرف على كاتب ومفكر بحريني عربي مهم هو د. محمد جابر الأنصاري والذي تأثر بكثير من الكتاب والباحثين العرب أمثال خليل حاوي وإحسان عباس وسعيد فريحة وجبرائيل جبور وقسطنطين زريق وغيرهم.
تثقيف السياسي وتسييس الثقافي: بالرجوع إلى التراث السياسي نجد كما يقول الأنصاري أن الثقافة والحضارة تقف في جانب والسياسة في جانب آخر، ويعد هذا الأمر من أسباب الأزمة، لذا فإن الأنصاري يقترح لحل هذه الإشكالية أن يتثقف السياسي ويتسيس المثقف، لأن الانتقال إلى طور جديد من أطوار الحضارة سواء في السياسة أو في الثقافة، وجب أن يكون ثمة حوار المثقف والسياسي، يقدم الأنصاري وصفاً للسياسي إذ يقول: إن السياسي القدير هو الذي عنده جانب فكري وجانب ثقافي، لكن كلما تقدمت السياسة وتقدمت الثقافة فإن النموذج الإيجابي هو الذي يتقدم أيضاً.
التخلف قضية العرب الأولى
في كتابه (مساءلة الهزيمة جديد العقل العربي بين صدمة 1967 ومنعطف الألفية) يرى الأنصاري أن التخلف الحضاري عن مقتضيات العصر بجميع متطلباته الأساسية، حرية وتنظيماً وتفكيراً وإنتاجاً وقوة، (قضية العرب الأولى)، ويرى ضرورة الابتعاد عن فكرة التذرع بمحاججة نظرية المركزية الأوروبية التي يتصدى لها بعض المثقفين العرب كلامياً ليتهربوا من مقولة التخلف، بحجة أن التخلف مجرد إسقاط أوروبي على المجتمعات الأخرى، ثمة تقدم وثمة تخلف في العالم كله، والفيصل في ذلك معايير موضوعية في العلم والإنتاج ومستوى التحضر والتحرر الفكري والسياسي، فالتخلف إذاً هو نكبة العرب الكبرى.
وبرأيه - الأنصاري - لا يوجد حل سحري للخروج من هذا المأزق التاريخي إلا بالعودة إلى استئناف مسيرة التطور الحضاري الشامل، بمشروع نهوضي متكامل، وبنفس طويل، لا يحرق المراحل، ولا يحرق نفسه بالطفرات والمغامرات والحلول المرتجلة والآنية، سلماً أو حرباً. ولن يحدث هذا إلا بتحرير الوعي العربي الإسلامي العام من كثير من الأوهام والتصورات المغلوطة، وإعادة تأسيسه على التفكير المستقل الناقد الحر المنفتح لكل معطيات الحقيقة، أياً كانت، حيث لا يصح إلا الصحيح. مساءلة الهزيمة، ص 36.
الأنصاري والرباعية الازدواجية
يرى الأنصاري أن الإشكالية الفكرية في الواقع العربي الإسلامي تتمثل بأربعة إزدواجيات هي: العقل والإيمان، الدين والدولة، النظرة إلى الغرب، القومية واللاقومية، ويرى أن هذه الإشكاليات لن يتوقف مسلسلها المتجذر في التاريخ العربي الإسلامي ما لم تتم المبادرة إلى تمدين الريف والبادية بدلاً من ترييف وبدونة المدن، وهو ما جرى علينا - كما يرى - وتيرة العنف الفكري والفعلي المتصاعد في أيامنا هذه.
لقد (نادى الأنصاري بوحدة عربية تقوم على الاختيار الحر وليس بالضم والإلحاق، وعلى أساس ديموقراطي، لأنه لا قيام للعروبة إلا بقبول التعايش والتسامح داخل تنوعاتها القبلية والمناطقية والمذهبية والتعدديات الإثنية الأخرى، فهي بنظره مظاهر مشروعة يتعذر تجاوزها، لكن يمكن تطويرها ودمجها على المدى البعيد).
ينتقد الأنصاري ما يسميه بأزمة الوعود العربية، فهو يرى أن (المثاليات) المؤدلجة قد بالغت في تبشير الناس بغد أفضل، غير أن الواقع المقيم -برأيه- بقي أقوى نقض لها - كما لم يحدث ربما في تاريخ أمة أخرى، وهذا ما عمق من حالة الفصام بين اليوتيوبيا والواقع المعاش للأمة.