نتوه، نجهل، نتخبط، مازلنا نجهل! نحاول النهوض مجدداً في كل مرة دون جدوى، وكيف سننهصض ونحن نغوص في أحضان الجهل لنغفو؟!
صاحت بها بتململ:
- عم تبحثين الآن؟!
ردت بعد أن أخرجت زفيراً عميقاً قائلة:
- عن السلام بين تلك الحروب القائمة في رأسي!
- بربك يا فتاة! عمّ تبحثين في خزانتي؟! كفاك عبثاً بها!
- أين قميصك الأزرق الذي أحببته؟
- في الخزانة حتماً.
- آوه! حقاً! أمتأكدة!
- ربما!
- بمَ أنتِ سارحة؟ تبدين على غير ما يرام!
- أفكر بهِ، لمَ لم يتصل بي حتى الآن!
- ربما لم يصل بعد.
- لا! لقد وصل حتماً، لقد أخبرني أنه يحتاج إلى ساعتين فقط للوصل، كان ذلك قبل ثلاث ساعات من الآن!
- ربما طرأ أمر ما، لمَ كل هذا القلق!
- لأنني لا أثق به!
- لماذا؟! ما الذي حدث بينكما؟!
- لا شيء بعد!
- من أين أتيتِ بهذه الأفكار إذاً؟!
- من خبرات وتجارب الأخريات!
صرخت بحماس قائله:
- وجدته أخيراً!
إلا أنه سرعان ما تلاشى حماسها حينما أدركت بأنها لم تجده بالفعل إنما هيئ لها ذلك، قالت بخذلان:
- إنه ليس قميصي الأزرق، لكن متى حصلت على هذا البنطال؟!
- متى أصبح قميصي الأزرق قميصك! بالنسبة لسؤالك، لا أذكر من أين حصلت عليه ولا متى، ولكن بإمكانك أخذه فأنا لا أرتديه على كل حال.
- ألم تخبرك خبرات وتجارب الأخريات أن تقومي بترتيب خزانتك ولو لمرة واحدة على الأقل! ما كل هذه الفوضى هنا!
- لست بمزاج جيد يسمح لي بمجاراتك في تعليقاتك هذه.
ردت بسخرية:
- غريبة هذه الحياة! غريبون هم البشر! يرتبون الصفات البشرية حسب الأجناس وكأنهم يرتبون خزائنهم! يجب التنويه بأنه ليس الجميع يقوم بترتيب خزانته هنا!
ألقت جملتها الأخيرة بعد أن رمت بقميص أصفر كان قد سقط على رأسها وهي تعبث بداخل الخزانة وأردفت قائلة:
- هل قررتِ أن لا تثقي به فقط لأنه رجل! وذلك بناء على خبرات وتجارب الأخريات! أمحقة أنتِ!
- الدرس الأول في هذه الحياة هي أن لا تثقي برجل!
ضحكت بسخرية وقالت:
- حقاً! وهل نثق بجميع النساء إذن؟! لمَ نحكم على الأجساد بدلاً من الأرواح التي تسكنها! لمَ نلقي الصفات ونلصق التهم على جنس كامل دون الآخر فقط لجهلنا أو حتى لتجاهلنا بارتكاب الآخر لذات التهم! الروح الفاسدة هي روح فاسدة بصرف النظر عن شكل الجسد الذي ترتديه! وبما أننا ذكرنا الارتداء هنا، لمَ لا ترتدين هذه الثياب المتكدسة بدلاً من هذه الثياب الرثة على جسدك؟!
- لأنها مريحة وفضفاضة، لمَ لمْ يتصل بي حتى هذه اللحظة إذن؟! حتماً لأنه رجل! كمَا أخبرتنا خالتك سابقاً!
- أتعلمين! أنا لن أقبل أن يتهمني أحد بالفوضوية فقط لأنني فتاة مثلك! ولا أظنك ستقبلين اتهامك بالبخل لأنك امرأة مثل جارتك التي تطعم أطفالها الخبز اليابس وتكدس أموالها تحت رخام السرير! أو حتى اتهامك باللعوب كابنتها وذلك لأنك تمتلكين جسد أنثى مثلها! فكيف تتهمينه هو بالكذب فقط لأن زوج خالتِي رجل كاذب! ارتدي هذا الفستان وإلا سوف آخذه منك وللأبد!
رن الهاتف، قفزت بسعادة صارخة بحماس:
- خذي ما تريدين! خذي الخزانة بأكملها! بل والغرفة حتى!
خرجت مسرعة من المكان، تاركة خلفها ملحمة من الثياب تطفو حول الناجية الوحيدة من الصدمة! والتي كانت تنظر باندهاش نحو الباب أمامها وبين كفيها القميص الأزرق المنشود، وأخيراً!