ربما لن آتي بجديد حينما أتكلم عن مسيرة المجلة العربية وريادتها ومحطاتها وأدوارها، وقد كفاني عددها الاحتفالي بيوبيلها الذهبي -الشهر الماضي- المؤونةَ حينما جاء على بعض تلك الملامح، ولذا سأتحوَّل بالحديث عن تلك الملامح إلى حضور المجلة العربية في حياتي وتأسيسها لمساحة عريضة في جدار ثقافتي، وهي التي تزامنت ولادتها مع السنة الأولى التي أمسكت فيها بقلم الرصاص عام (1395هـ)، فكأنَّ هذه المزامنة تشي بما سيحدث بَعد ذلك من حضور فاعل للمجلة في حياتي الثقافية، وارتباط وثيق بيني وبينها.
نشأت في بيئة لم يكن للثقافة فيها حضور لافت، ولم تكن الأوعية الثقافية قد وصلت إليها عبر الناقل الرسمي بشكل منتظم إلا مطلع عام (1403هـ) بصحيفتَين محليتَين، وهو الأمر الذي ترتب عليه تأخر وصول المجلة العربية لهذه البيئة (محافظة العُرْضِيَّات - أقصى جنوب منطقة مكة المكرمة)، ولذا كانت معرفتي بالمجلة العربية في عام (1404هـ أو 1405هـ) حينما كان يجلبها معه أخي الدكتور عثمان السهيمي من مكة التي كان يَدرس في جامعتها جامعة أم القرى، ثم انتظمتْ بعد ذلك في الوصول إلى العُرضيات مع الناقل الرسمي.
يومَها صافحتْ يداي المجلة العربية فشكَّلت مع غيرها من الأوعية الثقافية الأخرى -على محدوديتها- الدهشةَ الأُولى ونقطةَ انطلاقي لعوالم الأدب والثقافة والفكر، وقد وفت المجلة العربية -بما تكتنزه من محتوى ثقافي وفكري ثري- ببعض متطلبات مرحلتي العُمْرية المتطلعة لمصادر الأدب الثقافة والفكر، وساهمت في رسم ملامح مسيرتي الأدبية والثقافية.
لا أنسى للمجلة العربية أنها كانت أول مجلة ثقافية (رصينة) تأخذ مكانها في قلبي، ولذا كان لي معها الكثير من الذكريات، فمن شغفي بها أنني كنت أتلقَّاها -أحياناً- في الطريق قبل أن تصل إلى محافظتنا، وإذا صافحتْ يداي عددها الجديد أعمد لشم رائحة حبرها، وفي المرحلة الثانوية النهائية عام (1406هـ) كنت متى أصابني الفتور من الكتب الدراسية أتحوَّل للقراءة في المجلة العربية مهما تكررت موضوعاتها المقروءة، وفي عام (1412هـ) أهديتُ لأحد طلابي في الصف السادس الابتدائي نسخة من العدد الجديد للمجلة العربية بمناسبة حصوله على المركز الأول نهاية العام الدراسي، وفي عام (1418هـ) اشتريت نسخة منها ولم يكن (الغرا) فيها جيداً، فأرسلتها بريديّاً لعنوان المجلة، من أجل أن يتنبه القائمون عليها لهذا الأمر، وبعد أيام حمل إليَّ البريد نسخة بديلة.
تشرفتُ بالنشر في المجلة العربية منذ عام (1411هـ) تقريباً بقصيدة بسيطة -لا أذكر عنوانها- نُشرت في صفحة (أقلام واعدة) وأظنها كانت باسم مستعار، ثم بقصيدة أخرى بسيطة عام (1414هـ) عنوانها (يا باكي الأمس) نُشرت في الصفحة نفسها، ولم أعد أتذكر مشاركاتي في المجلة العربية بعد تلك القصيدة، لكنني أذكر أنها نَشرت لي عام (1426هـ) قصيدة عنوانها (السُّودة)، وتوالى نشري فيها حتى اليوم.
صندوق الذكريات مكتظٌّ، وعطاء المجلة ممتد، والأسماء التي مرتْ على ذاكرتي كثيرة لا تُعد، ومنها ابن عقيل والقصيبي وحمود البدر والعريفي والبواردي والقرعاوي والسماوي وجويدة والجلواح.. والقائمة تطول وتطول. ولعلني أختم ما جاء في حكايتي الممتدة (40) عاماً مع المجلة العربية بالقول: إنني بدأتُ -كما ذكرتُ آنفاً- مسيرة التعلُّم في العام نفسه الذي انطلقتْ فيه المجلة العربية لتنفح عبيرَها الفواح في أرجاء الوطن العربي، وقد تقاعدتُ -مبكراً- منذ سنوات خمس وماتزال تواصل مسيرتها الناجحة حتى وصلت اليوم عامها الـ(50) من الثراء والإثراء المتميزَين.
أمد الله في عمرها، لتظل تدفع لنا -مطلع كل شهر- بأدب راق وثقافة شاملة وفكر مستنير، وأبقاها -كما عهدناها- مشعلاً مضيئاً وحقلاً خصيباً ونهراً دفاقاً.