مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

نشأة المسرح العربي

يؤكد الباحث الفرنسي إيتين دريوتون في كتابه ( المسرح المصري القديم) عام 1928، أن الفراعنة عرفوا فن المسرح قبل الإغريق، وأنه كان هناك فن مسرحي نشأ مستقلاً عن المسرحيات الدينية، وذلك من خلال لوحة كشف عنها في أدفو عام 1922، عليها إهداء إلى الإله حور من ممثل متجول يدعى أمحب... وتشير اللوحة إلى وجود مسرحيات وتوزيع أدوار وحدث وممثلين ثانويين، كما توصل الباحث إلى وجود كراسات خاصة بالمخرجين وأخرى خاصة بالممثلين تحتوي على كل ما يتطلبه العرض المسرحي، وقال الدكتور أحمد الحوفي إن نشأة الأدب المسرحي في مصر الفرعونية نشأة دينية وإن مصر سبقت اليونان بثلاثة آلاف عام في التمثيل كما يتضح من تمثيلية (منف في عهد الملك مينا) ومسرحية (التتويج في عهد سنوسرت الأول) ومسرحية (انتصار حورس على ست قاتل والده أوزوريس) التي يرجح أن كاتبها أمحتب الحكيم في عصر الملك زوسر.

كان الأدب العربي القديم مقتصراً على الشعر الغنائي وهو الأصل لدى الإغريق القدماء. شعر كان الناس ينشدونه برفقة بعض الآلات الموسيقية وبخاصة القيثارة، أما المسرحية ففي القديم كانت شعراً تمثيلياً يضم شخصيات وحواراً وأفعالاً وتكون أمام جمهور الناس.
وفي العصر الجاهلي كان العرب يميلون إلى التوحيد بمعنى آخر أن الوثنية كانت بعيدة عن الفطرة العربية وبما أن المسرح كان قد ارتبط بالوثنية فصار ظهوره عند العرب غاية في الصعوبة.
بدأت رحلة نشأة المسرح في الوطن العربي في عام 1847، عن طريق الترجمة على يد مارون النقاش في بلاد الشام عندما أخذ بتحويل بعض الأعمال المسرحية إلى العربية وقام بتمثيلها، مثل مسرحية (البخيل) لموليير ومسرحية (هارون الرشيد)، ثم خطا أبو خليل القباني بالفن المسرحي خطوة إلى الأمام بتطويع الموروث الشعبي إلى المسرح، مثل (ألف ليلة وليلة)، وجعل الفصحى لغة للحوار ثم هاجر من دمشق إلى مصر حين أغلق مسرحه عام 1884، وفي عهد الخديوي إسماعيل أنشئت دار الأوبرا، وقدم يعقوب صنوع مسرحياته المترجمة أو المقتبسة أو المكتوبة باللهجة العامية لنقد الأوضاع السياسية والاجتماعية. بعدها جاء سليم النقاش فقام بترجمة بعض الأعمال المسرحية مثل (أندروماك - ميتردات) وفي مصر أنشأ يعقوب صنوع (أبو نظارة) أول مسرح عربي في مصر عام، 1870 عندما قدم نحو 30 عرضاً مسرحياً تتراوح بين المشهد الواحد والتراجيديا عن الروايات المترجمة عن الفرنسية.
عاد جورج أبيض إلى مصر عام 1910، قادماً من فرنسا بعد دراسة أصول المسرح ليقدم مسرحيات اجتماعية تم تمصيرها بجانب مسرحيات شكسبير (عطيل - تاجر البندقية) وغيرها، ثم أسس يوسف وهبي فرقة رمسيس، وأسس الريحاني والكسار وسلامة حجازي وفاطمة رشدي وغيرهم فرقاً مسرحية قدمت أنماطاً مسرحية مختلفة، منها المسرحية الجادة التي تعتمد على النص الأدبي، والمسرحية الكوميدية الانتقادية ذات الأساس الشعبي، والأوبريت أو المسرحية الغنائية التي تتخذ من أحداث قصة مسرحية واهية البناء في الغالب مناسبة لغناء فردي وجماعي ورقص ومناظر أخرى مدهشة مثل المفاجآت البصرية.
لقد ساهمت عدة عوامل على الظهور المسرحي في البلاد العربية، أهمها الاحتكاك الثقافي مع الغرب عبر الحملة الفرنسية إلى مصر والشام وعن طريق الاطلاع والتعليم والرحلات العلمية والسياحية لكن نشأة المسرح العربي واجهت ظاهرتي (الاستنبات - التأصيل) الأولى تعني استنبات المسرح العربي في التربة العربية من خلال التقليد والاقتباس والترجمة والبيئة العربية تمصيراً وتونسة ومغربة وسورنة، كما فعل مارون النقاش مع أول نص مسرحي، وتابع كثير من المبدعين والمخرجين طريقته في الاقتباس والمحاكاة أما (التأصيل) فهو تأصيل المسرح العربي وذلك بالجمع بين الأصالة والمعاصرة أي التوفيق بين قوالب المسرح الغربي والمضمون التراثي.
وبرز المسرح الغنائي على يد سلامة حجازي بعد أن أصبح الغناء أكثر تعبيراً عن المعاني والمواقف المسرحية، فقد ربط بين الغناء وتمثيل الأدوار، ثم ظهر سيد درويش الذي أضاف للمسرح الغنائي اللغة الموسيقية والغنائية الدرامية والتعبير الموسيقي وقدم مسرحيات رائعة مثل (العشرة الطيبة - الباروكة)، وظهرت أسماء أخرى في الكتابة المسرحية مثل بديع خيري وأبو السعود الأبياري ويونس القاضي، وممثلين كبار مثل يوسف وهبي والريحاني والكسار وروز اليوسف وفاطمة رشدي والمخرج عزيز عيد.
ازدهر المسرح المصري والعربي بظهور أسماء أخرى من الكتاب أمثال ألفريد فرج - يوسف إدريس - سعد الدين وهبة - صلاح عبدالصبور - محمد الماغوط - علي الراعي - معين بسيسو، ومن قبلهم توفيق الحكيم وأحمد شوقي وعزيز أباظة وأحمد علي باكثير، فقدم الحكيم مسرحيات (أهل الكهف - شهر زاد - سليمان الحكيم - بجماليون - الملك أوديب) وترجم عدد كبير من نصوص الحكيم المسرحية والروائية إلى كثير من اللغات الأجنبية، وكتب شوقي مسرحيات شعرية مثل (البخيلة - علي بك الكبير - مصرع كليوباترا - مجنون ليلى - عنترة) وغيرها.
كان تطور المسرح العربي في بداية القرن العشرين سبباً في أن يتحول الفن إلى ظاهرة اجتماعية وحاجة روحية ضرورية للحياة الثقافية، مما طرح مسألة الأصالة والاغتراب والرجوع إلى الذات وكلها قضايا ضاغطة على المبدع العربي. وفي تونس تألفت في عام 1912، جماعة الشهامة العربية وقبلها عام 1911، كانت جماعة الآداب العربية وفي المغرب تكونت في العشرينات (جوقة التمثيل الفاس) وفي عام 1927، تكونت (جمعية العاصمة الرباطية)، وفي عدد من البلدان العربية ظهرت فرق المسرح الوطني كما تشكلت في بعض البلدان فرق مسرحية أهلية وأسست معاهد لتدريس فن المسرح وخلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين حدثت تطورات مهمة في الحركة المسرحية العربية وبلغ النشاط المسرحي ذروته من الناحيتين الثقافية والعملية وعمل كتاب المسرح على تطوير كتاباتهم شكلاً ومضموناً بابتكار أساليب جديدة في التأليف، منها توظيف الموروث الأدبي والفن العربي في العمل المسرحي، وظهرت بعد ذلك عدد من الصور المسرحية مثل مسرح الشوك في سوريا - مسرح الناس في المغرب - المسرح الفردي (المونودراما) - المسرح الملحمي - المسرح الفقير - مسرح السامر.

ذو صلة