هل تندهش عندما ترى حاجب إحداهن الأيمن أو الأيسر مرفوعاً بشكل ظاهر؟ ثم يطول بكما الوقت ومازالت الدهشة منعقدة في وجهها بلا سبب، فتذهب بك الظنون كل مذهب!
وعندها تمنحك الذاكرة التفاعلية مدداً فنياً وأدبياً، فيخطر على بالك صوت فيروز قادماً من الجبل البعيد، وهي تصدح بأبيات من بشارة الخوري:
يا عاقد الحاجبين على الجبين اللُجينِ
إن كنت تقصد قتلي قتلتني مرتينِ
تَمرّ قفز غزالٍ بين الرصيف وبيني
وما نصبتُ شباكي ولا أذنت لعيني
(وربما تتصرف في المطلع فتردد: يا رافع الحاجبين، ولا يخفى عليك أن الرفع لا يقل خطراً عن التقطيب في كلام الأخطل!)، وهكذا تكتشف أن الدهشة المثبتة في وجه السيدة لا تخصك، وإنما هي وليدة حقن مبالغ فيه (بالبوتكس)، أدّى إلى رفع الحاجبين بهذا الشكل اللافت المستغرب.
وعندما تعود، ربما تجد في طريقك سيدة فضلى أخرى، وقد نبت فجأة في أسفل أنفها، ما يشبه منقار البطة، أو فم السمكة، هذه الصور وغيرها هي نتاج الحقن الخاطئ بمادة (الفيلر) أو سواها من مواد التجميل الحديث التي يتم حقنها تحت الجلد، ولم تكن الإجراءات صحيحة، ولم يكن المعالج متخصصاً.هذه الفوائد العلمية هي (خلطة) معتبرة من صحة النفس، ومعالجات الطب، والسعي نحو مثال الجمال، أمثلة لما يمكن أن نجده بوفرة وجاذبية وبراعة في تقديم المادة العلمية، في كتاب جديد للطبيبة والكاتبة الدكتورة رحاب إبراهيم، وعنوانه (سيكولوجيا الجمال.. الدليل المتوازن في التغذية والتجميل والصحة النفسية)، والكتاب صدر عن دار ذات السلاسل بالكويت 2021.
يتضافر كل ذلك مع سلاسة التعبير، ووضوحه، ودقته في اختيار الكلمات الدالة عن الفكرة، والمرسومة على قدر المعلومة. ليس هذا فحسب، بل تدرك القارئة والقارئ الشغوفان -فالكتاب لا يخص المرأة دون الرجل- مع كل فصل من فصوله، ومع كل عنصر من عناصره؛ مدى الجهد الكبير المبذول، ولا يتمثل في كثرة المعلومات في الموضوع، بقدر ما يتمثل في ذلك التقطير والتصفية المقصودة لطوفان المواد المطروحة في هذا السبيل، ثم تبسيطها وتصنيفها وترتيبها، فلا تستعصي على غير المتخصصين من القراء، ولا تغفل حاجة المثقف إلى المعرفة المنضبطة الرصينة. وكأن الكتاب بمادته المعرفية النفيسة، وبهذا الوضوح في الأسلوب، وبهذا الإخراج البديع؛ ترجمة أمينة لأهدافه، وعنوانه الجاذب، فالكتاب (يقدم شرحاً مبسطاً لأهم الإجراءات التجميلية، والظروف الصحية والنفسية التي يجب الالتفات إليها قبل التوجه إلى عيادات التجميل).
أما الغاية الواضحة التي تنطلق منها الكاتبة، فهي مواجهة وحش الدعاية التي تحاصر النساء والرجال على السواء، (فبدلاً من ابتكار منتجات تلبي احتياجات الإنسان، يتم خلق احتياجات تُسوّق على أساسها المنتجات).
إطلالة سريعة على محتويات الكتاب، تدلنا على تلك الأهداف والغايات، وربما ما هو أكثر، فهو يضم ستة فصول، الفصل الأول منها بعنوان: بين الواقع والوهم، وتتناول فيه قيمة الجمال، والنسبة الذهبية، والتفكير الواقعي في النظرة للجمال، ثم مراحل التجميل. ويمضي بنا الفصل الثاني نحو خطوات أعمق لفهم علاقة الجمال بالصحة النفسية وفي الطليعة السعادة.
في الفصل الثالث تستعرض (أشهر الإجراءات التجميلية)، مثل: (استخدام الليزر، وأنواع التجاعيد وعلاجها، والبوتكس، والفيلر، والهالات السوداء وعلاجها، وتصبغات البشرة وعلاجها، وتقنية الديرمابن..). وتواجه في الفصل الرابع بعض الأخطاء التجميلية، حتى لا تنتهي رحلة التجميل إلى نهاية درامية.وينفرد الفصل الخامس بعرض علاقة الجمال بالغذاء الصحي.
أما الفصل السادس، فيضم حكايات من العيادة الطبية، فنتابع العريس الخمسيني الذي يريد أن يعود شاباً، ولا يريد أن يستسلم للحلم المستحيل. ونتعرف على حكاية الجميلة التي لم تكن بحاجة أبداً إلى أي إجراء طبي من وجهة نظر الطبيبة، لكنها كانت تصر على إزالة تجاعيد لا توجد إلا بخيالها. كما نقرأ عن شريك الحياة المدمر، والأم للمرة الأولى، والمراهق الذي يمرّ بكل بيت.
تعود الكاتبة في الفصل الأخير إلى بستانها المفضل، وهو السرد القصصي الطبي، والسرد من المنظور النقدي يتم بتحويل الحكاية إلى نص لغوي، فنجدها تتحرك مع شخصيات هذه الحكايات بأريحية، ولغة بسيطة للغاية، فالكتاب ليست غايته أدبية في الأصل، وهكذا تعود إلى النبع القصصي الذي تنهل منه باستمرار، وعلى أساسه تتوزع مواهبها بين المقال، والرواية والقصة القصيرة، والكتابة الطبية الشائقة.