شكلت الأمثال في العالم العربي بنحويها الفصحى واللهجات العامية، جزءاً لا يتجزأ من النسيج الشعبي والثقافي، بحيث يعود استخدامها إلى العصور القديمة، كوسيلة فعالة وطريفة لنقل الأفكار والخبرات من جيل إلى آخر. في العصور القديمة، كانت الأمثال تجسد الوسيلة الأكثر رواجاً لنقل حكمة الشعوب، خبراتها وتجاربها. ففي المجتمعات البدوية مثلاً، كانت الأمثال تستخدم بين أفراد القبائل كتعبير عن قيم عديدة متمثلة بالشجاعة، النخوة، الكرم، مما ساعد بتأصيل الروابط الاجتماعية. أما في الأدب الجاهلي، شكلت الأمثال جزءاً من الأدب الشفهي للشعوب حينها، بحيث استخدمها العرب كوسيلة للتعبير عن شعرهم وتجاربهم في الحياة. كان الشعراء يستخدمون الأمثال بشكل شائع في خطاباتهم الشعرية والأدبية، لنيل تأثير أكبر في خطاباتهم، حتى أصبحت هذه الأمثال جزءاً من الموروث الشعبي. مع ظهور الإسلام، اتخذت الأمثال طابعاً دينياً أكثر، فأصبحت تستخدم في كتب الأدباء ومجلداتهم كجزء من التراث الديني. في هذا العصر قام الأدباء مثل الجاحظ في (البيان والتبيين) والمازني في (الأمثال) بجمع وتوثيق الأمثال الأمر الذي ساهم في الحفاظ على هذا التراث وتطويره. في العصور الوسطى، ساعد التطور في اللهجات العربية بالتأثير على الأمثال. بحيث تطورت لتتناسب مع الثقافات المحلية واحتياجات المجتمعات المتنوعة، ومع التطور والتنوع في اللهجات، أصبحت الأمثال حينها، أرضاً خصبة لمحاصيل أفكار العرب. ومع التبادل الثقافي مع الحضارات الأخرى كالحضارتين الفارسية والتركية، دخلت بعض الأمثال ذات الأصول الأعجمية إلى التراث الشعبي العربي، مما ساهم في غناه وتطوره. أما في عصرنا الحالي، بذل الكثير من الباحثين والأدباء جهوداً جبارة لتوثيق تلك الأمثال في مؤلفاتهم لينقلوها للجيل الجديد. ومع تطور وسائل الإعلام والاتصال، كالبرامج التلفزيونية والصحف، أصبحنا نرى ونسمع الأمثال كجزء من تراث الماضي، كجزء من الثقافة اليومية.
في حياتنا اليومية كشعوب عربية، (الذي يغير عادته، تقل سعادته)، فلا زالت الأمثال تحتل حيزاً كبيراً في العديد من البقع الجغرافية العربية، ولاسيما لدى كبار السن، التي بقيت الأمثال لديهم وسيلة رحبة للتعبير عن الحكمة، وتقديم النصائح، وتوطيد العلاقات الاجتماعية. لاسيما بين الجيران (فالجار قبل الدار)، والأقارب (أنا وخيي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب). في المجال الأدبي، الفني والتلفزيوني، بقيت الأمثال حاضرة للتذكير بالزمن الجميل (يلي ما عندو قديم ما عندو جديد)، مع تعطش الجمهور العربي، للزمن الجميل الذي ولى! سعت البرامج التلفزيونية العربية بإعادة تذكير الجمهور العربي بحقبة قديمة يعشقونها، من خلال أمثال تقال بطريقة خفيفة لاسيما مثلاً بطريقة المزاح. ولكن مع العولمة والتغيرات الثقافية والاجتماعية التي طرأت على عالمنا العربي، لا يمكننا إلا الاعتراف أن اللجوء إلى الأمثال واستحضارها، بات نوعاً ما خجولاً. مع التغيرات السريعة في الحياة الاجتماعية والتكنولوجية، قد يكون هناك تراجع في استخدام الأمثال التقليدية، تحديداً مع التغيرات في القيم والأولويات التي أثرت على مدى تبني الأمثال القديمة وتداولها. ومع اللجوء المتزايد للغة الإنجليزية في وسائل الإعلام والاتصالات، شهدت الأمثال العربية التقليدية تراجعاً ملحوظاً في الاستخدام، خصوصاً بين الأجيال الشابة. ومع الرقمنة والتطور التكنولوجي، فقدت الأمثال دوراً كبيراً كوسيلة لنقل الخبرات. في عالم يشهد سرعة في تبادل المعلومات والاتصالات. لتبقى الأمثال الشعبية كما قال محمود درويش، الحاضرة الغائبة. الحاضرة في ذاكرة كل إنسان عربي متعطش لزمن جميل ولى! وغائبة على لسان كل شاب عربي، سحره الأعجمي ولغاته.
ولأن العرب، أدبهم وأمثالهم، أحدثت تأثيرات مهمة على مدى العصور، بذلت العديد من الدول العربية جهوداً جبارة للحفاظ على هذا الإرث الثقافي، وللاعتراف بأهمية الأمثال كجزء من التراث الذي يحمل الحكمة الشعبية وجملة من التجارب، على رأس تلك الدول: المملكة العربية السعودية، التي وثقت التراث من خلال الهيئات الثقافية، مثل هيئة التراث السعودي. بالإضافة إلى السعودية، اهتمت دول عربية أخرى بموضوع الحفاظ على الأمثال الشعبية، مثل الإمارات، مصر، لبنان، المغرب، تونس.. تبنت تلك الدول مبادرات عدة أبرزها: 1 - المشاريع الأكاديمية، حيث شجعت ومولت الأبحاث الجامعية والدراسات العليا التي تركز على دراسة الأمثال الشعبية من جوانب لغوية واجتماعية وثقافية. 2 - تنظيم المؤتمرات والندوات، التي تهدف إلى مناقشة أهمية الأمثال، ومن خلالها يتم دعوة الخبراء والباحثين لمناقشة أبحاثهم. 3 - إنشاء مواقع إلكترونية مخصصة لجمع الأمثال الشعبية وتصنيفها حسب اللهجات والمناطق العربية. 4 - إنتاج برامج تلفزيونية وإذاعية تسلط الضوء على الأمثال الشعبية وتفسر نشأتها. 5 - تنظيم ورش عمل ومعارض ثقافية تهدف لتعريف الجيل الجديد على أمثال أسلافهم. 6 - تفعيل التعاون الإقليمي لاسيما بين الدول العربية لتبادل الخبرات.
في وقتنا الحالي، تشهد الاقتباسات إقبالاً كثيفاً على استخدامها، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الذي يسهل الوصول إلى أقوال شخصيات مؤثرة من مختلف الثقافات. وكون الاقتباسات مأخوذة من خطابات أو كتابات أشخاص معروفين لاسيما مشاهير وسائل التواصل، من البديهي جداً أن تلقى رواجاً كبيراً اليوم مع الفورة التكنولوجية الحاصلة. فاليوم اللجوء إلى الاقتباسات لتعزيز فكرة، أهم من اللجوء إلى الأمثال الشعبية. ولكن يبقى لكل منهما مكانته في المجتمع. صحيح أن الاقتباسات في العصر الحديث، تلقى رواجاً أكبر، ولكن تبقى الأمثال جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي والاجتماعي. وبالتالي كل عقل يميل للطريقة التي تستهويه لتوصيل فكرته.