إنَّ التوق لتحقيق الثراء والحصول على الثروة المالية شغف قوي ظل ومازال وسيظل يلازم الإنسان أينما حل وحيثما ارتحل، وبغض النظر عن دينه وجنسه ولونه وهويته، وهو من الفطرة التي فطر الله الخلق عليها. قال تعالى:
(وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً. وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً)، وقال صلى الله عليه وسلم: (نعم المال الصالح للرجل الصالح).
والأديان والشرائع والتنظيمات الأخلاقية والقانونية حرصت على تقنين علاقة الإنسان بالمال، لكي لا يؤدي به الحرص عليه إلى ما لا تحمد عقباه -وقد حدث- من قتل واعتداء وفساد في الأرض وإهلاك للحرث والنسل بغية الاستحواذ على الثروة بغير وجه حق، ورغم ذلك قامت حروب عالمية وإقليميَّة، ونزاعات دموية عنيفة بسبب المال، وإن زعم مُسْعِرُوها أنَّ أهدافها غير ذلك، وما الحروب الصليبيّة إلا شاهد عدل على ذلك.
ولأنَّ هذا أمر المال كان وما زال مالئ الدنيا وشاغل الناس، فقد حظي باهتمام الفلاسفة والمفكرين والمصلحين والقادة والمنظرين، وتعج المكتبة الإنسانيّة اليوم بملايين المؤلفات التي تتناول المال من وجهات نظر ورؤى وأيديولوجيات وفلسفات مختلفة ومتباينة، وقُسِّمَ العالم ذات زمن إلى فسطاطين بناءً على النظام الاقتصادي، رأسمالي وشيوعي.
وفي هذه المقالة أتطرق لبعض الكتب الشهيرة ذات الصلة، والتي جاءت بهدف تعليم وتدريب وتوجيه ومساعدة الأفراد العاديين في تحقيق الثروة والوفرة المادية، وأتناول القواسم المشتركة بينها.
يعد كتاب (فكر تصبح غنيّاً) لمؤلفه الأمريكي (نابليون هيل) من أوائل وأهم وأقوى المرجعياًت في هذا الجانب، ورغم أنه كتاب كلاسيكي، إلا أنه ما زال يطبع ويترجم إلى مختلف لغات العالم، وتصل مبيعاته إلى ملايين النسخ.
ولتأليف هذا الكتاب الصادر عام 1937 قصّةٌ، أوردها مؤلفه وهي أنّه عندما كان في السادسة والعشرين من عمره، طلب منه (بمقابل)، رجل الأعمال الأمريكي الشهير (أندرو كارنيجي) مهمة صعبة، وهي دراسة حياة أكثر من 500 مليونير عصامي لفهم سر نجاحهم. كان (كارنيجي) يعتقد أن هناك قواسم مشتركة بين هؤلاء الأشخاص، وأن فهم هذه القواسم يمكن أن يساعد الآخرين على تحقيق الثروة.
قضى (هيل) عقوداً من عمره وهو يجري مقابلات مع هؤلاء المليونيرات، ويدرس عاداتهم وأفكارهم وسلوكياتهم. لم يقتصر بحثه على الجانب المالي فقط، بل غطى جوانب أخرى من حياتهم مثل علاقاتهم الشخصية، وإدارتهم للوقت، وقدرتهم على التغلب على الصعاب، كما اهتم بطرائق تفكيرهم و(منولوجاتهم) الذهنيّة، ومن الشخصيَّات التي قام المؤلف بدراستها (إديسون)، المخترع الشهير، و(هنري فورد) الأب الروحي لصناعة السيارات في العالم.
من خلال هذه الدراسة الشاملة، استطاع (هيل) أن يكتشف مجموعة من القوانين الأساسية التي تحكم عملية تحقيق النجاح والثروة. وتلك القوانين من وجهة نظر المؤلف، ليست مجرد نظريات، بل هي نتائج عملية مستخلصة من تجارب واقعية لأشخاص حققوا نجاحاً استثنائياً.
في عام 1937، وبعد عشرين عاماً من البحث والدراسة، تم نشر كتاب (فكر تصبح غنيّاً). فاجأ الكتاب كثيرين بأطروحاته التي تنص على أنَّ الثراء متاحٌ لكل من يرغب في تحقيقه، وأنّه ليس وقفاً على أولئك الذي وُلِدُوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب كما يقال، أو أولئك الذين حصلوا على تعليم عال.
يصر المؤلف على أن الثراء مسألة ذهنية في المقام الأول، ومن هنا جاء عنوان الكتاب، (فكر تصبح غنيّاً)، والأكثر دهشةً من هذا إصرار المؤلف بيقين تام أنَّ اكتساب المال الوفير بمثابة علم يمكن تعلم قوانينه مثله مثل الرياضيات والفيزياء. والكتاب يركز على أهمية توظيف الإنسان وبرمجته إيجابياً لـ(العقل الباطن)، والإفادة من القوانين الكونية ومنها قوانين (الجذب) و(الذبذبة).
وتضمن الكتاب ثلاثة عشر مبدأ للنجاح عموماً في أيِّ مجال من مجالات الحياة، وفي تحقيق الوفرة المالية بشكلٍ خاصٍّ، ومنها الفكرة المستحوذة، والرغبة العارمة، ووضع خطة وتنفيذها، والمثابرة، وقبلها تحديد الأهداف وتكرار تلاوتها، وتخيل حصولها، ومصاحبة أناس لهم نفس الاهتمامات.
في الستينات الميلادية، عثر الخبير الكندي (بوب بروكتور)، على نسخة من كتاب (نابليون هيل)، وتأثر كثيراً بمحتواه، وطبق مقترحاته، وتحول -حسب قوله- من شخص معدم بائس لا يتجاوز دخله أربعة آلاف دولار في السنة إلى مليونير في غضون سنوات قلائل.
ولم يكتف (بروكتور) بهذا، بل إنّه مضى خطوة الميل الإضافيّة، وألف كتباً من وحي ذلك الكتاب ومنها كتاباه الشهيران: (وُلِدْت غنيّاً) و(الأمر لا يتعلق بالمال)، كما أنّه ظلَّ يشير إلى هذا الكتاب في معظم محاضراته وندواته وورش العمل التي يقيمها، ويري الحضور نسخةً مهترئة باليةً من الكتاب، ويقول لهم إنّه ومنذ أن عثر على ذلك السفر القيم، وهو يقرأ منه يوميّاً حتى أنه كاد يحفظه عن ظهر قلب.
بوب بروكتور الذي رحل عن عالمنا قبل عامين تقريباً في 2022، لديه مؤسسات تدريب وتعليم واستشارات تقدم خدماتها في مجال الثراء المالي للأفراد والمؤسسات والشركات وحتى الدول، وتعتمد على طروحات كتاب (نابليون هيل) في المقام الأول مع تطويرات وتحسينات وإضافات تتناسب مع روح العصر ومتغيراته.
أذيل مقالي هذا، بأنّ ثمة كتاب كلاسيكي مهم سبق صدوره صدور كتاب (فكر تصبح غنياً)، لـ(نابليون هيل) بسبعة وعشرين عاماً، وهو كتاب: (علم أن تكون ثريّاً)، لمؤلفه الأمريكي (والاس. دي. واتلز)، ومن الغريب أنَّ (هيل) لم يشر لا من قريب ولا من بعيد، ولا في أيِّ طبعة من طبعات كتابه لكتاب (واتلز)، لأسباب أجهلها لا سيما أنَّ ثمة قواسم مشتركة كثيرة بين الكتابين ناهيك عن موضوعهما الرئيس.
أخيراً.. من الجدير بالذكر أن عدداً من الأفكار التي تناولها (هيل) و(واتلز) في كتابيهما كانت موجودة في الفلسفات القديمة والتقاليد الروحية المختلفة.