انتشرت الألعاب الإلكترونية في كثير من المجتمعات العربية والأجنبية، إذ لا يكاد يخلو بيت ولا متجر منها، ولم تعد حكراً على الصغار والمراهقين فقط، بل صارت تسبب الهوس للكثير من الشباب، وتعدى ذلك حتى للكبار، وهذا لما تتمتع به من مميزات تستهويهم كالخيال والمغامرة. وعلى الرغم من أن شريحة واسعة من المجتمع سواء العربي أو الأجنبي ينظر إلى الرياضات الإلكترونية باستخفاف، ويرى أنها مضيعة للوقت؛ إلا أن قطاع الرياضات الإلكترونية شهد خلال فترةٍ قصيرة نمواً هائلاً ومتسارعاً حول العالم، وشيئاً فشيئاً أصبحت الألعاب الإلكترونية صناعة تسمى (الرياضات الإلكترونية)، وهي الآن تمثل واحدةً من أهم المجالات الاستثمارية للدول، تدر عليها أموالاً بملايين الدولارات، وأوجدت فرص عمل للشباب، سيما وأنها باتت تستقطب أعداداً متزايدة من اللاعبين والمحترفين والمستثمرين والمبتكرين على حدٍ سواء، مما دفع بعض الحكومات إلى دعم قطاع التقنيات وبرمجة الألعاب عبر توفير البنية التحتية المناسبة لهذه الرياضات. ولكن المسلم به الآن، أنه لم يعد غريباً أن تنجذب شرائح كبيرة نحو الألعاب الإلكترونية على حساب الألعاب الأخرى، فقد أدى انتشار تكنولوجيا المعلومات، وتقنيات الاتصال الجديدة والمتنوعة في السنوات الأخيرة جراء ما أفرزته الإنترنت بتزواج تقنيات الكمبيوتر؛ إلى بروز دورها بوضوح في حياة الأطفال والشباب. إذ تعد هي ألعاب وبرامج التسلية والترفيه للجيل الجديد، هذا الجيل الذي أضحى رقمياً بامتياز، لقد أصبحت ألعاب العصر بدون منازع، وقد بدأ الأطفال والشباب يفضلونها على الألعاب التقليدية التي طالما اعتادوا ممارستها هم وأباؤهم، لتطغى وتفرض نفسها عليهم.
الرياضة الإلكترونية في الشرق الأوسط وأفريقيا
على الرغم من تصدر كوريا والولايات المتحدة والصين صناعة وممارسة الرياضة الإلكترونية في المشهد العام؛ إلا أن دول الشرق الأوسط ودول الخليج دخلت على الخط، وأضحت تظهر بشكل واضح في خريطة التنافس بهذا المجال، حيث شهدت مؤخراً تطوراً وتنامياً معتبراً لصناعة وممارسة هاته الرياضة. واعترفت عدة دول عربية بالألعاب الإلكترونية رياضياً تحت مسمى (الرياضة الإلكترونية)، أو ما تسمى بـ(الرياضة الذهنية)، وأصبح في الدول العربية ممثل رسمي يتبع اللجنة الأولمبية، مثلاً في الإمارات والسعودية وسوريا، ومنظمات غير ربحية تتبع الاتحاد الرياضي في مصر وتونس ولبنان، فضلاً عن منظمات إقليمية في بطولات الشرق الأوسط لألعاب الفيديو، وخلق دوري شمال أفريقيا السيبيري. وأصبحت العديد من الجهات الحكومية بالشرق الأوسط وأفريقيا تستثمر في تلك الرياضة لتعزيز صناعة الترفيه لديها، وهو ما يمثل فرصة لتوسع الرياضات الإلكترونية في سوق الشرق الأوسط وأفريقيا، وسط نمو قوي محتمل لمنصات الرياضات الإلكترونية بالمنطقة مع تدفق مزيد من الاستثمارات إليها. وبالنظر إلى حجم سوق الألعاب الإلكترونية العالمية، الذي من المتوقع أن يبلغ حجمه 282.30 مليار دولار أمريكي، وأن ينمو بمعدل 8.76 % سنوياً بين عامي 2024 و2027، ليصل إلى 363.20 مليار دولار بحلول 2027، بحسب منصة STATISTA، فمثلاً خلال عام 2023، تصدرت السعودية إنفاق الدول العربية على الألعاب الإلكترونية بقيمة 1.89 مليار دولار، بزيادة 13 % عن 2022، وجاءت مصر ثانياً في حجم إنفاق المستهلكين بقيمة 1.71 مليار دولار، بزيادة 17 % عن العام السابق له - وفقاً لبيانات STATISTA - وجاء العراق في المرتبة الثالثة بقيمة 90 مليون دولار، بزيادة 11.1 % عن 2022. وحلت الجزائر رابعاً بإجمالي إنفاق 72 مليون دولار، فيما احتلت الإمارات المركز الخامس، حيث بلغ إجمالي النفقات 66 مليون دولار، وفي المرتبة السادسة جاء المغرب بـ47 مليون دولار، وحل السودان سابعاً بـ29 مليون دولار، فيما جاءت الكويت ثامناً بـ26 مليون دولار، في حين حلت قطر بالمركز التاسع بـ26 مليون دولار، وجاء لبنان عاشراً بـ25 مليون دولار.
ولهذا تفطنت بعض الدول العربية إلى أهمية الاستثمار في هاته الرياضة، ومنه لجأت إلى الاهتمام بصورة أكبر بمستقبلها، وإزالة المعوقات التي تعترض طريق نموها وتوسعها، والتي يمكن من خلالها أن ترتبط بها العديد من الصناعات والعلامات التجارية العالمية الكبرى، التي ستعمل على الاستفادة من الإقبال الجماهيري الكبير عليها - خصوصاً بين فئة الشباب - لترويج منتجاتها وزيادة قدراتها التسويقية والترويجية.
مثلاً: أطلقت الحكومة السعودية (إستراتيجية قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية)، التي من أهدافها رفع المساهمة في الاقتصاد الوطني بقيمة تصل إلى 50 مليار ريال سعودي، كما سعت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إنشاء ملاعب وأستديوهات خاصة بالرياضات الإلكترونية، مثل شركة Power League Gaming (PLG)، المتخصصة في الألعاب الإلكترونية، في الإمارات، التي أعلنت مؤخراً عن إطلاق أستوديو إنتاج في المنطقة مجهز بالكامل بمساحة 10000 قدم مربع، ومصمم خصيصاً لتقديم محتوى متميز للرياضات الإلكترونية، ومزود بأحدث أجهزة البث والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، كما أدى تهافت الجماهير على تلك الرياضات لإنشاء مقهى كبير يحوي بثاً مباشراً للمسابقات والفرق المتنافسة. وفي نموذج آخر على تصاعد اهتمام المنطقة بتلك الرياضات؛ شهدت العاصمة السعودية الرياض استضافة النسخة الأولى من كأس العالم للرياضات الإلكترونية، وتضمنت تلك النسخة 22 بطولة عالمية، وجذبت أكثر من 1500 لاعب عالمي محترف شكَّلوا نحو 500 فريق من نخبة الفرق الدولية، ومن المقرر تنظيم البطولة في السعودية بشكل سنوي بدءاً من العام الجاري، وبلغ إجمالي جوائز هذا الحدث التاريخي للرياضات الإلكترونية أكثر من 60 مليون دولار، وهي أضخم جائزة في تاريخ قطاع الرياضات الإلكترونية.
الرياضة الإلكترونية تخصص جديد في الجامعات العالمية
تشبه الرياضة الإلكترونية باقي الرياضات، فهي تعتمد على التنافس ما بين أفراد أو فرق ضمن بطولات محلية أو عالمية بهدف الفوز بجوائز معنوية ومادية. وقد أصبحت هذه الرياضة رائجة بشكل كبير، وباتت تحقِّق أرباحاً على أصعدة اقتصادية متعدِّدة. وعلى ضوء هذه الإسهامات الاقتصادية الكبيرة، بدأت جامعات عديدة، كجامعة ولاية أوهايو هذا العام وجامعتي بيكير وكاليفورنيا الأمريكية وجامعة ستافوردشاير البريطانية العام الماضي، بإدخال تخصصات جديدة فيها تعنى بالرياضة الإلكترونية، بهدف تحويل شغف المهتمين بالألعاب الإلكترونية إلى مهنة قابلة للحياة، وسوف تحذو حذوهم العديد من الدول الأجنبية منها والعربية مستقبلاً، لما أصبحت تعتريه الرياضة الإلكترونية من أهمية في أوساط هاته الدول.