مجلة شهرية - العدد (578)  | نوفمبر 2024 م- جمادى الأولى 1446 هـ

رمضان في ذاكرة الأحساء

يتم الاستعداد في كافة مدن الأحساء لهلال رمضان منذ الاستهلال بشهر شعبان حتى يبدأ تتبع القمر ومعرفة منازله للوصول إلى الأيام الأخيرة من شهر شعبان, حيث الاعتماد على الرؤية المباشرة بالعين المجردة، وتتم المشاركة بالاستهلال بشكل جمعي من فوق الأسطح، وهناك جماعات تخرج إلى الصحراء المجاورة عند جبل الأربع جنوب الواحة أو غرب موقع عين نجم على طريق الغوار والذي عرف لاحقاً بطريق الرياض.

وآخر يوم من شعبان يعرف بيوم القرش, وهذا يعني آخر يوم يتم فيه تناول وجبة الغداء قبل رمضان. وفي هذا اليوم عادة تعد وجبة من الرز الحساوي تعرف بالمخلطة يضاف إليه الماش واللوبياء وأحياناً السلق كما يضاف البيض وعلوب من الطحين. وعادة يستغل الوالدان هذا الغداء للتذكير والتحفيز للأطفال الذين لم يصلوا بعد سن التكليف للصوم لتعويدهم على هذه الفريضة.
ومن الجدير ذكره أن كثيراً من الأسر تقوم برحلات في هذا اليوم وتتناول وجبة الغداء خارج المنازل, وقد اشتهر موقع عند سفح جبل القارة بين التويثير والقارة بالقرب من مسجد الملائكة والآخر بالمطيرفي بجوار عين الحوار ذات المياه الدافئة حيث توجد أيضاً منازل للإيجار حول محيط مسجد العباس. والبعض يذهب إلى المزارع حيث الثبارة (الأنهر) والحمامات الخاصة مثل حمام الوجير وحمام الحلاوة وحمام الجمل وحمام الجرواني.
التباريك
مع صيام أول يوم من رمضان وبعد الصلاة والإفطار تفتح المجالس لاستقبال المهنئين بدخول رمضان واحتساء القهوة وتقديم شراب الليمون (الجميد). ويستمر هذا الحراك لعدد من الليالي. وتكون فرصة لصلة الرحم خاصة من الرجال لزيارة النساء من الأرحام، ولنا أن نتصور كم هي فرحة غامرة في داخل الأسر بهذا الشهر الفضيل.
مجالس قراءة القرآن
في رمضان يعتني الأحسائيون بشكل أكبر بقراءة (تلاوة) القرآن جهراً عبر مقرئ ليلاً, إما جزء أو جزأين من القرآن الكريم كل ليلة, وهذا يعني إنهاء ختمة أو ختمتين خلال الشهر لأن معظم أبناء المجتمع في ذلك الحين كانوا أميين وهذا يعطي فرصة لمتابعة الرجال الحاضرين للقراء ة ومتابعة الأطفال مما يساعدهم على معرفة القرآن الكريم. وعادة ما يتخلل ذلك أن المقرئ يدلي ببعض الملاحظات والإشارات والإفادات. وفي نهاية الشهر يقرأ دعاء ختم القرآن الكريم وإيصال ثواب ذلك إلى ذوي صاحب المجلس والمؤمنين والمؤمنات كافة. ويعطى القارئ إكرامية إما نقوداً أو تمراً. كما يقرأ كل ليلة أحد الأدعية الرمضانية المأثورة ومنها دعاء الافتتاح (اللهم أنني افتتح الثناء بحمدك).
أمسيات سمر
خلاف النشاط الديني في هذا الشهر الفضيل من إقامة صلوات السنن الليلية وقراءة القرآن الكريم والدعاء تكون هناك فسحة للتواصل والزيارات والجلسات الخاصة والعامة ومنها جلسات السمر الشعري, إما أن تكون في مجال معين في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- أو في الطبيعة أو في الألغاز وحتى في الغزل, ومنها المساجلة أو المسامرة, وتعتمد على الحفظ للشعر حيث يبدأ أحدهما مثلاً:
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
فيرد الآخر مبتدئاً بآخر حرف من البيت
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
وهكذا إلى أن تتم حالة التوقف وربما تستمر إلى ليلة أخرى بشرط عدم إعادة أي بيت شعري. وأيضاً هناك سهرات الألغاز والأحاجي وبعضها يكون عن طريق اللغز الشعري. وأيضاً هناك أمسية الحكايات أو السوالف, ويكون رائدها ذا قدرة على حفظ الأحداث وصياغة الأصوات وربما احتاج إلى أداء بعض الحركات أو المشاهد وربما أخذت قصص الشاطر حسن جزءاً من ذلك أو تلك الروايات الطويلة وقد تكون بعض القصص تاريخية، ومن المشاهير في ذلك علي الشوملي.
الأطعمة
تتولى النسوة إعداد مائدة الإفطار التي تشمل الهريسة (من البر واللحم أو الدجاج), وهي أكلة حساوية أصيلة منها انتقلت إلى العراق وإلى تركيا شأنها شأن الكبسة التي تغمس بالدهن، واللقيمات (كرات من الطحين المخمر تقلى بالزيت) وتؤكل مغمسة بدبس التمر, وكبة الرز (تعمل بالرز المطحون والمخ مع بهارات), والقيمة (مرقة تتضمن أكثر من نوع من الخضار بالإضافة إلى النخج وقطع اللحم الصغيرة), والخبز المسح الحساوي (الرقاق) والنشاء والمحلبية والسمبوسة والفلافل وكذالك تعمل الشوربة من الهريسة بعد خفقها بإضافة الماء والليمون. كما تقدم على المائدة خضار مثل الفجل والبقل والبربير (الفرفخ). وبين الحين والآخر يمكن أن تضم المائدة الحلوى والزلابيا. وحسب الموسم البطيخ أو الجح أو بعض الفواكه المنتجة محلياً كالرمان والخوخ والتين. كما أن المائدة لا تخلو بأي حال من التمر أو الرطب حسب الموسم واللبن سيد المشروبات. وأما وجبة السحور فهي كبسة الرز الحساوي مع اللحم أو الدجاج. وهناك عادة بعض الوجبات الاستثنائية وتسمى الغبقة حيث تعمل أكلة الودمة التي تعتمد على السمك الصغير المجفف وأكلة أبو راشد المعتمدة على كروش البهائم.
الرعاية
في رمضان عادة ما تقوم الأسر الميسورة بزيادة حجم المطبوخ وذلك لأنهم يرعون الأسر الفقيرة بتزويدهم كل ليلة بأطباق. والعادة أن تقوم النسوة بإيصال الأطباق إلى البيوت لرفع الحرج، ومع ذلك أيضاً فإنه يتم التهادي بين البيوت بشكل عام.
أبو طبيلة
هو الشخص الموكل بإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور, ويستخدم الطبل ويقرعه بقوة بتراتب إيقاعي ويردد معه جملاً وأشعاراً, ومنها:
اقعد اقعد يا نايم
اقعد وحد الدايم
لا إله إلا الله محمد رسول الله
ويلاحقه بعض الأطفال أثناء مروره في السكك الضيقة. ويعطى (أبوطبيلة) مكافأة يوم العيد بمروره على البيوت إكراماً له على مساعدة الصائمين على الاستيقاظ.
السباحة العصرية
وهي عادة ذكورية حيث يخرج الرجال والشباب والصبيان لأحد العيون وأنهارها المنتشرة بالأحساء كالخدود والحقل لأهالي الهفوف والحارة لأهالي المبرز.. وغيرها من العيون المنتشرة بالواحة كأم سبعة والجوهرية وأهالي القرى الأخرى يسبحون في أنهارها (الثبارة) مثل الجبيل بسليسل والدالوة بأبي محمد والمنصورة ببرابر والفضول بغصيبة والطربيبل بالرقيع والحليلة بالنعيلي ولاحقاً استخدمت برك المزارع, ويتغطسون بالماء لتخفيف حرارة الجو خاصة إذا كان رمضان أتى في الصيف.
التبرد في جبل القارة
يقوم عدد من الأهالي وخاصة الرجال مع الظهر بالذهاب إلى مغارات جبل القارة والتي تكون باردة صيفاً ويقضون بها جزءاً من الوقت حماية من الحر. إلا أن هذه العادة تتكثف في أهالي القرى المحيطة بالجبل القارة والتويثير والدالوة والتهيمية.
القرقيعان
في منتصف الشهر الفضيل وهي عادة محلية أساسها تشجيع حديثي الصوم من البنات والأولاد على إنجازهم الصوم لنصف الشهر داعين الله على تمامه وتستعد الأسر للقرقيعان بتجهيز الحلويات (النخج وهي بذور بعض الخضار كالجح والبطيخ والقرع، مسلوقة ومملحة ومجففة), وأيضاً يعدون بعض الأطعمة مثل الزردة والكليجة الحساوية. وعند مرور الأطفال زرافات ووحداناً على البيوت التي تكون الأبواب مشرعة لاستقبالهم ينشدون:
قرقع قرقع قرقيعان
عام عام ياصيام
عطونا الله يعطيكم
بيت مكه يوديكم
ويعودكم لهاليكم
عطونا يا أهل السطوح
عطونا ولا بنروح
ويستخدمون القرقيعانة لإظهار الصوت مصنوعة من عسق العذوق وتباشر الأم أو البنيات في البيت بتوزيع الحلويات والنخج أو الأطعمة وهم يرددون غالباً اسم أصغر طفل في البيت (عطونا قريقيعان، يذكر اسمه) وعند رحيل الأطفال ينشدون عساكم من عواده ولا تقطعوا العادة.
التسلية والألعاب
تأخد عدد من الألعاب موقعها في رمضان خاصة بالليل, ومنها ما هو منزلي تشارك فيها الفتيات مثل خطة, أم ثلاث أو أم تسع والقيس والتيلات وغيرها.. وبعضها خارجي خاص بالفتيان مثل لعبة طارد.


ذو صلة