قال أبو عبد الرحمن: أول ما تنفس القصيمي من إليتيه كان ذلك بكتابه (كيف ذل المسلمون) كأنه يحمل أعظم الهموم حول استعادة الإسلام مجده وطمأنينته وخيريته وسلامه على البشرية خلال ثمانية قرون ونصف قرن، منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأجيال التي كانت على ما هو عليه وأصحابه رضوان الله عليهم؛ وبهذا التنفس القذر انبهر الحواة بهذه العقلية النادرة التي أتخمت بمقولة: (خالف تعرف)؛ لتنال تلميعاً وصدارة؛ كهاشم الـجحدلي؛ الذي نشر مقالته: (عبد الله القصيمي المتمرد النجدي الظاهرة الصوتية)، وانخدع بأكاذيبه؛ فقال عن تحولاته الزمنية سكناً وعملاً وافتعال شكوك منذ كتابه (كيف ذل المسلمون)، ثم (هذه هي الأغلال)، ثم اصطناع الشكوك المتأنق في التَعَمُّل الأسلوبي المتهالك على النوح والتعويم وتكرار عشرات الصفحات التي تكون عصارتها نصف صفحة لا غير.. قال في صحيفة عكاظ العدد 13273 من السنة الرابعة والأربعين: (استمرت ضجة هذه الأغلال تتصاعد يوماً وراء آخر، وصار القصيمي حديث الناس في القاهرة وفي المملكة، حيث (الأصح: من) وصلت ردود الفعل الغاضبة إلى أقصى حد يمكن تخيله، وإزاء هذه الظروف، وإزاء حالته الصحية التي بدأ الربو ينهكها: قرر الانتقال إلى حلوان؛ وذلك عام 1950م بالتحديد.. ولكن عبد الله القصيمي الذي (يكفي مفردة واحدة هي: ولكنه) جاء قروياً محباً للعلم والمعرفة (الصواب: (مـحباً المعرفة والعلم)؛ لأن معرفتك تسبق علمك، وهي أساسه) من ديرته بالقصيم والذي (الصواب: بعد أن) اكتشف بلاداً كثيرة وهو لم يزل طفلاً، والذي غامر (يكفي: وغامر) بالذهاب إلى الهند وهو لما يشب عن الطوق.. والذي اتخذ (يكفي: واتخذ) قراره التاريخي بالذهاب للدراسة في جامعة الأزهر.. والذي (يكفي وواجه؛ فيا لله ما أكثر الفضول في الأسلوب الصحفي) واجه بعد ذلك علماء أكبر مؤسسة دينية في ذلك العهد.. هذا القصيمي الذاهب إلى المواجهة إلى أقصى حد لها لم يكن له أن يستسلم ويستكين ويقتنع بسهولة.. كان ذاهباً في المواجهة إلى أقصى حد.. كان متجهاً صوب المغامرة الكبرى والأهم (الصواب: بدون واو) في ثقافتنا العربية في قرنها الأخير؛ ولتسليط الضوء على كل المرحلة السابقة نستعيد هنا مع ابنه الأكبر الدكتور محمد القصيمي (قال أبو عبدالرحمن: علمي به مقيماً بجدة، وهو على منهج أبيه، ولكنه كان صموتاً، وأما أخوه فهو على رغاء أبيه) تفاصيل ما فات؛ لكي نرتب الحكاية جيداً في ظل تعدد الروايات وتشتتها حيث يقول في حواره لنا: (أبلغ من هذا التمطيط: (قال في حوارنا إياه): مرحلة) ((مرحلة ما قبل القاهرة لا نعرف عنها شيئاً، ولم يكن يحب الحديث عنها.. كانت في رأيه مرحلة قاسية ومريرة (الأفصح بدون واو قبلها) برغم (الصواب: على الرغم من أن) المغامرات الكثيرة التي قام بها خلالها، وذهابه إلى الشارقة للقاء جدي.. ومن (الصواب بدون واو) بعد وفاته تم ذهابه إلى الهند والعراق وسوريا.. واختياره طلب العلم والمعرفة خياراً وحيداً (الصواب: خيار وحيد) في حياته، واختيار الكتابة بعد ذلك ملاذاً وحيداً (الصواب: ملاذ وحيد ..)).. وبالنسبة لسكنه يضيف د. (الأولى (ويضيف)؛ لأن ما أثبته بدعوى الاختصار أكثر من مفردة (ويضيف)) القصيمي ((الذي نعرفه (الصواب: قوله: (الذي أعرفه)، وكيف لا يعرف والده ؟!) وأتذكره: أنه في أول قدومه إلى القاهرة وطوال (الصواب بدون واو) الأربع سنوات الأولى كان مقيماً بسكن الطلاب التابع لجامعة الأزهر، وبعد فصله منها انتقل إلى شقة صغيرة، وبعد ذلك انتقل إلى منزل صغير بحي القلعة، واستمر هناك حتى عام 1950م حيث (الصواب: ثم) انتقل إلى حلوان، ومنها إلى قلعته الأخيرة شقته في روضة المنيل، وخلال هذه الفترة (الصواب: المدة؛ لأن فترة ليست جزءاً من الزمن، ولكنها وصف لجزء منه حصل فيه فتور شيئ بمعنى انقطاعه) تم نفيه إلى لبنان مرتين (بناء على طلب الإمام أحمد بن حميد الدين ملك اليمن أيام وحدة سوريا ومصر واليمن).. إضافة إلى سفراته لمراجعته طباعة كتبه).. وعلى صعيد سلوكياته اليومية قال د. محمد القصيمي: (كان أبي منظماً.. ودقيقا (الصواب بدون واو) وكان (الصواب: وكنا) في ظل غياب الآلات الطابعة نقوم بنسخ كتبه، وكانت أكبر ميزة فيه هي الزهد في الحياة.. كان زاهدا حقيقةً، وكان يريدنا أن نهتم بالعلوم النظرية؛ لكي ننفع العالم ونفيد بلدنا).. وعندما سألت الدكتور القصيمي عن موقف والده عن تعليم المرأة، وعملها خاصةً، وأن ابنتيه عفاف وليلى لم يعملا: رد قائلاً: (كان أبي من المؤيدين لتعليم المرأة (الصواب: تعليم) بل إن بعض أصدقائه يقولون بأنه أول من نادى بتعليمها في المملكة، وأختي عفاف استكملت تعليمها، وأخذت بكالوريوس تجارة من جامعة القاهرة، ولم تعمل بسبب ظروف عمل زوجها، (و) أما ليلى فلم تتم تعليمها بسبب ظروفها الخاصة، ومن ثم زواجها بعد ذلك).. وعن كيفية علاقته بأسرته قال لي الدكتور محمد: (كان أبي محباً كثيراً لنا؛ ولذلك لم يكن يفرق في معاملتنا، وكان الود الكبير لأمي التي بعد وفاة والديها وأختها: لم (الصواب: إذ لم) يبق لها في القاهرة سوى أبي؛ ولذلك حزن كثيراً عند وفاتها، ويمكنني القول: إن وفاتها من الأحداث المأساوية في حياته).. وللتنقيب عن تفاصيل مرحلة الشك التي مر بها القصيمي، وبدأت ملامحها تنضج رويداً رويداً في كتابيه (كيف ذل المسلمون) و(هذي هي الأغلال): أفرد الدكتور أحمد السباعي مساحةً كبيرة من أطروحته للدكتوراه؛ وذلك لاستجلاء ملامح تلك المرحلة والغوص في تفاصيلها.. خاصة وأن (الصواب بدون واو) تلك المعلومات جاءت من لقاءات شخصية مع القصيمي، حيث (الصواب: إذ) يقول: (كان القصيمي في سن الثانية والثلاثين تقريباً حين وضع كتابه الديني التاسع (كيف ذل المسلمون).. (قال أبو عبدالرحمن: كتبه قبل ذلك احتواء ومسخ لكتب ابن تيمية) والذي (الصواب بدون واو) نظر فيه في أحوال المسلمين وواقعهم الديني والاجتماعي، وانتقد كثيراً من (الصواب بعض) معتقداتهم.. بعد ذلك مر بفترة صمت دامت ست سنوات تقريباً لم يخط خلالها أي إنتاج معلن، ولا شك أنه خلال فترة الصمت هذه كان يعاني من قلق فكري، وتأزم نفسي، كما كان يحدق ويتأمل بفكر ثاقب في المعتقدات والمسلمات والأفكار التي كونت مواقفه الفكرية حتى الآن، ولا زالت رؤاه الذاتية (يعني الشخصية الوجدانية) تتفاعل، وثقافته تتعمق، وتحديقاته تتوسع.. وتختم (قال أبو عبدالرحمن: لا معنى لكلمة (وتختم) في هذا السياق سواء أشددت الخاء المعجمة أو لا) حتى طلع علينا بمؤلفه (هذي هي الأغلال) الذي كان حداً فاصلاً بين نهاية وبداية: (المرحلة الدينية المؤمنة المتعصبة في إيمانها والتي (الصواب بدون واو) كانت تفسر كل شيئ، وتنظر إليه من خلال الدين وحده، وبداية (الصواب: وبين بداية) السير في الاتجاه المعاكس بل المناقض تماماً مع (مع فضول) مسيرته الأولى وبداية الانعتاق من ربقة الدين، وما كان يفرضه عليه من أحكام ومواقف ورؤى وتفاسير تناقضت مع انتفاضته الجديدة).. وإذا كان (الصواب: وإذا كان كتابه) (هذه هي الأغلال) جسد نظرته المادية والعلمية (الصواب بدون واو) إلى الكون والموجودات والحياة كما جسد مساحة واسعة من انتفاضته الفكرية الجديدة ولا سيما ما خص دعوته إلى الأخذ بالحضارة الغربية وبأسسها ومبادئها: إلا أن هذا المؤلف لم يسجل التضجر العنيف ضد معتقدات البشر؛ إذ بقي القصيمي متعلقاً بأهداب التدين والدين.. إذا كانت فترة الصمت والتحديق التي سبقت (هذه هي الأغلال) لم تستطع أن تصل بالقصيمي إلى قمة التفجر فهذا راجع إلى عوامل فكرية ونفسية وطبيعية لا يمكن للإنسان إلا في حدود ضيقة التحكم بها، أو الحكم عليها، أو تفسيرها، أو حتى تحليلها؛ وذلك لتشابكها وتعقيداتها وخضوعها لاعتبارات شتى.. كانت بداية أزمة الشك العقلي والنفسي الحادة والعنيفة والتي (لا معنى لتلك الواوات، وهي فضول) ستتضح وتتبلور بعد حوالي سنتين من صدور كتابه (هذه هي الأغلال)؛ وذلك في الندوات الأسبوعية التي كان يلتقي فيها بعض الشباب العرب في القاهرة والتي (الصواب: وهي التي) ستعلن كتابياً في (الصواب: وهي التي سيصدر بعدها) أول كتاب رافض له هو (العالم ليس عقلاً) بطبعته الأولى القديمة 1967 م في ثلاثة أجزاء موسعة ومنقحة (قال أبو عبدالرحمن: هذه هي الطبعة الجديدة وليست هي القديمة، وفيها أعلن عن كتابه الأقبح (الله في قفص الاتهام)، ثم أصدره بعنوان آخر هو (الكون يحاكم الإله)، وطبعته المؤسسة الصهيونية بفرنسا؛ وهذا من أبسط البراهين على أن القصيمي عميل قذر).. خلال هذه السنوات الطويلة بقي القصيمي صامتاً في تأمل حاد، وتحديق عميق.. كانت أزمة الشك اجتاحت كل عصب فيه، وعصفت بكل كيانه وفكره.. راجع خلالها كل مكوناته الفكرية، ومعتقداته الدينية، ومخزوناته العقلية، وآرائه ومواقفه تجاه الدين والتدين ونشأة الإنسان والكون والحياة وكل الموجودات.. كان القصيمي خلال هذه الفترة الزمنية قد استطاع أن يعبر مرحلة التململ والشك والمراجعة العقلية لكل مواقفه الفكرية السابقة؛ ليصل إلى قمة التفجير العنيف، والتفكير الثائر الرافض، بعيدة كل البعد (الصواب: وهي قمة بعيدة).. والله يعينني على تحقيق كلام مفهوم من هذر الصحافة المفكك لفهم أقبح كلام.. ورحم الله تعالى شيخي عبدالوهاب البحيري؛ إذ قال عن بعض انفعالاتي: (كلام جرائد!!)) عن ماضيه الديني والفكري، بل هي متناقضة (يريد أنها مناقضة؛ فأثبت (متناقضة) غير الدالة على مراد الجحدلي، ولكنها موافقة الواقع الصحيح الذي هو تناقض القصيمي، وليس هو مناقضة إلحاده إيمانه السابق) إلى أبعد حدود التناقض معها، ولم يكن هذا الانفصال بل هذا الانسلاخ الحاد سهلاً، وبسيطاً (الواو فضول) حتى يمضي دون أن يترك بصمات قوية وبارزة وحادة (الواو فضول) في مسيرة فكره المتقدم؛ ولنصغ إلى القصيمي وهو يحدثنا عن عالمه الديني القديم، وهذا بالتحديد ما قاله القصيمي (الصواب ولنصغ إلى القصيمي.. إلخ؛ إذ قال (بدل ما قاله القصيمي..): (لقد أخذتني إلى رحلة بعيدة.. إلى رحلة قد أصبحت بعيدة جداً في تاريخي وخطواتي مهما ظلت قوية قوية في ذكرياتي وأحاسيسي.. لقد رجعت بي إلى ماض بعيد بعيد جداً.. إنه بعيد بعيد مهما ظل قريباً، قريباً (يريد قرب الزمن في عهده بالإيمان، وقرب زمن إلحاده المفاجئ غير المحقق).. لقد رجعت بي إلى تاريخ قديم كان قوياً قوياً جداً في حياتي.. لقد رجعت بي إلى ذكرى كانت حياة، كانت حياة (حياة الأولى فضول) زاخرة بالانفعالات الزاخرة بالرهبة والرهبانية وبالضياع الرهيب (الصواب: زاخرة بانفعالات الرهبة.. إلخ)).. كما جاء ذكر ذلك في كتابه (الإنسان يعصي؛ لهذا يصنع الحضارات).. لن تمر الأفكار الخطيرة التي بثها في (هذه هي الأغلال) بدون ردود فعل.. كانت هذه القناعة عند القصيمي، ولكن الذي حدث أن ردود الفعل لم تتوقف عند الردود الكتابية والفكرية التي انهالت عليه وعلى أفكاره تماماً.. وحول تفاصيل ذلك يورد السباعي هذه القصة روايةً عن القصيمي نفسه وذلك كالتالي: (بعد أن أصدر القصيمي مؤلفه (هذه هي الأغلال) الذي اعتبر في حينه ثورة في فهم الدين والعقل والذي (الصواب وهو الذي) اتهم بسببه بالزندقة الفكرية، وبالخروج عن الخط الديني المؤمن: عصفت بالقصيمي مرحلة من التفكير الصامت والتأمل المحدق في كل مواقفه الفكرية والاعتقادية الماضية.. (قال أبو عبدالرحمن: هذه عادة القصيمي في تعويمه القارئ بكثرة تقطيع الكلام، واستئناف كلام جديد قبل تحقيق الكلام السابق؛ فهذه العدوى انتقلت إلى السباعي) دامت هذه الفترة قرابة السنتين (الصواب: بدون أل؛ إذ لا معهود للسنتين) لم ينتج خلالها أي كتاب معلن.. في هذه الأثناء جاء أحد السعوديين إلى مصر في محاولة لقتل القصيمي على كتابه (هذه هي الأغلال) إلا أنه لم ينفذ (قال أبو عبدالرحمن: هذه من أكاذيب القصيمي؛ وإنما جاء إليه فهد المارك مستطلعاً ناقلاً دعوى أن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى أفتى بجواز قتله غيلة!!.. ولكن القصيمي استألف المارك بقوله: (يا ليتها كانت القاضية)؛ فعاد المارك كما أتى صديقاً لا مغتالاً، وهذا دأب القصيمي في اصطياد السعوديين واليمنيين وغيرهم بعقدة القضاء والقدر: (كيف يسلب الله حرية الإنسان ثم يحاسبه ويعذبه)، وتلك دعوى كاذبة على الشرع، ولها تحقيق خاص في الوقفات إن شاء الله.. وكذلك الدعوى بأن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى (أفتى بجواز قتله غيلة).. بل الحكم الشرعي في ذلك واضح عند سماحة الشيخ محمد وغيره؛ وهو أنه يـحكم بكفره غيابياً، ولا يجوز قتله إلا بعد القدرة عليه بإحضاره للمحاكمة، ثم يستتاب؛ فإن تاب ترك، ويكون من أهل الإسلام بحكم الظاهر؛ فإن ارتد ثانية قتل بلا مراجعة، ولا يقتل غيلة إلا بعد حضوره وتقريره ثم إقراره هو).. لكن القصيمي ما لبث أن خرج من صمته وعن عزلته التأملية، وراح يبشر بأفكاره الجديدة الرافضة، ويدعو إليها أمام أصدقائه وكل الذين يتحلقون حوله في ندوات خاصة تقام أسبوعياً في أحد البيوت بالقاهرة وفي مناسبات عامة، وكان بينهم شباب سعوديون ويمنيون وآخرون (قال أبو عبدالرحمن منذ اتصل بي القصيمي عياناً لا نقلاً عن أصدقائه: لازمني جميع ليالي رمضان في جاردن سيتي، وكان يحضر تحاورنا شباب سوريون وليبيون وسعوديون، وفي ليلة 24 / 9 / 1394هـ اقترح أبو عصام عبدالعزيز السالم متعنا الله بوجوده أن تكون تلك الليلة ليلة حوار يسجل في الشريط، ثم يفرغ على الورق، ويهذب ويطبع بأمانة؛ فأصدرت ذلك السجال بكتيب طبـع في القاهرة في شوال عام 1394هـ بعنوان: (ليلة في جاردن سيتي)، ثم أضفت إليه حتى تبلور في طبعته الأخيرة، وحضر الحوار كثير من السعوديين والمصريين والسوريين والليبيين) .
إلا أن هذه الحادثة يرويها (فازلا) في كتابه بصيغة أخرى حيث (الصواب: إذ) يقول: (لكي لا يعرض القصيمي نفسه لمزيد من الهجمات انسحب في بادئ الأمر بعد صدور (هذي هي الأغلال) من الحياة العامة، ولعل أمراً بقتله قوى عزمه على التواري عن الأنظار (ليس هذا بصحيح كما سبق)، وبهذا الخصوص أفاد القصيمي نفسه في أحد أحاديثي معه: بأن طالباً شاباً من المملكة تكلم إليه في أحد المقاهي في العام الذي تلا صدور كتابه المثير للجدل (الصواب: الجدل)، وجره إلى نقاش حول مضمون الكتاب، وبعد ذلك أعرب الطالب عن رغبته في عقد لقاءات أخرى، ثم اعترف للقصيمي بأنه مكلف بقتله).. (إنها كذبة صلعاء).. وفي حديث لفازلا مع القصيمي في 21 مايو 1993 م: كان تقييم نفسه لأمر القتل غير دراماتيكي ( الدراما Drama) هي تمثيلية معتمدة على أحداث تمس حياة الإنسان الواقعية بمعنى أنها المسرحية الجادة ذات النهاية السعيدة أو المأساوية (المأساة) أما دراماتيكية كلمة أعجمية (خواجية) مستوحاة من (دراماتيكDramatic) تعني (فن التمثيل) بمعنى القيام بالتمثيل على المسرح بالحركة والكلام، وقد تشمل التمثيل الإيحائي الصامت (أحمد زكي بدوي, معجم مصطلحات الدراسات الإنسانية والفنون الجميلة والتشكيلية, 1990, ص 112, 113) إطلاقاً حيث قال أن الشاب (الصواب: لأن الشاب) كان مثقفاً جداً، وكان نموذجاً للعالـم الحقيقي، ولم يكن قاتلاً بأي حال، إذ سرعان ما أدى لقاؤه الشخصي مع ضحيته المنتظرة إلى جعله يتخلى عن مشروعه.. بين أخذ ورد وفي أجواء تنبئ عن أحداث عاصفة: توقف القصيمي عن الكتابة التي أخلص لها الفترة (الصواب: في المدة) الماضية، وأصدر خلالها تسعة كتب كل كتاب منها أحدث زلزالاً من الردود والتأثير.. وبالذات (الصراع) و(هذي هي الأغلال)، ويصف هذه الأجواء من السكون والتأمل (يورغن فازلا) قائلاً: (في الأعوام التالية لصدور (الصواب: صدور هذي هي الأغلال): اقتصر الظهور العام للقصيمي على حلقة نقاش تجري في أوقات دورية في مقهى تحت قلعة القاهرة اسمه (كافتريا العمدة)، ويحضرها عدد من الأصدقاء، وكان يشترك في هذه الندوة السلفي عبد الحميد الغرابلي والعالم السعودي محمد نصيف والكاتب خالد محمد خالد وغيرهم.. وكان الأخير متأثراً جداً في ذلك الوقت بأفكار القصيمي) (قال أبو عبدالرحمن: في ذكره بعض هؤلاء كذب مفضوح)، وهكذا.. هدأت العاصفة، أو بمعنى آخر انكمشت على ذاتها حتى تستعد للانطلاق بعد ذلك في مرحلة جديدة وخطيرة وجارحة من الكتابة والرفض والانعتاق من كل شيئ (الواوات فضول) وأي شيء، والرهان على الحرية.. الحرية المطلقة خياراً وحيداً (الصواب: وهي الخيار الوحيد) للإنسان.).
قال أبو عبدالرحمن: وسأذكر إن شاء الله بقية الاحتواء والانبهار عند الآخرين، وخلال هذه التحولات الزمنية، أذكر تجرد القصيمي من نزاهة الأخلاق التي يتشدق بها؛ فقد أراد من المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد العزيز والملك سعود رحمهما الله تعالى بقرةً حلوباً يرتزق من لبنها، ولم يخلص ولم يصدق في دعوى الحمية لها والاعتراف بفضلها؛ فمنذ وجد من كمال جنبلاط حمايته ودعمه تابع هجومه الوقح بمقالاته التي كتبها في دورية (مواقف) بعنوان: (لكيلا يعود هارون الرشيد)، وهي مقالات تؤذي المملكة حكومةً وشعباً، ولما تولى الملك فيصل سدة المسؤولية مع أخيه الملك سعود رحمهما الله تعالى خدع القصيمي معالي وزير المعارف الشيخ حسناً آل الشيخ رحمه الله تعالى بخطابه السري السفيه الذي زعم أنه اعتذار وإنابة: (إن النيل لا يسترفد من زمزم، وقد قطعتم مكافأة مفكر حر ثمن إيمانه بالأخلاق الفاضلة!!.. وهي لا تساوي ثمن قبلة تدفع لمومس في الشرق أو الغرب)، ولكن الملك فيصلاً رحمهما الله تعالى أحمى الميسم، ثم ضغط عليه حتى أجلاه من لبنان مع معالي وزير البترول الدكتور الطريقي في مقالاته عن بترول العرب، وقد أخلص الطريقي رحمه الله تعالى القصد، وأقنع المسؤولين بصدق نيته وإرادته المصلحة العامة، وتوفي في بلده الزلفي ساريةً من سواري المسجد.. قدس الله روحه ونور ضريحه؛ وعلى هذا فمرتزق كذوب كالقصيمي لا يحق له الارتزاق من بترول العرب، ولقد سمعت من القصيمي نفسه قصة هذا الخطاب، وقصة خديعته معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ.. ثم كانت رحلة الصعيدي ثم القصيمي في العواصم الماركسية التي تسلح فيها لتوليد الشكوك والتعويم والنواح بالأساليب المطاطة التي تصطنع البكاء الرومانسي (والرومانسية مكرمة عن أكاذيبه)، وهي – أي الرومانسية – باهرة الصدق مع أشجان القلب، ومن لم يكن رومانسياً في غير تبذل في الحديث عن الفحشاء كحديث (برترند رسل) عن لواطيته في كتابه (سيرة ذاتية): فلن يفلح!!.. وبعد هذه الجولة ألخص الوقفات مع هذه النصوص؛ فإلى لقاء عاجل، والله المستعان، وعليه الاتكال.