تقيم اليونيسكو سنوياً فعاليات ثقافية وفنية، للاحتفاء وإبراز مواضيع معينة يجب على العالم الاهتمام بها، أو لفت انتباه العالم إلى قضايا مغيبة أو في ناحية من نواحي العلوم لدفع الإعلام بالكتابة عن الموضوع وتعريفه للعامة. فمثلاً كانت سنة 2014 سنة علم البلورات، وسنة 2011 السنة الدولية للكيمياء، وكانت سنة 2009 السنة الدولية لعلم الفلك، وكانت سنة 2005 السنة الدولية للفيزياء (كانت احتفالاً بمرور 100 عام على اكتشاف النسبية)، وغير ذلك من المواضيع المهمة مثل ندرة المياه، ومشكلة التصحر، والسنة الدولية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، والسنة الدولية للتقارب بين الثقافات. إضافة إلى الكثير من الأيام الدولية الفنية والأدبية، فمثلاً 18 ديسمبر هو اليوم العالمي للغة العربية، وكان الخط العربي هو محور الاهتمام لهذا العام.
وسوف يخصص هذا العام 2015م للضوء وتقنياته، بالإضافة إلى الاحتفاء بأعمال العالم العربي ابن الهيثم، ومرور ألف عام على كتاب المناظر لابن الهيثم. ولقد كان للمجلة العربية قصب السبق في هذه المناسبة حين أصدرت العدد رقم 457 وفيه ملف عن التراث العلمي العربي، استكتبنا فيه صفوة المتخصصين في هذا المجال، وكان الكتاب المصاحب للعدد بعنوان (ابن الهيثم ومآثره العلمية) تأليف الدكتور أحمد فؤاد باشا. وفي رأيي أنه أفضل كتاب ألف عن ابن الهيثم صدر في الأربعين سنة الماضية.
وسوف تقوم اليونيسكو في 19 يناير 2015 باستهلال هذه الحملة بحفل افتتاح عنوانه (ألف اختراع واختراع: عالم ابن الهيثم). كما سيقام مؤتمر ومعرض في نهاية العام في 14 سبتمبر 2015م عن (العصر الذهبي للعلوم في الإسلام كمجتمع قائم على المعرفة – ابن الهيثم أنموذجاً)، وعن (مساهمات ابن الهيثم في العصر الذهبي في الإسلام) وذلك في مقر اليونيسكو في العاصمة الفرنسية باريس. وعلى الرغم من طول النشاطات التي سوف تتم في هذه السنة وتعددها من جميع أنحاء العالم –أغلبها عن الضوء وتطبيقاته - إلا أن العالم العربي له مشاركة خجولة جداً وليس لها علاقة بالعلوم عن العرب. فهل هناك جهات علمية عربية سوف تهتم بهذه السنة وتبرز تاريخ العلوم الإسلامية؟ وماذا فعلنا أو ماذا سوف نفعل للمشاركة في هذه التظاهرة العلمية؟
إن الاهتمام بالعلوم العربية وتاريخها هو جزء لا يتجزأ من خدمة اللغة العربية، بل إن مشكلة اللغة العربية الآن هي في استيعاب المصطلحات العلمية الجديدة وتعريبها، ووضع بديل عربي ناجح وملائم لها. وهذا لن يتم إلا عن طريق الاهتمام بتاريخ العلم وتحقيق المخطوطات العلمية العربية ونشرها، والتي أوضحتُ سابقاً أن ما نشر وحقق منها أقل من القليل. نتمنى أن تشارك المعاهد المتخصصة والجهات المعنية في هذا التحرك الدولي، وأن نجعل هذه المناسبة مناسبة للكشف عن الكثير من الكنوز التي مازالت مطمورة في المكتبات، وأن نعيد كتابة تاريخ العلم والعلوم في العالم، وإبراز ما حققه العرب والمسلمون في ذلك. وكل عام وأنتم بخير.