مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

داليا العبدلي.. سعودية تعشق التراث وتأثيث البيوت القديمة

تعمل سيدات سعوديات في تأثيث منازل قديمة تعود لمئات السنين، في مناطق متفرقة في المملكة. وبالعودة إلى التاريخ القريب، يحكي سكان محليون في مناطق متفرقة من المملكة، أن النسوة شاركن في بناء البيوت وتصميم التفاصيل الصغيرة، ونقش الزينة على جدران تلك البيوت التي تحاول هيئة السياحة والآثار الاعتناء بها مجدداً، كما يؤكد رئيسها في أكثر من مناسبة.
المستشارة داليا الشريف سراج العبدلي، مالكة تراث وأثر للأعمال والتجهيزات التراثية، وقلب جدة للتنظيم؛ يلاحقها عشق جدة ومبانيها التراثية، ذات الطابع الحجازي، حيث أطلقت مبادرة لتاريخ منطقة البلد بجدة، عبر صنع مجسم خشبي يدوي الصنع، نقشت عليه خريطة جدة التاريخية، وتعتبر هذه القطعة الفنية هي الأولى من نوعها.
 
المرأة وصناعة المنزل
تقول داليا العبدلي إن المرأة بشكل عام كانت هي صانعة منزلها، وأنها في الحجاز قديماً عرفت بتصميم وتأثيث منزلها، فكانت تحيك، وتصنع جهاز زواجها بنفسها، وبعد أن تصبح زوجة وأماً تتولى منزلها كاملاً، بقطع الأثاث والديكور والثياب والزينة والطبخ، وتتباهى بكونها ماهرة في الحياكة وعمل الصنارة والصوف وصنع المفارش واللوحات والطبخ وكل الحرف التي وجدت من عهد قديم. 
وقامت بتأثيث بيت المتبولي التاريخي (عمره 410 سنوات)، وتم افتتاحه على يد رئيس هيئة السياحة الأمير سلطان بن سلمان. كما نفذت المتخصصة في قطاع التراث المستشارة داليا الشريف سراج العبدلي «البيت التراثي» في موقع الاحتفالات بفعاليات اليوم الوطني في أبحر الجنوبية. وتولت العبدلي مهام تنفيذ البيت التراثي من حيث ديكور البيت الحجازي لموقع احتفالات محافظة جدة باليوم الوطني. كما لم يتوانَ كل المهتمين بالتراث في تقديم الدعم لفكرة البيت الحجازي، ومنهم المختصون في التراث الحجازي السيد محمد العطاس.
 
مشاريع بيوت المرأة 
وتحت إشراف الشريفة داليا العبدلي والدكتور محمد العطاس تم تأثيث وتجهيز عدة مشاريع، ضمنها مهرجان جدة التاريخي، وتأثيث وتجهيز بيت باعشن بالكامل، وتشغيل مبنى الميرة بفعاليات عدة بمجلس تراث وأثر، وإدارة وتشغيل وتنفيذ ديكور ووضع فكرة لبرنامج بارع التابع للهيئة العامة للسياحة واﻵثار، المقام خلف مسجد الشافعي لعدة حرفيات في مهرجان جدة التاريخية «كنا كدا2». 
وأوضحت الشريفة داليا العبدلي أن العمل يتم وفق منظومة عمل متجانسة ومتناغمة من أجل تحقيق ما نتطلع إليه لهذه المدينة بكل تفاصليها الصغيرة والكبيرة. وعن فريقها قالت المستشارة داليا العبدلي: إن المرأة هي سيدة المنزل وتعرف تفاصيله أكثر من الرجل الذي يقضي معظم وقته خارج المنزل. 
وأكدت العبدلي أنها اختارت فريقها بعناية قصوى، فملاك صباحي، مصممة الجرافيكس، وأحد أعضاء الفريق؛ درست الفن الإسلامي في المرحلة الجامعية، وقد وجدت ضالتها في البيوت التراثية في المنطقة التاريخية وسط جدة. وتقول إن المنزل التاريخي أسرها بنقوشه القديمة وتفاصيله التي تعود لـ400 عام، وسعت مع فريقها لإعادة الصبغة القديمة للبيت باختلاف غرفه وأدواره.
 
سور جدة الشمالي
ومضت العبدلي متحدثة عن تنظيم قلب جدة طوال فترة المهرجان «كنا كدا3» تحت عنوان «فجر جديد»، حيث بلغ عدد الزوار أثناء المهرجان 20 ألفاً. واشتملت تلك النسخة الكثير من الفعاليات التراثية والثقافية والترفيهية والتسويقية، واستمر 10 أيام. وشهد عودة سور جدة الشمالي، وأيضاً عودة الرسام الشهير ضياء عزيز ضياء بمجموعة من أعماله المميزة التي تحكي حكاية المنطقة بريشته، وافتتحه الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز محافظ جدة رئيس اللجنة العليا لمهرجان جدة التاريخية، بحضور الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وعدد من المهتمين وأهالي مدينة جدة.
وهدف هذا المشروع إلى تعزيز مكانة المملكة العربية السعودية كمصدر للأدب وللثقافة وللتاريخ العربي منه والإسلامي، بالإضافة إلى المحافظة على المرتكزات التراثية، والمقتنيات الأثرية والحضارية، ومحاولة ربط الماضي المتسم بالعراقة بالحاضر، وتسليط الضوء على منطقة جدة التاريخية، وتعريف زوار المهرجان بها وبما فيها من معالم تراثية وتاريخية كثيرة، وذلك كله بهدف المحافظة عليها أولاً، وثانياً العمل على إعادة إحياء عادات وتقاليد أهلها، وثالثاً جعلها مزاراً تاريخياً يقصده أهل وزوار عروس البحر الأحمر. وقد ساهم المهرجان بشكل كبير في التعزيز من ملف انضمام جدة التاريخية لقوائم منظمة اليونسكو العالمية، وتسجيلها موقعَ تراث عالمي.
 
العبدلي والنادي الأدبي
ولم يقتصر دور المرأة الجداوية في أعمال المحافظة على التراث، والمساهمة في نظافة المنطقة التاريخية، أو لعب دور في نجاح فعاليات المهرجان؛ بل إنها مضت إلى أبعد من ذلك، لذا أخذت المستشارة داليا العبدلي المبادرة بإنشاء نادٍ أدبي ثقافي في المنطقة التاريخية، حيث هيأته ليكون بمثابة نافذة أدبية وفكرية وثقافية تستقبل فيه محبي التراث وأهله بالندوات واللقاءات العملية والثقافية والاجتماعية. 
وقالت العبدلي إن فكرة إنشاء مكتب في جدة التاريخية حاضرة منذ سنوات طويلة، ولكن كنت بحاجة للوقت المناسب للتنفيذ، وفي رمضان من العام الماضي تم الإشراف على كيفية تنفيذه بطريقة تراثية تعكس هوية البيت الحجازي القديم، فاهتمامي بالتراث قادني لإنشاء المكتب، وذلك بعد أن تم إجراء حوار مع شخصي في مقعد جدة، وحينها كانت الانطلاقة للتنفيذ.
وأضافت أن الهدف من إنشاء النادي هو وجود واجهة جديدة وحديثة للتعريف بتاريخ الحجاز، وذلك لرغبتين: الأولى بهدف استضافة الشخصيات النسائية المشهورة في الحجاز، وتعريفهن بالنساء والمجتمع في الوقت نفسه؛ والرغبة الأخرى منصبة في إنشاء مكتب خاص في المنطقة التاريخية لكونها تضم موروثاً ثقافياً كبيراً يحكي قصة الحجاز على مدى السنين الماضية والمقبلة. ولذلك عمدت إلى الدمج بالمشاركة ما بين حبي للتراث ومجال عملي في التنظيم والعلاقات العامة لإعداد هذا النادي الأدبي، والذي حصد ردود فعل رائعة ومحفزة من الزوار أثناء مهرجان جدة التاريخية، وقد حرصت فيه على استقطاب الندوات والملتقيات خلال الفترة المقبلة للنادي. 
 
منازل جدة في أدبيها
وبينت العبدلي أنه تم عرض صورة المنازل التاريخية في جدارية النادي ليصل طولها ما يقارب ثلاثة أمتار في كل زاوية من زوايا النادي، وهذا الرسم عكس صورة التراث بشكل جميل جداً، وذلك أن الفكرة النهائية للمشروع تعمل على الحفاظ على التراث بشكل عام في مختلف مناطق الغربية، لذا فالجدارية تحمل تفاصيل البيت الجداوي والمكاوي والمديني والطائفي، كما عمدنا إلى الاستعانة بخريطة للمدينة المنورة، رسمها حينها المؤرخ إبراهيم العياشي، حيث تعود أصولها إلى ما يقارب عام 1959م. 
ويتضمن النادي ثلاثة أجزاء مهمة، منها: صالون النادي لاستقبال الزوار وإعداد المحاضرات والندوات، إلى جانب إعداد مكتب للحرفيين لاستعراض أعمالهم وتفعيل نشاطهم بشكل واضح، كما يضم النادي النسائي مجموعة من الصورة القديمة التي تحكي تفاصيل تاريخ منطقة الحجاز، لتوثيق أهم المعالم التاريخية التي تبرهن الحضارة العريقة التي يعود أصلها إلى الحجاز بكل ما فيه من جماليات. 
 
رؤى للمستقبل النبيل
بينت العبدلي أنها ستعمل على استكمال الرسالة والهدف من خلال دعوة نساء جدة القديمات من العائلات الحجازية المغمورة في المنطقة ليتحدثن لفتيات الجيل الحديث عن التفاصيل المميزة للقديم وحياتهن في المنطقة، والنادي مفتوح بكل الترحاب لكافة المهتمات بالتراث من طالبات الجامعات أو المثقفات وسيدات المجتمع.
واختتمت العبدلي حديثها للمجلة العربية قائلة: إن اهتمامي منصب في تتبع أثر التراث في كل منطقة من مناطق المملكة، ومن ثم جمعه ونقله من منبع التاريخ العريق جدة والتي ستحكي تفاصيلها وتفاصيل غيرها من مناطق المملكة، حيث سيساهم ذلك في تعزيز الثقافة الفكرية والحضارية بداخلنا نحن أبناء المنطقة، ومن ثم نقلها للزوار ليتمكنوا من اكتشاف تاريخنا من خلالنا، ومنحهم فيما بعد فرصة زيارة المناطق الأخرى والتعرف عليها عن كثب، وهذه الخطوة ستمكننا من جعل جدة منبراً للثقافات في البلاد. مقدمة شكرها لخبيرة التراث الفنانة خديجة صباحي إذ تتكئ على أكثر من 30 عاماً من الخبرة والدراية بالعمل التاريخي والتراثي لجدة، وهي مديرة لقلب جدة للتنظيم ومشرفه على مشروع بيت المتبولي التاريخي.
وكما أشكر فريقي على رأسهم المشرف عبدالرشيد عبدالله حسن وأهلي على دعمهم وإيمانهم ومساندتهم كوني امرأة يفتخروا فيها.
ذو صلة