ربما يتم عبر تقنيات غير محسوسة وبدون معدات أو عتاد من خلال تطوير ظاهرة التخاطر أو توارد الخواطر
ولما كانت الإجابة لسيدنا سليمان (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) كان المتحدث هو (الذي عنده علم من الكتاب)، ولما بلغ ذو القرنين أولئك القوم (الذين لا يفقهون قولاً) كان اتِّباع سبب ذي القرنين الذي فسره ابن عباس بأنه (أوتي من كل شيء علماً يتسبب به إلى ما يريد) فكان صهر الحديد بالنحاس المذاب ليتكون السد المانع لأولئك القوم ليمنع عنهم أذى قوم يأجوج ومأجوج، هذا ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل قرابة الألف وخمسمائة عام. مع مرور الزمن قليلاً وعند العام 1503م لم يكن المنجم الفرنسي نوستراداموس من أشهر المنجمين وحسب، بل كان عالماً طوع العلم والمعرفة ليصل إلى ما وصل إليه من شهرة.
مع ملاحظة انعدام معايير المقارنة تكنولوجياً في الأمثلة السابقة وزماننا هذا، نجد أن التميز عن الأقران في الجيل الواحد كان المدخل إليه فقط طريق العلم والمعرفة وتتابع التطوير الذاتي للفكر البشري بما يتسق وحاجاته المادية والمعنوية.
مضى التطور التكنولوجي لأبعد من ذلك، فمن طريقة الجدول الصيني لتحديد نوع الجنين ذكراً كان أم أنثى بحسابات عمر الأم وتاريخ التبويض استناداً إلى دراسات وملاحظات إحصائية قلَّما تخطئ، وصل العلم لمرحلة إجراء عمليات جراحية لمعالجة أعطاب تكوين الجنين قبل أن يرى النور بل وإلى تحديد جنس الجنين ذكراً أم أنثى، وإجراء عمليات جراحية بواسطة طبيب من نصف الكرة الأرضية لمريض يقبع في نصفها الآخر عبر تقنيات الاتصالات الحديثة والروبوت.
وبالرغم من تتابع التحديثات في تلبية المتطلبات البشرية والتي ينتج عنها تطور الفكر الباعث على تعزيز العلوم والتكنولوجيا لتحقيق الإشباع المادي والحسي، انتبه الناس الى أنهم وصلوا مرحلة تنافسية دعتهم لاستنباط أساليب تحتم عليهم الوصول ومن ثم البقاء في القمة ولو دعا الأمر لإقصاء الآخر بدلاً عن إتحافه ولا أعني هنا القنبلة الكهرومغناطيسية التي تتلف كل الأجهزة التكنولوجية وترجع البشرية الى العصور البدائية فحسب، بل أضف إليها غفلة الناس في اعتمادهم الكلي على التكنولوجيا الحديثة التي تعمل على تسهيل الحياة لدرجة الإتلاف الصحي بدءاً من الإمساك بالريموت كونترول لتغيير القناة إلى ضغطة زر تحصل من خلالها على ما تريد، وصولاً للتسوق عبر الإنترنت والتحكم الآلي عن بعد.
هذا التطور مستمر ويختلف باختلاف تطور الفكر البشري فبعد أن استخدم الإنسان الحجارة لإشعال النار وجلود الحيوانات للتدفئة تطور فكره حد اختراع المايكروويف والمدفأة الكهربائية، وغيرها من التقنيات التي تتطور بصورة شبه يومية بحيث صار من الممكن لمستخدم الهواتف الذكية مثلاً معرفة مخزون الثلاجة من مقدار الطعام بداخلها أو متابعة حركة السيارة التي تقلُ أطفاله للمدرسة وهو مضطجع على أريكة مكتبه المطل على بحيرة اصطناعية بينما يجري محادثة مع صديقه بالصوت والصورة، كل هذا ممكن عبر علم حديث أطلق عليه اسم إنترنت الأشياء. هذا التطور التكنولوجي الهائل في مسيرة البشرية، يجعلنا نستدرك مدى التحول الكبير في العلم والفكر البشري حينما نتذكر أن نوستراداموس وجاليلو وأمثالهم من المميزين تمت محاكمتهم وإعدام بعضهم بتهمة الهرطقة.
وتطور العلم مستمر استمرار الكون فلن يكون هذا مبلغ العلم، والله جل وعلا يقول في محكم كتابه: (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) (الإسراء 85)، لذا فإن العلم سيبلغ مداه وليس منتهاه. وبرأيي سيصل التطور في الاتصالات اللاسلكية مثلاً حد أن يتم عبر تقنيات غير محسوسة وبدون معدات أو عتاد من خلال تطوير ظاهرة التخاطر أو توارد الخواطر المعروفة عند البشر، وهذا الأمر مثبت في الحادثة التاريخية عند العرب في واقعة خيبر حينما نادى سيدنا عمر الفاروق (أيا سارية الجبل). وأيضاً سوف يتمكن العلم من تجاوز سرعة الضوء في نقل الأشياء المادية مثلما فعل الذي عنده علم من الكتاب، نعم سيبلغ العلم هذه المراحل وحينها سيفخر العرب بأنها ذُكرت في كُتب تاريخهم!
وكم هو غريب أن يتساءل العربي عن كيفية وصول دول الغرب لما هي عليه من تطور علمي وتكنولوجي وهو يمتلك قصب السبق في موارد العلم والمعرفة، بالرغم من أن المنهج العلمي واضح في قوله عليه الصلاة والسلام (تركت لكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً) وهو من يقول عنه الله جل وعلا: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى) فالطريق الى استعادة الصدارة بالضمانات آنفة الذكر ممهد لتلك التي اتبعها الغرب إبان الثورة الصناعية من خلال الالتزام الذي اختصره الإمام الشافعي في أبيات شعرية موجزة:
أخي لن تنال العلم إلا بستةٍ
سأنبيك عن تفصيلها ببيانِ
ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبلغةٌ
وصحبةُ أستاذٍ وطول زمانِ
فلتكن بداية النهاية لمفارقة العرب لموروثاتهم العلمية والمعرفية واعتمادهم على منتوج الغرب الذي طور إبداعه المكتسب من أسلافهم، والنجاة من خديعة الغرب للعرب لدرجة تطويع العرب لتمويل تطور الغرب بالإغراءات التي وصلت لتبني المتميزين من العرب ورعايتهم وكفالتهم حتى تناسوا عروبتهم، بالابتداء من حيث انتهوا هم إليه وبالتغيير الفردي لأنفسنا، حيث لن يُغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والنية في فعل الخير ونفع البشرية هي أساس النجاح.