لئن برهنت العولمة في عصرنا الراهن عن تنامٍ متصاعد للعقل البشري أفاد منه الإنسان بشكل جلي، فإن ما يشهده مجال علم الذكاء الاصطناعي من تطورات تكنولوجية حثيثة يطرح جملة من التحديات والرهانات لما له من فوائد ومخاطر على العنصر البشري في ذات الآن.
ولعل أهمية هذا المنجز التجريبي تكمن في اتجاه العلماء إلى تطبيقه في مجالات حيوية وحساسة كالطب والعلوم العسكرية والاستخبارات والحاسوب والترجمة الآلية. ولا غرابة في المنحى التعددي لهذا العلم باعتبار أنه مجال بحث مشترك تتظافر فيه جهود علماء الهندسة والحاسوب والرياضيات وعلم اللغة والفلسفة والمنطق.
ويشير د.معاوية الفكي يحيى إلى أن ما يشهده العالم من طفرة علمية إنما يعود الفضل الكبير فيه إلى أجهزة الحاسبات الذكية التي يُنتَظر في السنوات المقبلة أن تعوض المعلم في أداء مهامه وتقدم استشارات متنوعة في ميدان التعليم، وأن تساهم في تشخيص الأمراض المزمنة واقتراح العلاج المناسب في المجال الطبي، فضلاً عن تدخلها في المجال العسكري وذلك بضبط الخطط الإستراتيجية إبان الحروب والعمل على تطبيقها بحرفية عالية. ولا يختلف الأمر كثيراً في المجال الهندسي، فمن المتوقع أن تراقب عملية إعداد التصاميم بل وتشرف على تنفيذها. ولعل أبرز حدث سيكون له وقع كبير على الملايين ولا ريب، تطوير الربوتات الآلية بشكل يجعلها تتفاعل مع البشر عاطفياً وهو ما أعلن عنه منذ فترة فريق من العلماء البريطانيين.
ولا ننسى ما قامت به إحدى الجامعات الأمريكية من اختراع لأحد الأجهزة وزرعه كبديل لمخ الإنسان بهدف مقاومة بعض الأمراض المستعصية كالزهايمر والفشل الدماغي، لكن الإشكال الذي يُطرح هنا: هل أن مثل هذه الاختراعات ستساهم فعلياً في القضاء على الأمراض المزمنة؟ أم أنها ستؤثر سلباً على طبيعة المريض وسلوكه وبالأخص هويته؟ ثم كيف بإمكان الإنسان التحكم في الربوتات الخارقة الذكاء إذا ما تم توظيفها بشكل ماكر يهدد مصير البشرية؟
وفي هذا الإطار اقترح (إليزير بودلوسكي) الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي فكرة (الذكاء الودود) التي تحرص على أن توظف الآلات المستقبلية لخدمتنا أو أن (تظل مساوية لنا بدلاً من أن تكون سيداً علينا).