أين يتموقع العالم العربي اليوم في سياق التطور العلمي الهائل والمتسارع؟
معادلة تفرض نفسها وتشغل جل المفكرين والباحثين العرب
ما انفك الإنسان منذ القدم في البحث عن ماهيته في هذا الوجود وعن الأسرار الغامضة والظواهر االعلمية التي تسود العالم، فيما جاءت بعض الإجابات نظرية وتحليلية وذلك عن طريق الفلسفة والعلوم الاجتماعية والإنسانية رأى البعض الآخر أن هذه الإجابات لا تقدم إقناعاً مادياً وملموساً فبدأت البحوث تأخذ منحى تجريبياً أي التجربة والملاحظة والاستنتاج وتجلى ذلك خاصة في الثورة الصناعية التي انطلقت في أوروبا 1760 بين تطور الرفاهة والتقدم وبين المخاطر والارتدادات السلبية على الجنس البشري من هذه الجدلية طرحنا هذا الموضوع للوقوف على أهم جوانبه وحيثياته.
و1840 كانت بذلك النواة الأولى لما شهده عالمنا اليوم من تطور علمي وتكنولوجي والصناعات المتطورة جداً أي صناعات الجيل الثالث. هذا التطور العلمي كان وليد رغبة الإنسان لتوفير الرفاهية ومحاولة التحكم في الكون والطبيعة خاصة لضمان استمرارية الجنس البشري. إن العلوم تتجه في المستقبل إلى تحقيق المزيد من الاكتشافات لتوفير الموارد المادية والحياتية للإنسان نظراً للاستهلاك المفرط والمتزايد للموارد الطبيعية الموجودة على كوكب الأرض ويتجلى ذلك في محاولة اكتشاف الكواكب الأخرى كالمريخ الذي يعتقد أنه يحتوي على مؤشرات حيوية تمكن الإنسان من العيش فيه. كبديل للكرة الأرضية ولا عجب في أن الأفلام الهوليودية وخاصة أفلام الخيال العلمي قد تنبأت باختراعات واكتشافات كنا نعتقد أنها مجرد خيال خالص وأصبحت اليوم حقيقة مثل الروبوتات والحواسيب والعالم الرقمي واشتد التنافس بين الشركات العابرة للقارات والمختبرات ووكالات الفضاء العالمية، كوكالة الفضاء الروسية ووكالة الفضاء الأمريكية ناسا في اكتشاف الكون وتطور التكنولوجيا والتنبؤ بالكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية لاستباقها والتوقي منها.
أمام هذا التطور الهائل والميزانيات الضخمة التي تخصص للبحث العلمي والتجارب المخبرية المتواصلة والحقيقية يمكن التنبؤ بنسب عالية في وصول الإنسان إلى حالة متطورة جداً من ناحية القوة ونقاء الجنس البشري وقد تصل إلى حد خلوه من أي مرض أو عاهة كالتي نعرفها اليوم وذلك راجع إلى النجاحات الهائلة التي يشهدها يومياً في المجال الطبي ولعل جائزة نوبل للطب 2017 والتي فاز بها ثلاثة علماء أمريكيين وهم على التوالي جيفري هول ومايكل روسباش ومايكل يونغ وذلك بعد اكتشافهم عن طريقة عمل المناعة البيولوجية في الجسم البشري والتي لها تأثيرات كبيرة على صحة الإنسان ورفاهيته وبالتالي الوقاية وتجنب أمراض خطيرة كأمراض القلب والسكري.
ساهم التقدم والتطور العلمي في توفير الراحة والرفاهية والاطمئنان بالإضافة إلى الانفتاح على الآخر وجعل العالم قرية صغيرة إلا أن هذا التطور لا يخلو من سلبيات جلية وواضحة.
لئن قدم التطور العلمي خدمات جلية للإنسانية وما يزال، إلا أنه لا يخلو من سلبيات ومخاطر جلية نذكر منها، الاستعمال المفرط لبعض التقنيات الرقمية التي وصلت حد الإدمان مثل الكومبيوتر والهواتف الذكية.
وعلى مستوى الطبيعة فتشهد تغيرات مناخية رهيبة ومخيفة، تتجسد في الأعاصير بمختلف درجاتها، الفيضانات، الاحتباس الحراري جراء ثقب الأوزون وذوبان الجليد في القطبين بما ينبئ ربما بغرق بعض القارات نتيجة ارتفاع مستوى المياه، مما جعل العالم يتجه لعقد اتفاقيات تقلل من التلوث مثل القمة العالمية للمناخ التي أقيمت مؤخراً في باريس وتزداد المشاكل بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من قائمة هذه الدول. والأخطر مما سبق ذكره أن تقع نتائج التطور العلمي في الأيادي غير المناسبة وتمول المختبرات السرية والشركات القادرة علي إنتاج التكنولوجيا لأغراض دنيئة وشريرة ولعل القنبلة النووية والأسلحة الجرثومية الفتاكة والأوبئة المخبرية أهم مثال على ذلك كالجمرة الخبيثة (السارس)، (الايبولا).
إضافة إلى الهجمات الإلكترونية من طرف القراصنة (الهاكرز) والتجسس مما يجعل الإنسان تحت رحمة الآلة ولا يتمتع بحرية وخصوصية كاملة وهذا ما سأطلق عليه تسمية (المافيا العابرة للقارات) والتي من أجل الربح السريع والسلطة لا ترى مانعاً في استعمال التكنولوجيا والتطور العلمي في أغراض شريرة، بل وأصبح العالم اليوم رهين ضغطة زر لسلاح نووي حتى يندثر ويدمر بالكامل.
من هذه المعادلة ستشهد المجتمعات مستقبلاً تغيرات جذرية على مستوى نمط الحياة، ربما ستحل الآلة جميع مفاصل الحياة اليومية للإنسان، وسيصبح الإنسان تحت رحمتها لأنه لن يستطيع العيش دونها، ستزيد جراء ذلك معدلات البطالة وستتسع الهوة بين المجتمعات المتقدمة والأخرى المتخلفة فبينما يتمتع شريحة بمزايا التطور العلمي ستحرم أخرى من تلك المزايا مما يؤجج الصراع الطبقي ويخلق مزيداً العداوات بين أبناء الجنس الواحد.
أين يتموقع العالم العربي اليوم في سياق التطور العلمي الهائل والمتسارع؟ معادلة تفرض نفسها وبقوة وتشغل جل المفكرين والباحثين العرب في سبيل إيجاد حلول وإجابات نظرية من شأنها تهيئة أرضية مناسبة لترجمتها مستقبلاً على مستوى تطبيقي.