مجلة شهرية - العدد (583)  | أبريل 2025 م- شوال 1446 هـ

مشوار كتابة

الطريق ليس بطويل، وأنا أمشي وحيداً، أنظر إلى الأفق، ضباب، ربما، أفكر أن أكتب، ليس الآن، عندما أعود إلى مكتبي الخاص وأجلس أمام الحاسب، وأشرع بلمس لوحة المفاتيح لتتشكل الكلمات على الشاشة البيضاء، لا أدري لماذا حاصرني هاجس الكتابة، في وقت أمارس فيه عادتي شبه اليومية بالمشي على رصيف خصص لذلك، لماذا الآن أفكر أن أعود لبيتي، وأشرع بالكتابة، ليس في ذهني مشروع كتابي حالياً، ولكن ثمة رغبة بالكتابة، مجرد عبث، كلمات تثقل رأسي أريد أن أتخلص منها.
أمشي وحيداً، ربما لو كنت مع صديق لتحدثنا ولم أفكر مطلقاً بهاجس الكتابة، قد أخبره بما يدور في ذهني، وإن واتتني رغبة الكتابة أخبرته بذلك مباشرة وأخذت رأيه حول ما سأكتبه، ولكن من الأفضل أن أحتفظ بذلك لنفسي، قد تكون لدي فكرة نص متميز فيعجب به ذلك الصديق، ويسبقني لكتابته كما فهمه مني، وتحترق الفكرة، لحسن الحظ لا يوجد صديق، هل أسجل ما يدور في ذهني بواسطة جهاز هاتفي المحمول، ربما أرتاح، عندما أنتهي من سرد كل الكلمات التي أثقلت رأسي، ولكن أنا أحب أن أكتب، لا أن أتحدث ولو لجهاز تسجيل.
أنا في أول الطريق، من العيب ألا أكمله، الوصول حتى النهاية أمر جميل، ثم العودة من حيث بدأت، وعندها سأشعر براحة إنجاز عمل مهم يفيد جسدي، وبكل تأكيد ذهني، المشي لن يستغرق وقتاً طويلاً، ربما الكتابة تحتاج لوقت أطول. أنا في هذه الساعة المتأخرة من الليل، أمشي على رصيف المشاة بعد أن غادره أغلب الناس متجهين إلى بيوتهم، أغلبهم سينام ليستقبل بعد ذلك يوماً جديداً، وأنا ربما أمشي لأقابل إشراقة الشمس، لكن بقي عدة ساعات على ذلك، هل سأواصل المشي حتى تشرق الشمس، وهل سيكون لدي قدرة استقبال يوم جديد.
هذا المساء فقط فكرت أن أمارس المشي في ساعة متأخرة من الليل، وقتها كانت تراودني فكرة، وكنت أحتاج لكثير من الهدوء والوحدة، أغلقت هاتفي المحمول، لم أفكر بسماع أي شيء عبر سماعتي الهاتف، ولا أحب مطلقاً تصفح الرسائل النصية ومتابعة ما يرسل عبر وسائل التواصل الحديثة، وأنا أمشي، حرصاً على معرفة طريقي أثناء السير، لذا ها أنا أستمتع بالمشي، والهدوء، والصمت. ثمة شعور ينتابني، أنا الوحيد المستيقظ في هذا الحي بالقرب من بيتي، أذكر أن أحد الزملاء قال إنه كائن ليلي، ينام في النهار ويستيقظ في الليل، فعلاً أنا لا أقابله إلا في المساء، وليس دائماً، أنا لست بكائن ليلي ولا نهاري، أنا إنسان أعيش وفق ما تمليه علي ظروفي وأعمالي، ولكن فعلاً إحساس أنك الوحيد المستيقظ في هذا المكان، يعطيك انطباعاً خاصاً، هو ما أشعر به الآن، بالطبع توجد العيون الساهرة من رجال الأمن، ولكن لا يفعلون مثلي بالمشي على رصيف طويل، أتذكر عندما كنت طفلاً كان هنالك رجال يحرسون الأحياء في الليل، من ضمنها حينا، ذلك الرجل يقال له (العسة)، مع التغيرات الحضارية اختفى، هل هذه من الأفكار التي أرغب أن أكتب عنها، أذكر أن للأستاذ سعد الحميدين قصيدة عن العسة في ديوانه الأول (رسوم على الحائط)، لا أعتقد أنني سأكتب عن الشخصيات الغريبة حالياً، ولكن أنا أعرف نفسي عندما أكون بعيداً عن الورقة والقلم سابقاً، وجهاز الحاسب حالياً؛ تكون لدي الرغبة بالكتابة، وعندما أتهيأ للكتابة، أصاب بالاحتباس، فتختفي كل الكلمات من رأسي، فأهرب إلى مطالعة صحيفة أو قراءة كتاب، أو ما يحدث الآن بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعية الحديثة أو تصفح المواقع.
لا بأس، سأتوقف عن التفكير بالكتابة، لأنني انتهيت من مشوار المشي، وأنا عائد إلى بيتي، هل أقرر أن أنام لأستيقظ مبكراً بذهن صافٍ وأشرع بالكتابة، أم أواصل السهر وأعاقر الكتابة المسائية لأنام وأنا مستمتع بكتابة نص مختلف.

ذو صلة