نظرت إليه من بعيد فبدا شاسعاً جداً، يكفي لاستقبال جميع ضيوفها دفعة واحدة، مر كل أفراد عائلتها حين قدموا بعد العرس يحملون صواني الكعك والتهاني أو إلى حفلات ميلاد أطفالها، وأخرجهم وهم حزانى حين أتوا لزيارتها وهي مريضة أو لفض نزاعاتها المنزلية، كان كبيراً ومرحاً حين تذهب مع أطفالها للمتنزه أو لزيارة إحدى صديقاتها، وضيقاً جداً حين تحمل حقيبتها غاضبة متجهة إلى منزل أهلها أو إلى حيث تتعب قدماها من المشي والحزن.
تمسك إسفنجة رطبة بيدها اليمنى وتسند الأخرى على الباب الخشبي الكبير في محاولة جادة لمسح كل الأشياء العالقة على سطحه، لكن لا جدوى هو كما هو ببقع زيتية متراكمة وخطوط وكتابات عشوائية خطها الأطفال في غفلة والزمن.
كلما تفحصته أكثر بدا سطحه الأملس ممتلئاً بالتجاعيد والأخاديد الصغيرة، خيل لها أن كائنات مجهرية مقززة ربما تسكن هذه الشقوق الصغيرة، وربما هناك حياة أخرى تنمو وتتطفل على حياتها. تشعر بغضب شديد كأن كل الأشياء ضدها حتى هذه الأشياء الصغيرة تكدر يومها. صبت الكثير من الصابون ودعكت بقسوة كبيرة لكن لا شيء يتغير، ربما بدا باهتاً أكثر.
فكرت أن تأتي بسكين لتقشر كل هذا الخراب الذي حدث في الباب أو تشعل فيه النيران لكنها تعرف أن كل أفكارها المجنونة ستفسد الأشياء أكثر.
جلست على الكرسي المقابل للباب وأخذت نفساً عميقاً إلى أن هدأت قليلاً وبدأت تفكر في إعادة طلائه، لكن الطلاء لن يزيل أي شيء سيغطيه فقط ثم ما يلبث أن يعاود الظهور مرة أخرى مزحزحاً كل الدهانات والألوان الجديدة.
كان هناك هاجس دائم أنه مجرد وقت وستتمدد كل الأشياء العالقة على الباب لتغطي كل أرجاء المنزل.
تضحك بشدة عندما تتذكر أول مرة حاولت الدخول فيها إلى المنزل ليلة عرسها لم يفتح الباب واحتاج الأمر إلى كثير من الوقت لإصلاح القفل وقضت معظم الليل على سلم العمارة المظلم.
هل كانت إشارة إلى شيء ما؟
وكيف لامرأة بلهاء تغمرها السعادة أن تقرأ المستقبل؟
كل المرات التي فكرت فيها في الهروب كان الباب يضيق جداً كأنه سم خياط فتتراجع.
تُحبس في المنزل بالأيام ولا يُسمح لها بالخروج، فتحاول الهرب مرة أخرى لكن فتحة الباب تصغر جداً.
يوضع أمامها القليل من والحب ولا تستطيع أن تفتح الباب الذي أصبح بمرور الأيام ثقيلاً جداً لا يتحرك.
تقضي الليالي وحيدة وحزينة ولا أحد يشعر بها كأنها دمية صغيرة عالقة في غرفة لا باب لها.
حين أجمعت كل شجاعتها هذه المرة وحاولت أن تنكمش لتخرج من فتحة الباب الضيقة جداً خرج نصفها فقط ليتنفس الهواء بينما علق نصفها الآخر في الداخل تسحبه أيادي أطفالها الصغار.