لا يزال النقاش مستمراً ومحتدماً حول ما إذا كان الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي سيظلان في صراع أم تكامل. يعود ذلك إلى طبيعة كل منهما والأهداف المختلفة التي يسعى إليها كلاهما، حيث ينظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه مجرد آلات وأنظمة تقنية ذكية تساعد على القيام بالوظائف التي نربطها عادةً بالعقل البشري، ويتوقع البعض أن يتسبب تطور الذكاء الاصطناعي في استبدال العقل الإنساني، في حين يرى فريق آخر أنه يمكن أن يحدث تكامل بين الذكاء البشري والاصطناعي بشكل مثمر وفعال؛ من خلال قدرة التكنولوجيات الاصطناعية على تحسين القدرات البشرية والمساعدة في التعامل مع تحديات حياتية أكبر، حيث يؤدي الذكاء الاصطناعي أدواراً مهمة في مجال التعليم وفي الطريقة التي نتعلم بها وندرس من خلالها، وزيادة القدرة على تلبية أساليب وأنماط التعلم الشخصية، وذلك من خلال تكييف تقنية الذكاء الاصطناعي بسهولة مع أنماط التعلم المختلفة، والمساعدة في تحليل أداء الطالب سابقاً ووضع خطط دروس مخصصة وتعديلات بناءً على أدائه السابق، علاوة على مساعدة المتعلمين من جميع الأساليب المختلفة على فهم المساق والمادة الدراسية بشكل أكثر دقة، وتحسين التنبؤات والتحليلات في مجموعة متنوعة من المجالات والصناعات المختلفة.
هذه النقاشات العميقة نحتاجها أكثر في القطاعات الاجتماعية والقانونية والأخلاقية، حيث تتطلب هذه المسائل مناقشة واعية ومستمرة، وتشمل تشريعات تنظيمية وأخلاقية للتأكد من تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي بطرق مسؤولة ومفيدة للإنسانية، للتأكد من أن التكنولوجيا تعمل لصالح المجتمع بشكل عام ولا تضر بالإنسانية، لذا من الضروري العمل على تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل مستدام وآمن، وذلك بمراعاة الجوانب الأخلاقية والقيمية في المجتمع، لأننا يجب أن نضع القضايا الأخلاقية في الاعتبار عند تطوير واستخدام التقانات الاصطناعية، ما يعني ضرورة احترام حق الإنسان أن يعيش في مأمن من التعدي على خصوصيته والتطفل على أسراره، مع توفير تشريعات قانونية كافية تحد من أن تتسبب التكنولوجيا بالتمييز أو الظلم ضد الآخرين، من خلال ضمان أن تكون الروبوتات الاصطناعية ذات قابلية للبرمجة بأخلاقيات وقيم مجتمعية تحكم سلوكها وتضبط استخدامها، وتوفر الحماية للمستخدمين من سوء الاستخدام وعدم الإساءة والتعدي على خصوصية الآخرين، والتعامل مع الاستخدامات السالبة المحتملة كأولوية قصوى، حماية لمجتمعاتنا من الانحدار إلى السلوكيات الضارة التي تتهم التقانات الحديثة بإحداثها. كل ذلك يعني حاجة الذكاء الاصطناعي إلى تنظيم ومسؤولية يقوم عليها الإنسان. وهنا تأتي أدوار الحكومات والمؤسسات البحثية والقانونية، من أجل التعاون لتحديد الإطار التشريعي الذي ينظم عملها ويحدد المسؤوليات والقيود.
وحتى تستطيع الجهات المسؤولة تحقيق ذلك، يجب أن تركز المؤسسات التعليمية والإعلامية على تطوير مهارات الطلاب وأفراد المجتمع في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، والعمل جنباً إلى جنب بين تطوير قدرات الإنسان في التعامل معها وزيادة الوعي الجمعي بالاستخدام، ما يعني ضمان توفير تعليم وتأهيل مناسب يمكن الأفراد من التكيف وحسن التعامل مع التغيرات التكنولوجية الجديدة، حيث يتيح الذكاء الاصطناعي تقنية deepfake وهو نوع من الذكاء الاصطناعي يقوم بإدراج وجه أو صوت شخص ما في ملف فيديو أو صوت، مما يؤدي إلى معلومات مضللة وغير صحيحة عن الأشخاص في الفضاء الإلكتروني. ونظراً لأن البرنامج متوفر ورخيص وبعضها مجاني الاستخدام، يمكن لأي شخص استخدامه مما قد يتسبب بأضرار كبيرة على الأشخاص والجماعات والدول، لذا يجب أن نصمم ونتحقق أن الأدوات والتطبيقات التقنية التي يوفرها الذكاء الاصطناعي قابلة للفهم والتفسير وحسن الاستخدام من قبل أفراد المجتمع.
أما في مجال التنمية وتحقيق الاستدامة ينبغي أن نأخذ في الاعتبار التأثيرات البيئية للذكاء الاصطناعي من خلال تطوير ابتكارات مستدامة تساهم في تحسين جودة الحياة والحفاظ على البيئة، حيث يساعد الذكاء الاصطناعي في إحدث تطوير وتطبيق تغيير كبير في العديد من جوانب حياتنا المتعلقة بالبيئة، بفضل قدرته على تحليل كميات هائلة من البيانات والمعلومات البيئية، واتخاذ القرارات في الوقت المناسب، كما يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في عمليات تحسين كفاءة الطاقة وتقليل الفاقد بما يعزز مفاهيم التنمية المستدامة، لذا فإنه يجب العمل على تحقيق المساواة في الوصول إلى التطبيقات الذكية وجعل فرص الوصول إلى التطبيقات الذكية متاحة للجميع، بغض النظر عن اختلافات الجنس أو الدخل أو المكانة الاجتماعية.
نخلص إلى أن تطورات التكنولوجيا الاصطناعية أدت إلى تغييرات جذرية في طبيعة الحياة البشرية والمجتمعات، لأن ظهور الذكاء الاصطناعي أدى إلى خلق العديد من التحديات الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، ما يعني بضرورة فتح نقاش حقيقي من قبل العلماء والمجتمع المدني ومراكز صنع القرار للنقاش حول قضايا الذكاء الاصطناعي وسوق العمل، وقضايا السب والقذف والتعدي على الخصوصية، وهو ما يتطلب تعزيز التوعية العامة بشأن الذكاء الاصطناعي وفهم التأثيرات المحتملة على مختلف جوانب الحياة، لأننا إذا كنا نفتقر إلى الخصوصية وانتهاك أنظمة الذكاء الاصطناعي كل تفاصيل حياتنا الخاصة؛ فهي خسارة كاملة للقيم والعادات والتقاليد التي تتميز بها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، لذا فإن العمل الجماعي والتعاون المشترك بين المختصين والجهات الرسمية، يضمن لنا تحقيق التعاون بين أجهزة الكمبيوتر والإنسان، خصوصاً بعد أن دفعتنا (جائحة كورونا) أكثر فأكثر إلى التعامل مع التقنيات والتطبيقات الحديثة وبشكل أكبر، يمكن حينها لأنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة أن تمنحنا الفرصة لتصحيح الكثير من القضايا الحياتية، لكننا بحاجة إلى الانتباه لكيفية إحداث تكامل نوعي بين الذكاء البشري الاصطناعي لتحقيق مستقبل أكثر إشراقاً واحتراماً للجميع.