عزيزي ديسمبر
وأنت تحاول مقاومة الأيام الأخيرة لك..
أحاول أنا ترميم الخدوش التي تركها لي رفاقُك من الأشهر ولم أكن أملك الكثير من الخيوط لأستطيع ترميم كل هذا الجروح التي تنزف معاً..
كنت أحبك كثيراً يا ديسمبر في كل ليلة منك كنت أرتدي معطف حنين دافئ وأخرج للسير تحت صقيعك.. كنت أحاول إخضاع قلبي لبردك لكي لا يعتاد على هذا الدفءِ المزيّف..
في أوطاننا الذابلة لا تستطيع أزهار قلوبنا أن تقاوم التربة المتعبة طويلاً تسقط وتواري جثث أوراقها أو بالأحرى أحلامها واحدة تلو الأخرى.. أليست الأوراق مشاريع أحلام؟!
اعذرني ديسمبر..
لم أستطع أن أقنع الطفل الذي في داخلي بأنني أحبك..
الحذاء الممزق الذي ارتداه لسنوات حتى انهار في يوم بارد من ديسمبر.. الدمية التي كانت ترتدي ثياباً، وهو يلعب بها عارياً كيف أقنعهُ بأنهُ لم يكن أكثر حقاً بالثياب من الدمية..
أنتَ كنت من البداية خائناً يا ديسمبر..
حتى ثلوجك كانت ناقصة، كانت تتساقط متقطّعةً دون أن تتراكم، كنت تبلل الورود ولكنك أبداً لم تسمح لها يوماً بأن ترتدي فستانها الأبيض كاملاً..
سامحني ديسمبر على قسوتي عليك.. ولكن صقيع أحلامك الذي كسر كل نوافذي تركني كأحجار الجبال العالية، تلك التي اعتادت على عناق الرياح ولم يعد يستطيع هزيمتها أي صقيع مهما كان قاسياً.. تلك الأحجار تمطر من الداخل.. لأنها دائماً ما تلوح للغيوم بذراعها حين تمر من فوقها..
إذاً ديسمبر.. كن عابراً واهرب من تحت الأسلاك الشائكة من العام دون أن تخدشك ويسمعك جرحي وينزف.. إذاً.. وداعاً ديسمبر.. وأهلاً بك أيها العام الواقف في المطار منتظراً حافلة الوقت لتصل إلينا.. كن مختلفاً ولو بالقليل من الفرح فإنّي تعبت من كل هذا الشتاء الذي لم يعد قادراً على انتشال وردة واحدة من الجذور المتعبة في صدري..