مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

ما بين سردية الرواية وتقنية السينما.. الرواية السينمائية

الرواية جنس أدبي معقد يعتمد على حكي حدث أو أحداث كثيرة عن طريق شخصيات وسط زمان ومكان. والرواية نشأت بمعناها الفني في عالمنا العربي في مطلع القرن العشرين.
أما السينما فهي صناعة التصوير المتحرك وعرضه على الجمهور من خلال شاشات عرض كبيرة وهي صناعة حديثة نسبياً عن الرواية، إلا أنه لا يمكننا القول بأنها نشأت من رحم الرواية. فالرواية نسيج سردي تعتني بالألفاظ والمعاني والوصف الجيد لتقدم لنا قصة محكية بطريقة جيدة، أما السينما فهي لقطات مصورة بعناية يفهم من خلالها المتلقي الحكاية بدون وصف، لأن الصورة لا تحتاج إلى وصف مثل الرواية. لكن ما يجمعهما هو عنصرا الإثارة والتشويق.
هل تأثرت الرواية بالسينما أم العكس؟
بالطبع هناك علاقة تربط الرواية كجنس أدبي بصناعة السينما كمنتج فني. فالرواية نص مكتوب مرن يقبل إعادة تدويره، ليصاغ من جديد بتقنية جديدة فيصبح (سيناريو) وهو عمل مكتوب أيضاً بطريقة مختلفة عن الرواية تؤهله ليصبح عملاً فنياً مرئياً، لكن هذا ليس معناه أن أصل السيناريو كان رواية فالسيناريو عمل تقني منفرد يمكن تعلمه بدون موهبة لكن الرواية فن أدبي لابد أن يمتلك صاحبه موهبة كتابته قبل معرفة بنائها.
هناك العديد من أسماء الروائيين الكبار الذين تحولت نصوصهم الروائية إلى أفلام ومسلسلات مثل (نجيب محفوظ) و(إحسان عبدالقدوس) و(يوسف السباعي) و(يحيى حقي) وغيرهم بل كتب بعضهم سيناريوهات أفلام بنفسه مثل (نجيب محفوظ).
وقد تكون تقنية السينما من خلال الصورة مادة خصبة لفكرة روائية يكتبها روائي تأثر بمشاهد مرئية سينمائية معينة جعلته يحولها لسرد روائي في ثنايا نصه، وسبب تعلق الروائي بها لأن السينما لغة إيحاء وإيجاز تخاطب الحواس السمعية والبصرية أولاً لتنتقل بعد ذلك لمخاطبة روح المشاهد فيتأثر ثم يتفاعل بفكرة الفيلم أو حتى بمشهد منه ويبدأ في كتابة نصه الروائي.
من أوجه التشابه بين الرواية والسينما القطع والمونتاج، فكما أن المشاهد السينمائية يعمل المخرج على تجريبها بالقص والحذف فيها، فإن الروائي أضحى يفعل مثل المخرج في سرده للمقاطع المكتوبة في نصه ويستبدل النسيج الحكائي التقليدي بطريقة جديدة مبتكرة بالقص والتركيب ويقسم المقاطع السردية لتكون أشبه بالمشاهد السينمائية، كما وجدناه يستخدم تقنية التزامن بعمل خطين سرديين في وقت فني واحد داخل السرد، وتشابك عنصري الزمان والمكان بتداخل الأزمنة بطريقة تجاوز فيها السرد التقليدي.
كما استفادت الرواية من تقنية السينما في الدعاية لها عندما يكون العمل السينمائي مقتبساً منها، وكلنا يعلم الميزانية الضخمة المتوفرة لتصوير أي عمل سينمائي والدعاية له في الصحف وعبر الشاشات، وكثيراً ما نرى اسم الروائي مكتوباً على (إفيشات) الأفلام بجوار السيناريست وفي مقاطع الإعلانات المرئية للفيلم والذي يسمى بالبرومو.
- هل اعتماد الروائيين على تقنيات السينما في كتابة الرواية انتقص من الرواية ذاتها أم أضاف إليها؟
أجابت على هذا السؤال الكاتبة والسيناريست العراقية (بثينة الناصري) بقولها: (إن فن الكتابة بدأ في المهد بالاعتماد على الصورة حيث بدأت الكتابة في شكل صور رسمت على الجدران، ومن ثم تحولت إلى رموز ودونت في البرديات، وها هي تعود مرة أخرى إلى أن تصبح صوراً مرئية متحركة، عبر فن السينما. وتضرب مثالاً على التزاوج بين فن الرواية والسينما برواية (أفراح القبة) لنجيب محفوظ، حيث ظهر تأثر محفوظ بالأسلوب السينمائي، وهو الذي كان قد بدأ في كتابة السيناريو للعديد من الأعمال السينمائية. فقد استعان محفوظ في هذه الرواية بكل تقنيات السينما، ففي المشهد الأول من الرواية، يحدد محفوظ الزمن الذي تدور فيه الرواية شهر سبتمبر، من ثم يصف الحجرة، التي يجلس بها مخرج مسرحي مع عدد من الممثلين، ثم يصف وجوه الحاضرين وجلساتهم، الغرفة والأصوات المسموعة، والحوار بين الجميع، كما يستعين بتكنيك القطع من مشهد إلى آخر.
الرواية السينمائية
أرى أن الرواية السينمائية هي الطفل الذي نشأ عن علاقة حميمية بين الرواية والسينما وهي طريقة كتابة مختلفة عن الرواية التقليدية فهي معنية بالوصف الجمالي الدقيق أكثر من الأخيرة، فالكاتب يسرد ويصف وكأنه يطوف بكاميرا داخل الورق. بمعنى أنه يترك لخيال القارئ العنان في مشاهدة المُتَخيل السردي، كما أن أحداث الرواية السينمائية متلاحقة ومكثفة لتكون قريبة من تقنية مشهد السيناريو ومدته في الغالب دقيقة.
تأثر كثير من الروائيين الذين يكتبون الرواية السينمائية بالمناخ السينمائي فكثيراً ما نشاهد روائيين يسافرون إلى أماكن معينة لتصوير الأماكن التي اختارها كبيئة ستجري أحداث الرواية فيها، لذلك نجدهم يقدمون أعمالاً تتميز بوصف سردي دقيق لا تنساه ذاكرة القارئ.
الفرق بين السيناريست وكاتب الرواية السينمائية
السيناريست يفكر ويرى بعين الكاميرا فقط حين يكتب ويراعي مساحة مكانية معينة للمشهد، ويحدده بزمن قصير لا يتعدى الدقيقة في العادة، أما كاتب الرواية السينمائية فيستطيع بلغة السرد أن يرى مشاهد غير محدودة، يستطيع التعبير عن حواس السمع والبصر والشم واللمس، يستطيع أن يُصدَّر لنا مشاعر الفرح والحزن والغضب ويصف لنا، يستطيع فعل كل هذا في مقطع سردي واحد عكس المشهد السينمائي الذي لن يمهله وقت كاف لفعل كل ذلك.
الرواية تتحول إلى فيلم سينمائي وقد يحدث العكس
من المتعارف عليه أن الرواية قد تتحول إلى دراما سينمائية بعد أن يعيد السيناريست تدويرها بتقنية السيناريو لتكون جاهزة في يد مخرج الفيلم قبل بدء تصويره، وقد يحدث العكس بأن يتحول سيناريو الفيلم الذي تم تصويره بالفعل إلى رواية.
وفي فرضية حدوث ذلك يقول الكاتب والروائي المصري (مجدي يونس): إن السينما أو الدراما عموماً تضيف إلى الرواية وتساعد على انتشارها وشهرتها، فهناك من روايات (نجيب محفوظ) كتبت في الأربعينات مثل (خان الخليلي) و(القاهرة الجديدة)، ولكن شهرتها الحقيقية حصلت عندما تحولت إلى سينما في الستينات، بل وصارت من أيقونات السينما المشهورة.
فالعلاقة بين السينما والرواية علاقة قوية، وأنا أرى أن أي رواية لا يصعب تحويلها إلى دراما، فمن منا كان يظن أن رواية (حديث الصباح والمساء) لنجيب محفوظ قد تحول ذات يوم إلى دراما، وقد حُولت بجدارة.
الأصل أن تحول الرواية إلى سينما أو دراما، وهذا هو الغالب الأعم لكن في بعض الحالات وإن كانت نادرة يحدث العكس أن يحول السيناريو أو الفيلم إلى رواية، وقد حدث ذلك في فيلم (شباب امرأة) تأليف (أمين يوسف غراب)، حيث نجح الفيلم نجاحاً مبهراً، ونظراً لهذا النجاح تم تحويله إلى رواية عن طريق نفس المؤلف.

ذو صلة