مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

أدب ممتع بلا مراجعات نقدية

تعيش بلادنا مرحلة إبداع أدبي جديدة في مختلف الأجناس الأدبية، مرحلة أدبية فيها حركة نشر ممتعة ومزدهرة ومفرحة، وهي نتيجة تراكمات قراءة أدبية عميقة لجيل جديد من الكتاب والكاتبات، وقد بدأت هذه النهضة الأدبية ملامح نموها المتصاعد من العام 2000 تقريباً في بلادنا وفي العالم العربي. ولازالت تواصل تجليها بأسماء جديدة في القصة والقصيدة والرواية والنقد والترجمة، يواكبها دور نشر سعودية حيوية وحديثة في رؤيتها وطموحاتها.
وإذا كان هناك إبداع أدبي ممتع ومزدهر في القصة والقصيدة والرواية لأي أمة. فإن هذه الحركة الأدبية لا تكتمل بمثل هذا الإبداع فقط، هي بحاجة إلى يقظة قرائية خاصة من الكتاب والكاتبات بالذات وليس من النقاد فقط، بحاجة إلى مراجعات نقدية مكثفة وموجزة وحوارات تثري هذا المشهد الثقافي وتغني الحالة الأدبية بمثل هذا الاهتمام الأدبي الرفيع والجاد والرؤية النقدية المبدعة والمتقدمة، لكننا في الغالب، كتاب وكاتبات، مقصرون في متابعة هذه الحركة الأدبية الواضحة والقوية، مقصرون في القراءة والكتابة عنها. إذ نلاحظ الآن في الصحف والمجلات وفي وسائل التواصل الاجتماعي وفي أمسيات دور النشر والشريك الأدبي، مراجعات نقدية شحيحة، لا تناسب قيمة ومعنى حركة النشر الأدبية لدينا، وهذه الملاحظة قد تكشف عن تكاسل وضعف في عملية القراءة للإصدارات والكتب الأدبية الإبداعية الجديدة وغياب كبير للمراجعات النقدية الجادة لهذه الكتب، وشيوع ظاهرة التنظير الثقافي الإنشائي العام في مقالات عامة وعابرة وسريعة، مع معرفتنا جميعاً أن مثل هذا التنظير الثقافي العام هو عملية سهلة بينما القراءة الجادة وكتابة مراجعات نقدية موجزة عن مثل هذه الكتب الإبداعية الأدبية الممتعة والجديدة تحتاج إلى قراءة جادة.
المراجعة النقدية لا تحتاج إلى عبقرية ولا تحتاج إلى شهادات أكاديمية نقدية حتى نكتبها. هي تحتاج إلى يقظة قرائية تجيب عن السؤال لماذا أعجبني هذا الكتاب على مستوى اللغة والأسلوب والموضوع، ربما لهذا نحن بحاجة إلى فتح أبواب القراءة لهذه الكتب الأدبية المبدعة وتشجيعها في دور النشر الجديدة من خلال الشريك الأدبي، وفي مجلاتنا الثقافية وصفحاتها الأدبية، بحاجة إلى أن نطلب، من الكتاب والكاتبات وليس من النقاد فقط، مراجعات نقدية موجزة ومكثفة لمثل هذه الكتب الأدبية، لهدف تنوير هذه الحركة الأدبية بإضاءات نقدية متنوعة في زوايا النظر لهذه الكتب، خصوصاً مع معرفتنا أن الأدب هو فن قراءة بالدرجة الأولى، هو إبداع ومتعة قراءة أولاً، والقاص والشاعر والروائي جزء من الحركة الأدبية، يفترض أن يقرأ ويتفاعل مع كتبها الجديدة ويكتب بمتعة نقدية عن اللغة الرفيعة وعن القيمة والمعنى في الكتب الأدبية التي أعجبته، هو في النهاية كاتب، والقصيدة والقصة والرواية هي فن كتابة، بعيداً عن التفرقة التقليدية المحافظة بين الأجناس الأدبية شاعر وقاص وروائي وناقد، وبعيداً عن التفرقة التقليدية القديمة بين الكاتب والناقد. ومثل هذه المحاولات والمراجعات النقدية الموجزة حول هذه الكتب الأدبية الجديدة، تشجع جيلاً جديداً من كتابنا وكاتباتنا، بدأ يفرض حضوره وأدبه المتقدم الآن بإمكانات واضحة في فن الكتابة الأدبية على مستوى اللغة والأسلوب والموضوعات.
ومثل هذه المراجعات والقراءات النقدية الموجزة، هي أيضاً ستكون أدباً جديداً يواكب مرحلة أدبية مهمة، وهذا هو التفاعل الإيجابي بهدف استمرار حيوية هذه الحركة الأدبية الجديدة وإزدهارها، مع التركيز على الكتب الإبداعية التي نراها قوية ومتميزة، لأنه لا فائدة من الكتابة النقدية عن كتب أو نصوص نراها متوسطة أو ضعيفة المستوى على سبيل المثال، وذهاب هذا الضوء الأدبي والنقدي والإعلامي إلى أعمال أدبية متميزة تستحق الاهتمام، يدعم نشر الأدب الرفيع وتعميم الجمال ويحرك المياه الأدبية الراكدة بروح وأفكار جديدة قد نختلف ونتحاور حولها، وهذا أفضل من التنظيرات الإنشائية العامة والعابرة في مقالات عامة متكررة.
ويمكن التأكيد أيضاً أن القصة والقصيدة والرواية العربية والسعودية الجديدة أيضاً، تعيش الآن أجمل مراحلها، بعد ظهور جيل جديد يكتب في الغالب هذه النصوص الأدبية بلغة سلسة وممتعة بلا تكلف أو مبالغات أو نبرات صوت صارخة وعالية تعودنا عليها، فن كتابة أدبية جديد بروح جديدة فيها رصد لليومي برؤية عفوية وبسيطة وعميقة وعلى مستوى أدبي وموضوعي وفني رفيع، وهذه النقلة الأدبية الثقافية والفنية والنوعية بحاجة إلى قراءات ومراجعات نقدية تليق بجمالها.

ذو صلة