لا شك أن الاهتمام المتعاظم الذي تبديه السعودية تجاه الفن السينمائي لجعل هذا الوسيط البصري أحد روافد الثقافة، في بلد شهد تاريخاً زاخراً بالفنون كالشعر وتمثلاته كأحد أقدم الفنون العربية، وكذلك فنون العمارة والنحت والرقص والموسيقى وغيرها. لا شك أنه جاء استكمالاً لما كان ينقصها، فالفن السينمائي يستوعب كل الفنون ويجعلها عناصر في تفاعلات البصري والسمعي.
في أواخر تسعينات القرن الماضي وعندما كنت أعمل مخرجاً في راديو وتلفزيون العرب أتيحت لي فرصة إخراج فيلم تسجيلي عن (مدائن صالح) وهي منطقة أثرية في المملكة العربية السعودية، ولكم ذهلت بهذا التاريخ العريق وبالأيدي التي صاغت من الحجر هذه الأعاجيب البصرية.
تملك المملكة تراثاً زاخراً في هذه الفنون ويمكن للسينما أن تبث فيه الحياة بلغة الصورة والصوت. فالمملكة كانت تعد من البلاد القليلة في العالم، التي لم تحظ بفرصة تطوير فن السينما، ولكن هذا الاهتمام الذي انطلق في المملكة يجد التقدير من العديد من محبي السينما الموعودين بمشاهدة ثقافة جديدة، ومجتمعات أخرى تعبر عنها وعن همومها وتراثها فنون السينما بمختلف أشكالها (الروائية، التسجيلية، والتحريك).
سوف تجد السينما أرضاً خصبة في هذه البلاد، وسوف تجد كماً هائلاً من الموضوعات والأفكار التي تعمل عليها، ولا شك أن الدعم المعنوي والمادي سوف يساعد السينمائيين السعوديين على بذل جهودهم في استخدام هذا الفن الجميل لطرح رؤاهم وأفكارهم، فالفن يحتاج لآليات ومعدات وتقنيات وأموال، متى توافرت سوف تساعد بالتأكيد في إنشاء هذه الصناعة السينمائية المبدعة.
من جهة أخرى، تزخر المملكة بمناطق جغرافية شاسعة وبيئات مختلفة ومتنوعة الثقافات، والتي تجعل مجتمعاتها مليئة بالحكايات والقصص التي يمكن أن تصبح مجالاً واسعاً لأفكار وموضوعات الأفلام.
هذه الدولة مترامية الأطراف تصبح مكاناً ذا قيمه عالية في التصوير السينمائي بتنوعها وتعدد المناظر والمناطق واختلاف البيئات والأجواء وسحنات وملامح البشر.
كما توفر المناطق السياحية الخلابة مادة وفيرة لمواقع التصوير، وتمثل الأماكن المقدسة عنصراً روحياً، ووجهة لملايين البشر من كل أنحاء العالم الذين يفدون إليها طيلة العام لأداء مناسك الحج والعمرة، وهو تجمع يلهم ويتيح الكثير من الأفكار المتنوعة ويوفر مجالاً واسعاً للتصوير.
ويتميز الإنسان السعودي بأخلاقياته العالية وشخصيته المميزة في تعاملاته مع الآخرين، وهذا مجال مهم لإبراز هذه الشخصية على الشاشة السينمائية.
كما يتميز بأنه يمتد في تاريخ ضارب في القدم حتى العصر الحديث، وقد أسهم في هذا التاريخ بحضارته ومنجزاته العديدة وبديانته التي قدمها للعالم أجمع.
من جهتي أقترح أن يكون هناك اهتمام بقيام وتأسيس مدرسة أو مدارس للسينما، فهي خطوة مهمة لتخريج الشباب المهتم بالسينما، وفي أن يتلقى علومها وفنونها في بلده، ومن خلال عمله في أفلام مشاريع التخرج يستطيع أن يتلمس خطاه في عالم السينما التي يرغبها لبلده وناسه، كما أنه من خلال البحوث والأطروحات يمكن أن يتلمس هموم ومشاغل صناعة السينما في المملكة العربية السعودية.
إن الدراسة في مدرسة للسينما ستتيح إبراز المواهب في مختلف فروع الفيلم مثل السيناريو والإخراج والتصوير والمونتاج والديكور والمناظر والإنتاج، فهي التي تخرج الكوادر الدارسة والموهوبة في هذه المجالات، وهو ما يتيح قيام نهضة سينمائية في البلد المعني.
إن التاريخ القديم والحديث يمثل مجالاً واسعاً لأفكار وموضوعات الأفلام ويمكن أن توفر المادة المكتوبة عن هذا التاريخ معلومات مهمة وثرية يستخدمها السينمائيون، وتقترح السينما أشكالاً شتى لتناول التاريخ سواء بالشكل الروائي أو التسجيلي. فجمهور السينما متعطش للتعرف على المجتمعات والثقافات المتنوعة التي تتمثل في الأفلام السينمائية التي تنتجها المجتمعات والثقافات الغنية بالتاريخ والتراث الثقافي والمجتمعي.
تقترح السينما رؤية للعالم الذي تشتغل عليه وتضعه على شاشتها وهو ليس العالم الواقعي نفسه لكنه واقع متخيل مثلما تعمل الفنون الأخرى. هذا العالم السينمائي له جذوره الممتدة في الواقع لأن الصورة السينمائية تعمل أيضاً في الواقع المتمثل في المكان والزمان والإنسان.
من هنا فإن سينما السعودية سوف تقدم، دون شك، للمشاهد المحلي والعالمي رؤية ربما لم تتمثل حتى الآن على الشاشة عدا المحاولات القليلة التي أنجزت.
إذن على هذه السينما أن تكون مخلصة لواقعها الذي تعمل فيه وأن تقدم بلدها لمشاهدها المحلي والعالمي الذي يكاد لا يعرف الكثير إذا لم تساعده السينما وغيرها من الآداب والفنون على الرؤية والتعرف.
إن اهتمام المملكة بإنشاء دور عرض للسينما في جميع أنحائها لهو أمر مهم للغاية، ذلك أن مشاهدة الأفلام السينمائية على الشاشة الكبيرة في دار السينما تختلف كثيراً عن مشاهدة الأفلام على شاشة التلفزيون.
تقدم دار العرض السينمائي مشاهدة جماعية لمشاهدة الفيلم وما يحمله ذلك من توحد جماعي مثلما يحدث في المسرح مع الفارق بالطبع في أن الممثل على الشاشة السينمائية هو صورة وليس ممثلاً بشحمه ولحمه كما في المسرح، وهذا يمكن أن يساعد على ما يسمى بالتغريب ويمنح المشاهد الظروف التي تمكنه من الحوار بين أفكاره وبين ما يشاهده على الشاشة حيث المناظر تبتعد في لقطات عامة ثم تقترب في لقطات قريبة، وكذا لقطات مكبرة، وهذا أيضاً من الفوارق بين المسرح والسينما في أحد جوانبه.
إن دور العرض السينمائي في المملكة ستتيح للمشاهد التعرف على قصص وحكايات المجتمعات الأخرى والثقافات الأخرى مما يحقق مقولة أن العالم صار قرية صغيرة، حيث يعرف الناس فيها بعضهم بعضاً وهذا مهم ليتشارك الناس مشاغلهم ومشاعرهم، وهمومهم المشتركة.