المثل قول محكي مأثور قيل في حادثة معينة أو تجربة شخصية مر بها فرد أو جماعة ما، ويتم إيرادها كدليل أو برهان أو دعم وإسناد لما يقوله الشخص في حادثة مشابهة، أو وصف لحالة معينة أو تعبير عن موقف، وهناك التشبيه الشعبي باستخدام مفردة (زي) مثلاً لتشبيه الفتاة الجميلة بالقمر يقال: (زي قمر 14) وعلامة الجمال العيون والأسنان.
المثل والتشبيه موجود منذ القدم، حيث كان يقال بالفصيحة ولكن مع دخول شعوب وأمم في الإسلام دخلت لهجات محكية ومفردات دخيلة إلى اللغة، وصار يقال المثل باللهجة المحكية تبعاً للظروف والأحداث والمواقف، لأنه ابتداع وإبداع إنساني حيث ظهرت أمثال جديدة منها: الحماة بتفت والكنة على النت. (بتفت: تعمل الثريد-تقطع الخبز إلى قطع صغيرة وتغمسها بالمرق أما النت الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الإلكترونية)، الهجمة على الفيس زي غربان بيس، الفيسبوك ابتكار لا يخلو من المضار. و(ابن بطني بيعرف رطني، كل إفرنجي برنجي).
وقبل انتشار الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي كان حضور المثل قوياً في المجالس والدواوين واللقاءات التفاعلية الوجاهية، أو المواقف أو الجلسات أو الحوارات والنقاشات، ولكن مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، صار الشخص يدلي بمقولات لفلاسفة أو حكماء أو أدباء أو كتاب أو شخصيات بارزة من باب الدعم والإسناد لموقفه، أو وصف الحالة التي يمر بها حيث سهلت وسائل التواصل الاجتماعي الوصول إلى العبارات والمقولات من باب إظهار أنه مثقف وقارئ ومطلع، علماً أن العبارة مقتبسه من الإنترنت نسخ وقص ولصق.
وعن الجهود التي قُدمت بخصوص الأمثال، كانت هناك محاولات لبعض الباحثين والدارسين على جمع الأمثال وتم طباعتها في كتب لابن الأنباري، والشيباني والزمخشري والميداني والنيسابوري وأبو هلال العسكري، وابن قيم الجوزية والرازي وغيرهم، وورد سفر الأمثال في التوراة، ووردت قصص وأمثال في القرآن الكريم صريحة وكامنة ومرسلة، وفي العصر الحديث كانت محاولات لمستشرقين أجانب ألمان وإنجليز على ترجمة الأمثال، كما قام بجمعها في العصر الحديث كتاب وأدباء وباحثون منهم: أحمد تيمور وعبدالحميد بن هدوقة الجزائري ومازن الشوا وحسين لوباني وعبدالكريم الجهيمان وأحمد السباعي وراشد المزروعي وغيرهم، وعمل مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي في سعير-الخليل-فلسطين بجمع الأمثال المحكية وإجراء دراسات بمنهجية علمية ونشرها في كتاب: (أمثالنا بتحكي أحوالنا) صدر عن مؤسسة الوراق في الأردن، كما تم ترجمة بعض الأمثال والتشبيهات الشعبية إلى لغات أخرى، وصدر كتاب أمثال فلسطينية مترجمة إلى الأمازيغية مشترك مع د. عادل سلطاني من الجزائر، كما عمل على إعداد كتاب تم جمع الأمثال والتشبيهات والحكم والمقولات للآباء والأجداد في كتاب بعنوان (ع قول سيدي وستي). فالجهود فردية أو ضمن أعمال جمعية أو مركز بحوث أم مخبر دراسات تابع لجامعة معينة، ولكن لا يوجد جهة دولية رسمية ضمن مشاريع وزارة معينة تتبنى موضوع جمع الأمثال الشعبية على مستوى العالمين العربي والإسلامي.
أما بخصوص المقولات والاقتباسات التي تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي بقوة أو في المجالس واللقاءات الوجاهية نجد أن الأمثال لها قوة تأثير أكثر، لأنها شعبية عامة تعبر عن تجربة تتكرر، ولا يُسجل المثل باسم شخص معين، أما الاقتباسات والمقولات فهي وجهات نظر معروف قائلها وتُسنَد إليه وقد تتغير حسب الموقف، فالأمثال أوسع انتشاراً وتداولاً، واستعمالها لا يتطلب مواصفات أو مهارات معينة، ويرددها أي شخص بغض النظر عن مستواه العلمي، ويفسرها المتلقي حسب فهمه وإدراكه، ولم يترك المثل أي ميدان في حياة الناس إلا وله فيه قول: (ما خلى المثل قول إلا وقاله).
فالمثل يعبر عن الواقع بصدق وعفوية بعيداً عن سيطرة الجهات الرسمية وسطوتها، وهو نتاج خبرة وتفاعل بين أفراد المجتمع، وهو من الفنون الأدبية التي تكشف عن مختلف الإبداعات والتيارات والمجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية والأدبية، كما ارتبط المثل بمسلمات دينية ومعتقدات شعبية نشأت عن طريق تجربة أو حدث تاريخي أو حكمة أو قصة أو موقف، فالمثل شاهد عدل مليء بالكنوز السليمة ونشر الفضيلة، ونبذ الرذيلة وفيه راحة نفسية للقائل والمتلقي حيث يمتاز بالإيجاز، وإصابة المعنى في المواقف المتشابهة، والواقعية وبلاغة الألفاظ ذات الجرس الموسيقي والرمزية والتعبير عن المشاعر الجياشة من فرح، أو حزن وفي زمن الاقتباسات حافظت على وجودها واستمراريتها.