تعد الأمثال الشعبية شكلاً من أشكال تعبير الإنسان الصيني عن كل ما يمر به في حياته بجوانبها المادية والمعنوية، وعلى عكس انتشار الأمثال الشعبية في ثقافات أخرى مثل الثقافة العربية؛ حيث تنتشر بشكل أكبر بين الأميين أو محدودي الثقافة، فإن الأمثال الشعبية الصينية تحظى بانتشار بين جميع فئات الشعب الصيني، ويكاد أثرها يظهر في مختلف البيئات في الصين. كما تعد الأمثال الشعبية مكوناً مهماً ورئيساً من مكونات الثقافة الصينية العريقة، باعتبار المثل منتج أدبي شعبي يحمل ثقافة الشعب الصيني، وتحظى بأهمية كبيرة على مدار تاريخ الأمة الصينية باعتبارها مرآة تعكس خبرات الشعب الصيني وتجاربه الثرية، وهي في الوقت ذاته قصة حياة ترويها الأجيال المتعاقبة من أبناء الأمة الصينية بمختلف عرقياتها، فالمثل ترجمة للمخزون الثقافي من عادات وتقاليد ومعتقدات راسخة في ضمير الإنسان الصيني.
وتتميز الأمثال الشعبية الصينية بتاريخها الطويل وعددها الكبير الذي تراكم على مدار آلاف السنين، كما تتميز الأمثال الصينية من حيث التركيب اللغوي بأنها قوالب ثابتة يصعب تغييرها نحوياً نظراً لخصوصية اللغة الصينية التي تكتب بالرموز، فهي عبارة عن وحدات متكاملة تعبر عن معنى بعينه لا يمكن التعبير عنه بكلمة مفردة.
والأمثال الشعبية الصينية جزء مهم من مكونات التراث الشعبي الشفهي لأبناء الأمة الصينية، للتعبير عن مواقف حياتية مختلفة مروا بها فأنتجت هذا الكم الهائل من الأمثال الشعبية التي ما هي إلا خلاصة لحكمة الإنسان الصيني صاحب الحضارة العريقة. وتعود الأمثال الصينية في معظمها إلى الأساطير الصينية القديمة والكلاسيكيات والأشعار القديمة. وتحظى الأمثال الشعبية الصينية بأهمية وانتشار كبير داخل وخارج الصين، حيث ساعد انفتاح الصين على الثقافات المختلفة في ترجمة الكثير من الأمثال الشعبية الصينية إلى لغات عدة، الأمر الذي ساهم في تعزيز انتشار المثل الشعبي الصيني عالمياً.
وقد أشار مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني التاسع عشر إلى أهمية الثقافة وأنها عنصر مهم وأصيل لدفع نهضة الأمة الصينية، مؤكداً على أهمية الحفاظ على الموروث الثقافي الصيني التقليدي الذي قدمته الأمة الصينية للحضارة البشرية. ونجد في الصين اهتماماً كبيراً بالأمثال والدراسات المتعلقة بها، وهناك عدد من البرامج التليفزيونية التي تهتم بمدلولات الأمثال وانتشارها بين أبناء الشعب الصيني في العصر الحالي. وقدمت الجامعات والمؤسسات البحثية الصينية عدداً غير قليل من المؤلفات والمعاجم حول الأمثال الصينية، من أهمها (المعجم الكبير للأمثال، الطبعة السابعة) الصادر عن المكتبة الصينية عام 2001، والذي احتوى على ما يزيد عن 17.000 مثل من أهم الأمثال الشعبية الصينية وأكثرها انتشاراً بين أبناء الأمة الصينية.
وبالنظر إلى التطور الكبير الذي شهدته اللغة الصينية على مدار أكثر من مئة عام منذ الحركة الثقافية الجديدة عام 1919 والتي كانت بداية لاستخدام اللغة الصينية الحديثة، فقد شهدت الأمثال الصينية خلال هذه الفترة تطوراً ملحوظاً بظهور عدد كبير من الأمثال الجديدة، هذا بالرغم من كونها في الأساس مجرد تركيبات وقوالب لغوية ثابتة، وذلك لمواكبة التغير والتطور الكبير للمجتمع الصيني على مدار أكثر من مئة عام ومنذ مطلع تأسيس الصين الجديدة على وجه الخصوص. ويشير الباحثون إلى ثلاث مراحل رئيسة شهدت خلالها الأمثال الشعبية الصينية ظهور أمثال جديدة ارتبطت بالظروف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية لكل مرحلة من المراحل الثلاث التي شملت: الفترة من 1919 حتى عشية تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949. الفترة من 1949 حتى بدء تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح الصينية عام 1978. والفترة من 1978 حتى الآن. ومن خلال دراسة الأمثال الجديدة التي اشتمل عليها (معجم الأمثال الجديدة) (1978 - 2011)، انقسمت هذه الأمثال الجديدة إلى: أمثال ذات علاقة بالمهن والحرف، الأمثال الدخيلة من لغات وثقافات أجنبية أخرى، أمثال ذات علاقة باللهجات المحلية وأمثال ذات علاقة بالحياة الاجتماعية.
ويلاحظ المهتم بالأمثال الشعبية الصينية الارتباط الوثيق بينها وبين المعتقدات الدينية والكلاسيكيات الفكرية الصينية والمؤلفات المهمة التي تنسب لرموز الفكر والفلسفة الصينية وعلى رأسهم الحكيم كونفوشيوس وغيره من رواد المذهب الكونفوشيوسي وغيره من المدارس والمذاهب الفكرية الصينية المعروفة، وخير مثال على ذلك المثل الصيني المعروف (المعتقدات الثلاثة والمذاهب التسعة) إشارة إلى الكونفوشيوسية والطاوية والبوذية. فهناك عدد كبير من الأمثال الشائعة بين أبناء الأمة الصينية مستمدة من المؤلفات الكلاسيكية الصينية وعلى رأسها كتب (محاورات كونفوشيوس) و(الطاو) و(الكتب الأربعة)، إلى جانب الأمثال التي تعود إلى الأحداث التاريخية المهمة والشخصيات المعروفة على مدار التاريخ الصيني. ومن أهم هذه الأمثال تلك التي تؤكد على روح التناغم والانسجام والتعايش بين البشر والثقافات المختلفة، في ظل انفتاح الثقافة الصينية على الثقافات العالمية، والتأكيد على أهمية الحوار والتعايش بين الحضارات والثقافات بعيداً عما ذهبت إليه دعوات صامويل هنتنجتون حول (صدام الحضارات)، مثل المثل الصيني الذي جاء على لسان تسي لو تلميذ كونفوشيوس (الرجل النبيل يتعامل مع الآخرين بشكل متناغم)، وقوله (الإنسان أساس كل شيء) وهو المثل الذي كان بمثابة منهاج اتبعه قادة الصين المعاصرين في التأكيد على بناء الإنسان الصيني الذي بسواعده ستبني الأمة الصينية مجدها وعزتها. والأمثال التي تبعث على التعايش والتناغم والحب والمودة بين الحاكم والرعية مثل قولهم الحاكم العادل (يعامل الشعب ويحبهم كأبنائه) و(يقتصد في نفقاته لتلبية متطلبات شعبه) و(مع الشعب في السراء والضراء)، والمثل (التناغم قبل وفوق كل شيء) الذي يجسد المنظومة الفكرية الصينية الأصيلة التي قامت عليها الكونفوشيوسية، والتي أصبحت محوراً مهماً للتواصل الثقافي بل والسياسي الصيني الأجنبي في العصر الحالي، واهتمام قادة الصين في خطبهم الرسمية بمثل هذه الاقتباسات والأمثال من أمهات الكتب الفكرية الصينية لدفع العلاقات الصينية الخارجية، وعقد المؤتمرات الدولية في إطار هذا المعنى للتأكيد على ثقافة التناغم والانسجام التي تتميز بها الثقافة الصينية الأصيلة، وربطها بما جاء في كتاب (محاورات كونفوشيوس) حول الإنسان النبيل والمروءة. مما يؤكد دور الأمثال الشعبية الصينية في ترسيخ مثل هذه الأفكار الإيجابية المستمدة من التراث الفكري الصيني.
وفي ظل ميل الإنسان المعاصر إلى الاختصار والاعتماد على الاقتباسات في تعاملاته اليومية، أصبحت الأمثال الصينية وغيرها من الأقوال المأثورة والتعبيرات الرباعية الصينية التي تتكون معظمها كما أسلفنا من أربعة رموز صينية الشكل اللغوي الذي يحظى بانتشار كبير بين المتحدثين بالصينية، ويظهر ذلك جلياً في التعاملات اليومية والخطب والكلمات الرسمية والإعلانات التجارية بأشكالها المختلفة. في الوقت الذي شهد فيه المجتمع الصيني منذ مطلع القرن الحادي والعشرين ظهور أمثال جديدة عُرفت بأمثال الإنترنت الجديدة، والتي انتشرت بشكل كبير في المنتديات ومنصات التواصل الاجتماعي، بل وأصبحت تعبيرات متداولة بين الشباب في الحياة الواقعية.
* أستاذ اللغة الصينية والترجمة بجامعة عين شمس.