على موجات شاطئ الأحلام وما بين مدها وجزرها وتلاطم أمواجها وتصاعدها وهبوطها وفي لحظة تجل في الإبحار، لابد من اللجوء للمرسى وعليه رست سفينة تحمل في طياتها بداية قصتي في هذه الحياة، فعلى شغاف شاطئ تلك المدينة التي يعود تأسيسها لنحو ثلاثة آلاف عام كمدينة تتصف بأنها البوابة البحرية الرئيسة لمنطقة الحجاز والمركز الرئيس للدول المتعاقبة على حكمها ولهذه المواصفات فمن الطبيعي أنها كانت تكتسب تميزاً بمختلف الأعمال التجارية والعملية والعلمية والاجتماعية وصولاً للنشاطات الثقافية وهنا تحديداً عند وصول سفينة أحلامي للساحل الشرقي للبحر الأحمر غربي السعودية قررت الرسوخ وقررت أين سأستنشق أولى أنفاسي، فولدت على أنغام موجات ذلك الشاطئ الملهم، شاطئ الأحلام الراسخ في جدة عروس البحر الأحمر.
أجزم أنني في عالم الغيب اتخذت قراراً بأن لا أولد إلاّ بمكان ساحر مفعم بشتى أنواع الفنون وملهم لكل عاشق للجمال والفن العريق، مكان يزخر بنشاطات ثقافية متنوعة ومشوقة، عدا عن كون هذا المكان يكتسب مكانة تاريخية وإقليمية.. وهكذا حصل في الرابع عشر من شهر آب لعام ثمانين من القرن الماضي، ومن هنا بدأت الرحلة وبدأ الغوص في أمواج عشق الفن والجمال ومن هنا بدأت الحكاية.
حكاية عشق.. ترى هل كنت أتخيل يوماً ما إقامة مهرجان كمهرجان البحر الأحمر والذي يعد المهرجان السينمائي الدولي الأول وأطلقته وزارة الثقافة السعودية بمدينة العشق والجمال مسقط رأسي ومنبع كل الحكايات جدة.
ومن جدة العزة عروس البحر الأحمر نتجه برحلتنا الفنية الثقافية الممزوجة بأبهى وأجمل ألوان العشق والفن والجمال الخالد، متممين رحلتنا السينمائية الممتعة إلى شمال غرب المملكة وتحديداً إلى العلا التي يصل عمر الاستيطان البشري بها لما يزيد عن أربعة آلاف عام والتي تعد متحفاً قائماً بحد ذاته، وما يجمل هذا المتحف وجوده بالهواء الطلق، متميزاً بطبيعة خلابة وبتاريخ عريق معتق بكتل صخرية وأخاديد وجروف مما يجعلنا نقف حائرين أمام عظمة نحتها ورونقها، تلك الأرض ذاتها التي التقت عليها الكثير من الثقافات الإنسانية وعليها عاشت حضارات عديدة تمنحنا استمتاعاً بتخيل العديد من القصص والحكايات المختبئة في داخلها وفي طياتها، فمن البديهي لأي متذوق للفن محب للجمال عاشق للإبهار أن يبحث بين طيات رمالها بصناعة سينما خالدة كيف لا ومناظرها الخلابة والمهمة والساحرة تلهم أي حالم بإرساء مراكب الفن السابع، على تلك الكثبان الذهبية الساطعة كسطوع الذهب تحت أشعة الشمس الدافئة.
وبسبب جمال المناظر الطبيعية الخلابة والساحرة في محافظة العلا فقد أصبحت ملاذاً مهماً لصناعة الأفلام، وأي أفلام تلك التي تنطوي في طياتها على حكايات وقصص وأحلام تمت لأربعة آلاف عام من الحضارة الشامخة والعريقة من شأنها أن تلهم كبار صانعي الأفلام العالميين قبل العرب والمحليين وهنا لابد من أن نشير لأمر مهم أن هذا المجهود لن يحدث من فراغ أو مجرد أمنيات أو أحلام أو تصورات، فلله الحمد أن هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة السعودية كانت من ركائزها الإستراتيجية تحفيز الإنتاج المحلي للأفلام وتذليل كافة الصعاب وتقديم كل ما يمكن تقديمه وبكل حب وعشق غير متناهيين وصولاً لجذب إنتاج عالمي للأفلام في المملكة، كيف لا وهي تلعب دوراً مهماً وملفتاً ومتفرداً في خلق بيئة سينمائية استثمارية تضع نصب عينيها تطوير قطاع السينما في المملكة العربية السعودية عدا عن خطتها لافتتاح ما يقارب مئة دار للسينما بحدود عام ألفين وثلاثين في جميع أنحاء المملكة، فهل كنا جميعاً نحلم بتحقيق هكذا حلم عبر شاطئ الأحلام ومراسيها العظيمة.
ولكن بديهياً فإن الحلم لا يمكن تحقيقه بمجرد أن نحلم به لا بل لابد من تحقيقه إذا ما أردنا ذلك، وسعينا أيضاً لتحقيق ذلك ومن هنا قامت المملكة باحتضان واحتواء أبنائها المبدعين الحالمين صانعي الأفلام الشباب في بلادهم بعد استقطاب عودتهم وبعد ممارسة خبراتهم خارج البلاد مما زاد من نضوج السينما وازدهارها في المملكة بخبرات ممزوجة بكافة جماليات الماضي والحاضر والتطلع للمستقبل بخبرات عالمية ودولية وعربية ومحلية فهي الملهمة لحراك فني جديد ببزوغ نور فجر جديد مبشراً بأهم مجالات الدعم الحقيقي لمستقبل فني زاهر وزاخر ولم لا فإن المملكة قد حباها الله جل جلاله بأرض خصبة جاذبة لصناعة سينما متفردة ومميزة، فهي تزخر بأماكن تاريخية عريقة ذات تاريخ محفز لصناعة سينما شامخة راسخة في بحر الخلود إلى نهاية الخليقة.
حدث ذلك ويحدث وسيحدث بإذن الله نتيجة دعم مادي ومعنوي منح ازدهاراً مهماً لحركة السينما في المملكة العربية السعودية مما جعلها تتميز بصناعة سينما سعودية ذات آفاق جديدة ومنفردة ومميزة ذات صبغة تاريخية خاصة، ومع كل هذا التطلع لما هو عالمي وفريد، فلم تغفل المملكة العربية السعودية عن توفير منصات للبث المباشر، إذ إن هذه المنصات والمواقع تقوم بأرشفة هذا الجهد العظيم واحترامه وتوثيقه ببث هذه الأفلام السعودية لكافة أرجاء المعمورة حتى نرى تلك الصورة وهي في القلب محفورة، وبهذا فقد اكتسبت تلك الأفلام السعودية صبغة دولية ومشاهدة أكبر وأوسع مما جعلنا نقف للحظة تأمل نرى من خلالها تلك المسيرة المشرفة لما يزيد عن سبعة عقود، فقد كانت أولى التجارب حينما رست سفينة الأحلام على شاطئ الأحلام والعز والسؤدد بإنتاج فيلم الذباب في عام ألف وتسعمئة وخمسين، ومن هنا بدأت الرحلة السينمائية السعودية المخضرمة والعريقة، مروراً بمحاولات خجولة شابها مقاطعة عابرة فالإبحار لطالما واجه موجات متلاطمة شديدة الملوحة حدث هذا حتى وصلت سفينتنا لفيلم اغتيال عام سبعة وسبعين من القرن الماضي وما توقفت تلك السفينة بغمار الغوص في أعماق البحار الفنية السينمائية المحلية بين تلاطم الأمواج مسلمين راية السينما لصانعي الأفلام السعوديين الشباب وبمواهبهم المتمترسة بأعتد أسلحة الفن العريق لنرى ونشاهد تجارب سينمائية سعودية لافتة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
سيدة البحر، وجدة، حد الطار، الخلاط، المسافة صفر، أغنية الغراب، عمرة والعرش الثاني، بركة يقابل بركة، الهامور، ريم، بلال، سطار، ظلال الصمت، انتقام أب، غبش، المرشحة المثالية، ولد ملكاً، طريق الوادي، رقم هاتف قديم، عثمان، سر بريح عظيم، المدرسة القديمة.. إلخ.