الروائي سامي البدري: الممارسة النقدية مجاملة بين الأصدقاء
حوار/ ممدوح عبدالستار: مصر
الروائي والناقد (سامي البدري)، حصل على الدكتوراه في الأدب العربي، وعمل بالتدريس في الجامعات العربية. عاش خيبات، وآمال العراق، لكنه تسلح بالمعرفة، وبالسؤال، وقاوم قبح الموت المجاني بالكتابة. عاش حروب العراق كلها، وبداية الجمهورية الحديثة، وشاهد ضياع الهوية، وطمس الطباع. إنه شاهد على عصره، ووثق حياته، وحياة العراق في كتاباته. ومن قبح الواقع، صاغ عبارته: (تتحمل الرواية الجهد الأكبر لتحسين العالم)، أصدر خمس روايات، منها: (الحب على حافة البارادور، إيقاع غريزة الفراشات، موت بلون آخر، البطة الخضراء، اللحظة صفر لسماء بغداد). وفي القصة: (رماد الأسئلة، الرغبة عند درجة الاستواء). ومجموعة شعرية وحيدة بعنوان (تضاريس الأحجية). وفي النقد كتاب: الكلمة في موقد الطين، أراجيح في مدائن الحلم، صوت آخر لشهقة القلق، السقوط من فخ القداسات، القفز فوق عشب السراب، محطات ومراحل في حياة نوري السعيد، تاريخ سياسي. وفي الفلسفة كتاب (عتبة السلم الرملي.. الفلسفة المفقودة). التقت به (المجلة العربية)، وكان هذا الحوار:
أصدرت حديثاً رواية بعنوان (اللحظة صفر بسماء بغداد)، حدثنا عنها؟
- رواية (اللحظة صفر لسماء بغداد) كانت، وكما خططت في البداية لها، محاولة لتلمس جروح العراق، ولكنها سرعان ما تحولت إلى ما يشبه حشر الأصابع في فكّ جروح العراق وآلامه، والحروب التي فرضت عليه، في عهده الجمهوري، وقرض هذا الفك لأصابع تلمسي. كيف ولماذا ستسألني، والحقيقة إني لا أملك إجابة نهائية وقاطعة، ولكني أظن لأني اقتربت من عين النار التي وضع الجمهوريون العراق فيها، ولم يستطيعوا رؤيته، أو تصور مستقبل له خارجها.
رواية (اللحظة صفر لسماء بغداد) حاولت تشخيص الأسباب التي أوصلت العراق إلى حالة (التفليش) التي انتهى إليها، عقب الاحتلال الأمريكي، والسنوات التي تلته، عبر رؤية فنطازية، (تكنيك الواقعية السحرية) وبمتكأ تاريخي، رصد عمر المئة عام التي تمثل عمر الدولة العراقية الحديثة التي تأسست عقب الاحتلال البريطاني للعراق عام 1921، ولكن من دون التركيز على التأريخ، إلا من حيث كونه حاضنة للمفرزات السياسية والاجتماعية، وبالتالي الثقافية التي أنتجت الدولة الحديثة التي أسسها الملك فيصل الأول، والباشا نوري السعيد رئيس وزرائه والتي قادها العسكر في النهاية، وعبر سلسلة انقلاباتهم إلى الانقلابات، والفشل في النهاية. أما كيف حصل هذا الفشل، وما هي أسبابه؟ فهذا ما ستقوله الرواية للمتلقي.
لماذا تتكئ في روايتك الحديثة (اللحظة صفر لسماء بغداد) على بداية تاريخ العراق الحديث حتى اللحظة الراهنة، وهل امتداد التاريخ هو امتداد للفشل، والتفسخ؟
- أولاً أنا اتكأت على تاريخ أو عمر الدولة العراقية الحديثة، التي تأسست بالعهد الملكي عام 1921، من أجل أن أعطي القارئ صورة عن شطري حياة هذه الدولة، التي رفع شطرها الملكي، حياة المجتمع العراقي إلى قمة من الرقي والتحضر، وعلى كافة الصعد، وبالقابل أعادها شطرها الجمهوري إلى عصور ما قبل التحضر، وبخاصة عن طريق الانقلابات العسكرية الدموية وحروبها المجانية، والتي انتهت بالحرب الطائفية التي بدأت في شتاء عام 2006 وإلى يومنا هذا، وثانياً، وفي حالة العراق التي تعرض لها الرواية، عملية القطع التاريخي هي التي سببت الفشل والتفسخ، وبخاصة على صعيد البنى القيمية والسلوكية والأخلاقية لحياة المجتمع.
الروائي، والقاص، والشاعر موجود بأشكال مختلفة في أعماله، هذا يجعلنا نبحث عن بدايتك، ما هي العوامل والمؤثرات التي جعلت منك روائياً، وشاعراً، ومن ساعدك؟ وهل سيرتك الذاتية تتخلل أعمالك، وما هي طقوس الكتابة لديك؟
- منذ حداثة سني، ومنذ بدأت دودة القراءة تنخر في رأسي، لم أر نفسي إلا داخل عزلة الكتابة اللذيذة. هل ساعدني أو وجهني أحد لهذا غير حسي؟ أبداً، اللهم إلا مكتبة والدي التي جرتني إلى مهاوي المعرفة، وفضاءات التخييل. ربما لن تصدق أني كنت أنظر لتعليمي الأكاديمي كمضيعة للوقت، ومعيق عن مواصلة قراءة الأدب والفلسفة. ورغم أني بدأت بالشعر، إلا أني لم أصنف نفسي إلا داخل منطقة الرواية، وحتى قبل أن أكتبها، لماذا؟ لأني أراها الجنس الأدبي الوحيد الذي يتيح لي خلق عوالم متكاملة الحيوات، وأرسم مصائرها بما يتيح لي خيالي، كمقترحات ثقافية وعوالم من الحيوات البديلة عن الواقع المهترئ.
هل استطاعت الرواية العراقية أن تلتهم ظاهرة التهميش الاجتماعي، والسياسي، والثقافي داخل بنائها؟ وهل أصبحت الذات بديلاً عن المركزية؟
- هذا السؤال أكثر ما يوجعني، فمازالت الرواية العراقية، أو محاولاتها على الأصح، مازالت تحبو على حفافي هذا الفن البعيدة، من الناحية الفنية والفكرية، هذا على افتراض أنها قد نجحت في الناحية الإجرائية. الرواية العراقية ومهما كانت مساعيها وتطلعاتها، إلا أنها مازالت تدور في فلك الحكاية، ولم تستطع فهم وقبول فكرة أن الرواية هي طريقة قول أو كتابة الحكاية، ولهذا فإننا نجدها مجتزأة الوجه وبملامح غير مؤكدة، من الناحية الفنية والإجرائية.
هل استطاع النقد أن يضع تجربتك الإبداعية في مكانها اللائق كما يجب، وهل لدينا أزمة نقدية؟
- السؤال هو: هل لدينا كعرب نقد، أو مشروع نقدي؟ كلا طبعاً، ولذا فهو لن ينصف تجربتي ولا تجربة غيري، لأن الممارسة النقدية العربية ليست سوى مجموعة من المجاملات بين الأصدقاء، أو نوع من المحاباة لمن يدفعون لمن يسمون أنفسهم نقاداً. هذا ما يجري على أرض الواقع بالنسبة لمن يسمون أنفسهم نقاداً، أما على صعيد حلم من يتطلعون أن يكونوا نقاداً حقيقيين فهم يصدمون بفقر الأدوات وغربتها، لأنهم يعالجون النص العربي بأدوات النقد ومدارسه الغربية المستوردة، فلا يوجد فكر ولا مدارس ولا أدوات عربية للنقد، وتخيل أن تعطي قطعة قماش (جلابية) لخياط أجنبي لم يخط يوماً غير البدلة الأوروبية، فكيف ستكون نتيجة (الجلابية) أو الثوب العربي؟