هدى الدغفق: الحبل الذي نشرت قلبي عليه ليس عادياً
حوار: عبدالرحمن الخضيري: الرياض
القريب من الشاعرة هدى الدغفق يدرك تماماً أن كل حرف تخطه أناملها هو ثمرة تجاربها وخبراتها الحياتية والإبداعية المستمرة. ما يميزها هو صراحتها الحادة وجرأتها في التعبير عن مكنوناتها بلا مواربة ولا ادعاءات مزخرفة. صدر لها مؤخراً عن دار رواشن للنشر (أنشر قلبي على حبل الغسيل)، وأي حبل يا ترى هذا؟
تقول الكاتبة هدى الدغفق: الحبل الذي نشرت قلبي عليه ليس حبلاً عادياً؛ هو حبل من حروف وألفاظ، يعبر عن تجارب وخبرات عشتها، ربما تصورها غيري بأنها عادية، وربما تصورها آخرون بأنها خبرات قاسية على امرأة حساسة مثلي؛ إلا أنني كتبت ولم أجنح إلى تأويلها. وهي بذلك تجدد علاقتها بالكتابة، قائلة هي وسيلتي المقربة للمواجهة الشخصية مع الحاضر والواقع، حتى ذاك الشعور الذي ظل يطاردني ويصدم إنسانيتي وأنوثتي.
إلى أي فئة يمكن للقارئ تصنيف كتابك: شعر، قصة، خاطرة، أقصوصة..إلخ؟
- كنت سأصنف كتاب (أنشر قلبي على حبل الغسيل) نصاً حراً، ولكنني تراجعت عن ذلك التصنيف؛ لأنني لم أقتنع بأن ذلك التصنيف يتناسب وكتابي، ورأيت بأنه ليس بالضرورة الانقياد إلى تصنيف أدبي خاص بعينه. ولعل الخروج عن التصنيف الإبداعي تصنيف مستقل، ولا يعني ذلك بأن ليس لما كتبته معنى، فليس الانتماء إلى نوع أدبي بعينه هو المعنى؛ إنما بدا لي بأن لكتاب (أنشر قلبي على حبل الغسيل) طريقته الحرة من التعبير الأدبي الإبداعي الذي يجمع بين كافة الأنواع الأدبية. فهو يزدحم بكثير من الطاقة المعنوية إزاء مفاهيم الوجود، والكتاب يشي بكثير من الفلسفة الشخصية التي لا يحتملها الانحناء للنوع الأدبي أحياناً، وهذا الكتاب كذلك.
سيُقرأ كتاب (أنشر قلبي على حبل الغسيل) على أنه كشف لبعض التحولات في شخصيتك من خلال نصوص وعبارات كتبتيها بمرارة الألم والتجربة. ما تعليقك على ذلك؟
- مع كل كتاب أنجزته، تتكون هذه التحولات وغيرها وتحدث لي، بل إنني أدرك بأنني لم أشرع في نشر كتاب من قبل، سواء أكان ديوان شعر أم سيرة أو دراسة؛ إلا وقد وعيت بأنه تجربة مغايرة سوف تضعني في حالة من التحدي مع نفسي أولاً، ومع المعنى والكتابة بشجاعة وجرأة وتجريب. يتأتى ذلك التحول مع الكتابة بشكل عام، ويتم اكتشافه بالتعارك مع المعنى والتفكر في طبيعة الخبرات والذكريات وتأثير أحداثها في الواقع وظروفها الطارئة واللاحقة. وفي كتاب (أنشر قلبي على حبل الغسيل) عبرت عن كثير من الإحباط والحزن الكبير الذي يخصني، وتوصلت إلى نتيجة، هي: أن هذه التجارب الموجعة هي من يصنع ذاتي المستقبلية، ويفخخ مشاعرها، ويمدها بالإرادة الصلبة.
في الصفحة 82 كتبت: (كلما عنّ لي حلم صنعت له زورقاً دفعته بموج قلبي، أردت أن أنبسط في كل حديقة وبستان وجبل وسهل وبيت وقلب، لا أرغب في الذبول، أريد أن أخضرّ في كل زمان ومكان). هل نستطيع أن نصف ما كتبته بأنه خلاصة التجارب المؤلمة التي أثمرت نجاحاً فيما بعد؟
- ليس بوسع قليل من السطور أو صفحة من الكتاب أن تكون خلاصة تجاربي؛ بل إن الكتاب بكل ما فيه هو تجربة، وستتبعه تجارب أخرى مغايرة، لأن كل كتاب تجربة مستقلة بذاتها. وما دامت حياتي مستمرة فتجاربي وخبراتي فيها لن تتوقف حتى الموت.
وإذا قلت بأن هذه التجربة في صفحة من كتاب (أنشر قلبي على حبل الغسيل) هي الخلاصة؛ فهذا يعني بأنني جردت كتبي التي سبقت هذا الكتاب من أية غاية أو هدف أو معنى.
يغلب على كتابك هذا طابع الكآبة والحزن، مع التحدي ومحاولة الخروج من العتمة؛ إلامَ يُعزى ذلك؟
- الفترة الصعبة التي كتبت خلالها كتاب (أنشر قلبي على حبل الغسيل) من مرض أبي ثم وفاته، وظروف عائلية، وأخرى مرت بي؛ دعتني لأكتب وأعبر عن صدماتي وأرقي بالواقع والمستقبل. وهي تجارب وخبرات ربما تصور غيري بأنها عادية، وربما تصور آخرون بأنها خبرات قاسية على امرأة حساسة مثلي؛ إلا أنني كتبت عنها ولم أجنح إلى تأويلها، فالكتابة كانت وستبقى وسيلتي المقربة للمواجهة الشخصية مع الحاضر والواقع، بالإضافة إلى الشعور بتقدم العمر الذي يظل يطاردني باستمرار ويصدم إنسانيتي وأنوثتي بشكل مستمر.
كتابك (أنشر قلبي على حبل الغسيل)، هو مجموعة نصوص، كتبت من تجارب الحياة بعد نضوج المعارك الشخصية؛ لكن يبقى السؤال: هل هذه التجارب كتبت بمرحلة عمرية واحدة أو متفاوتة؟
- الكتاب ليس مجموعة نصوص، إنه نص مستقل بنفسه. ربما تعددت تجاربه، ولكن -كما ذكرت لك سابقاً- هو تعبير واقعي عن تجربة منتصف العمر، من عادتي ألا أنتظر أن يمر بي العمر دون أن أؤرخ مشاعري ومواقفي إزاءه، لكأنني أتتبع محطات عمري بكل ما فيها، في كل كتابة أو قصيدة أكتبها، فهذه طريقتي التي أواجه بها أزماتي، وأفكك من خلالها عقدي، وأقوم بتشريحها تحت مجهر الكلمة، وأحللها بمنظار شخصي خاص بي.
حبل الغسيل الذي نشرت هدى قلبها عليه، ذُيل غلافه الأمامي بجماجم وعظام، وذُيل غلافه الخلفي بغراب، وكتبت أيضاً عن الغربان؛ فما تفسيرك لذلك؟
- أردت أن يكون الغلافان الأمامي والخلفي إضافتين إلى مضمون كتابي، ولذلك لم يكن ذلك الحبل الذي نشرت قلبي عليه حبلاً عادياً؛ بل هو حبل من حروف وألفاظ. ولا أريد أن أشرح الفكرة التي جنح الغلاف إلى الإيحاء بها والغاية منها، فالمتلقي هو من يمكنه أن يتخيل ويحس ويختار التأويل المناسب لذهنيته وتلقيه. واسمح لي ههنا بأن أقدم شكري وعرفاني للفنان فهد القثامي الذي جعل من غلاف كتابي تحفة فنية، وعبّر عن مضمونه بامتياز. وهذا ما يجعلني أعول على أن العلاقة الوطيدة بين الإبداع الأدبي والفني لا يمكن أن ينتج عنها إلا تجربة خلاقة، لأنها علاقة تاريخية ثقافية وإنسانية عميقة ومتطورة.
(إلى تلك الأشجار التي كلما شاهدتها نهضت). الإهداء عند هدى، من المقصود بالأشجار التي تشعل طاقتك وتنهض بك مرة أخرى؟ أهي نجاحاتك المثمرة أم الشجيرات الخضراء التي زرعتها؟
- الأشجار هي معنى الطبيعة التي تبقى شامخة في أعتى الظروف، وهي نموذج حقيقي لمقاومة الظروف المناخية والتجدد باستمرار. الأشجار نموذج فطري وحي للإرادة والطاقة الخلاقة. كثيراً ما تثير الأشجار دهشتي بكل كونيتها وثقلها وتمسكها بالأرض والحياة. إنها تلك المرأة التي تستطيع مقاومة الظروف القاسية وإجحاف التقاليد، وتكتشف تواطؤ العادات مع الموروث على ذاتها اجتماعياً وإنسانياً ومعنوياً.