مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

الرقم (3) وسِرُّهُ المَتين في الدنيا والدين!

يظهر ويتصدر الرقم (3) عندنا، وعند كثيرٍ غيرِنا، في مواضع كثيرة، ويستقر بين الرمزية الغامضة والوضوح الجلي، وكذلك في المنثور والمَنظوم، والغامض والمعلوم، وبين الأقوال والأمثال، وفي مختلف المعاملات، وكذلك في السياسة وفي أنماط التعبير وفي عموم الممارسات!
وسوف أدرِجُ هنا بعض الأمثلة على استخدام الرقم (3) في مواضع مختلفة:-
* فيقول عامة الناس عندنا: (التالتة) تابتة! (الثالثة) ثابتة!
* ولقد جاء في الأثر: (ثلاثٌ) في الدنيا يُذهِبنَ الحَزَن: الخضرةُ والماءُ والوجهُ الحَسن!
* كما ويقول العوام: (ثلاثة) ما عليهم أمان: البحر والسُّلطان والزمان.
* وعندنا، يوم (الثلاثاء): اليوم الثالث في أيام الأسبوع. (وكذلك في الفارسية: «سيه شَنبَه»، أي اليوم الثالث).
* وكذلك الآلهة (الثلاثة) المشهورة فيما قبل الإسلام: اللاتُ، والعُزَّى، ومَناة.
* إمبراطور أثيوبيا السابق، هَيْلا (سَلاسي) Haila Selasei= حامي (الثالوث)، أو سادنُهُ أو عبدُه؛ فإنَّ (سلاسي)، في اللغة الأمهَرية/ الحبشية/ الأثيوبية تعني: (3).
* والتسبيحُ عندنا يأتي عادة في (ثلاث) مرات: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، وكذلك في تقسيم خرزات المسبحة، فتأتي مُوَزعةً في (ثلاثة) أجزاء.
* وفي قول العرب في قديم البادية إن «قِدرَ الطبخ» يَلزمُه (ثلاثُ) قواعد/ دعامات ليستقيم وضعه على النار، ولتتوزع الحرارة تحته. ولو أنه لا يبدو واضحاً أو مفهوماً كيف تكون الأثافي/ الحجارة الثلاثة ضرورية لتثبيت القدر وتوزيع الحرارة تحته، من ناحية؛ بينما ترد عبارة «ثالثة الأثافي» في سياق سلبي وكأنها ثالثة البلاوي والمآسي!
* وغالباً ما نتناول معظم مأكولاتنا (بثلاثة) أصابع؛ ولقد وَرَدَ أنَّ ذلك مُستَحَب.
* وهناك الطلاقُ (البائن) النهائي/ الطلاق للمرة (الثالثة)، وهو الطلاق المُوجِبُ للتباعد والانفصال، كما في الآية: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (البقرة: 230).
* وفترة (عدّة) المطلقة رجعياً أو بائناً (ثلاث) حيضات لمن تحيض، أو (ثلاثة) أشهر عربية لمن لا تحيض لصغر في السن أو لبلوغها سن اليأس.
* والمعلوم أن الصلاة على مدار اليوم تشتمل على (ثلاث) صلوات بقراءةٍ جَهرية: المغرب، والعشاء والفجر، حيث يُجهرُ في الركعتين الأوليين منها، وكما ورد في الآية عن صلاة الفجر: (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) (الإسراء: 78).
* وهناك صلاةُ (الوِتْر)، وهي التي تؤدَّى بُعيدَ صلاة العِشاء، حيث يؤدي المصلون ركعتين (أو أكثر) من (النَّوافِل)، ثم يختمون بصلاة الوِتْر؛ وسُمِّيَت كذلك لأنها تأتي في (ثلاث) ركعات متواصلة في عدد (فَردي)؛ (أو، كما أذكر، أيامَ طفولتي، من الفقه الحنَفي: في ركعتين تُتبَعُ برَكعةٍ واحدةٍ ثالثةٍ مُفرَدة). لكن الذي صار مألوفاً هو أداء (الوِتْر) في ثلاث ركعات متواصلة.
* ولعقد صلاة الجماعة عند غالبية المذاهب الفقهية يكون الحد الأدنى للمصلين (ثلاثة).
* ولقد دأبَ أشقاؤنا الشيعةُ على الصلاة والسلام على النبي (ثلاثاً): (اللهمَ صَلِّ على محمد وآلِ محمد).
* ثم هناك (السُّلطاتُ (الثلاثُ)) في نظام الحُكم الأمريكي، وهو الذي أضحى شائعاً عند الدول الديموقراطية: مبـــــدأ الفصـــل والتوازن بين السلطات (الثلاث)، حيث تتقابل فتتقاسم الحكم هنـــاك الســـلطة التشريعية/ البرلمـــان، والسلطة التنفيذية/ الرئيس والفريق التنفيذي العامل تحته ومعه، والسُّلطة القضائية/ المحاكم بمختلف مستوياتها وتأتي في ذروتها (المحكمة العليا) في البلاد.
* في إصدار قرارات السُّلطة في معظم المؤسسات، عادة ما تأتي بتواقيع (ثلاثةِ) مسؤولين: الرئيس، النائب، والأمين المالي، وكذلك للمهم (المُصدَّق) من الشيكات.
* ويبرز الرقم (3) حتى في جَدَلية الفيلسوف الألماني هيكل/ Hegel الثُّلاثية، وهي:- *الأطروحة Thesis، *النقيض Antithesis، *التوليفة Synthesis.
* وفي التثليث الهندسي Tridimensionality، وفي الرسم الهندسي المعماري، وكذلك في (ثلاثية) الأبعاد 3D، وفي فنون التصوير.
* وهناك (الثالوث) المُحرَّم (حسب تعبير الكاتب اليساري السوري بو علي ياسين)؛ ويشمل: الدين، والجنس، والصراع الطبقي.
* ويتميز رقم 3 بكونه رمزاً للتوازن والاكتمال والتوافق. مثال: في الرياضيات والطبيعة:
فالمثلث بأضلاعه (الثلاثة) هو الشكل الهندسي الأكثر استقراراً.
* وفي الطبيعة الحالات الثلاث للمادة: (الصلبة، السائلة، الغازية)، وألوان الضوء الأساسية: الأحمر، الأخضر، الأزرق.
* في الفلسفة والدين:
يظهر (الثالوث): في عدد من الأديان:
1. المسيحية: الثالوث المقدس (الأب، الابن، الروح القدس).
2. الثالوث الهندوسي (براهما، فيشنو، شيفا).
3. الرمزية الروحية، حيث الرقم 3 يرمز إلى الماضي والحاضر والمستقبل؛ و: الحياة والموت والبعث.
* الطقوس والتقاليد: في كثير من الثقافات، حيث يُعتقدُ بأن القيام بشيء (ثلاث) مرات يمنحه قوة أو تأثيراً خاصاً، مثل طرق الباب (ثلاث) مرات.
* وفي علم نفس الشخصية، نظرية (الثالوث) المُظلِم، وتشمل ثلاث شخصيات خبيثة، لكنها غير مَرَضيَّة (من كلمة مرَض أو اعتلال)، بمعنى غير مُعدية.
وهي:
1. الشخص النرجسي (المُعتَدُّ بذاته).
2.المَكيافيلي (المَصلَحجي).
3. المُعتلُّ نفسياً (لديه خلل نفسي في شخصيته).
من خلال هذه الأمثلة، يتَّضِح أن الرقم (3) ليس مجرد رقم، بل يحمل في طياته دلالات ثقافية وفلسفية؛ وهو جزء من بُنيَة المعرفة والحياة اليومية في العديد من الثقافات والأديان.

ذو صلة