مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

تاريخ الموسيقى

‏ تبقى مسألة منهجية دراسة تاريخ الموسيقى من الإشكاليات العالقة بالمعرفة العلمية في الموسيقى العربية ‏الإسلامية، والتي عادة ما يـمر عليها مروراً عرضياً دون محاولة التعمق فيها، ويتم الاكتفاء بالمقاربات التي ترى ‏في تاريخ الموسيقى العربية الإسلامية صورة ما للأحداث السياسية ولحياة الأمراء في القصور...إلخ.‏
والحقيقة أن هذه المسألة يجب أن تطرح فننظر من ورائها إلى جميع الأسئلة التي يمكن أن تلتصق بها. إذ يجب أن ‏يقف الباحث الموسيقي حائراً أمام أسئلة عديدة في هذا الموضوع ليخرجها من إطارها الانطباعي ويجمع بينها في ‏منهاج علمي يفصل بين المفاهيم. وهذا الكم من التساؤلات يمكن طرحها كالتالي: ‏
إلى ماذا سنؤرخ في الموسيقى العربية؟ ألآلاتها أو لطرق الغناء المختلفة عبر التاريخ أو لشخصياتها أو لسلالمها ‏الموسيقية النظرية أو لمواقف الفقه منها باعتبارها إشكالاً فقهياً أو لكتابات المستشرقين عنها، أو لـتأثير التحولات ‏الفكرية والسياسية فيها، والقائمة تطول؟ ثم كيف نؤرخ للموسيقى العربية؟ بأي منهاج نلتزم وأي المعايير نعتمد؟ ‏أليست كل المحاور تستحق أن تكون زاوية يمكن أن ننظر من خلالها إلى مشاهد مختلفة من تاريخ الموسيقى ‏العربية؟ من جهة أخرى، عن أي تاريخ للموسيقى العربية نتكلم؟ هل هو تاريخ الموسيقى باعتبارها علماً أم ‏باعتبارها ممارسة؟ وهل هناك تطابق بين العلمي والعملي؟ ثم لأي موسيقى نؤرخ؟ هل الموسيقى (الرسمية) أم ‏الموسيقات التي لا ترى على أنها أهل لأن يؤرخ لها (وهنا نتحدث عن الموسيقى التي توصف بالشعبية)؟ وهل ‏من الضروري التأريخ للموسيقى العربية في حد ذاتها؟ أليست نشاطاً كمالياً تتداعى بأي اضطراب سياسي ‏واقتصادي كما أثبتته نظرية العمران البشري الخلدونية؟ ثم ألا يشكل مصطلح (عربية) في حد ذاته عائقاً أمام ‏التأريخ الموسيقي للحضارة العربية الإسلامية عموماً؟ متى ظهر هذا المصطلح؟ ومن كان وراء تأصيله في ‏ثقاقاتنا؟ وما الغاية من ذلك؟ لماذا لا نجد مؤلفات صريحة بعنوان (تاريخ الموسيقى الأوروبية) مثلاً ونجد في ‏المقابل عناوين حديثة كثيرة تجمع بين مصطلحي (الموسيقى) و(العربية)؟ هل هي مسألة ذات أبعاد أيديولوجية ‏لها علاقة بالهوية؟ إذ ما معنى أن يكون الإنسان عربياً أولاً؟ ومنه ما معنى أن تكون الموسيقى عربية؟
‏ كل هذه الأسئلة لو استطعنا أن نجيب عنها في بحوث مختلفة لتحصلنا على مجلدات تجمع بين مناهج مختلفة في ‏التأريخ بقراءات نقدية تجعل من تاريخ الموسيقى عندنا أوضح تاريخ على الإطلاق، وبالتالي لو اعتمدنا على هذا ‏المنهج على مختلف المعارف والصنائع، وهو القائم على طرح التساؤلات والإشكاليات والإجابة عنها ببحوث ‏علمية موضوعية ونقدية ومقارنتها بما توصلت إليه الدراسات الحديثة، لأمكن أن نرفع كل ما يعتبر مبهماً في ‏تاريخ هذه الحضارة العريقة بعلومها وصناعاتها وآدابها.‏

ذو صلة