لانزال نعجز عن فهم إشكاليات همومنا الاجتماعية نتيجة مفاهيمنا الخاطئة والسير وراء أفكار تبلورها عقليات موغلة في القدم ورافضة لكل جديد.. وما نعانيه من تدن في التفكير وإحجام عقولنا عن الفكر السليم والفهم الحقيقي لشريعتنا الإسلامية أدى بنا إلى انحدارنا نحو هاوية التطرف والعيش في مساحة ضيقة.
هذا التوجه خلق تراكماً نوعياً للفكر المتشدد داخل البنية الزمنية للحقبة المعاصرة، وجعله يقف في شكل مضاد لليبرالية مما أدى إلى التناقضات وضروب الصراعات المريرة المتنوعة.
وكثير من الأفكار قد ضلت طريقها إلى الصواب وتزايدت وتيرة اندفاعها إلى هاوية الغلو والتطرف وما يترتب على ذلك من نتائج قاسية ومدمرة؛ مما أدى إلى شعور المتطرف بالوحدة القاسية والاغتراب الفكري والروحي عن مجتمعه.
وما يفعله الكثيرون من توهم النزاهة ومهاجمة كل من يخالفهم الرأي والنهج ينم عن أيديولوجيات تفكير متدنية ومفاهيم خاطئة امتزجت بعقولهم حتى باتوا يعتقدون أنهم يفعلون الصواب ويقولون الحق.
ويجدر بنا أن نفهم معنى الوسطية الغائبة عن فهمنا وما تتطلبه من موازنة في تصوراتنا ومواقفنا وما تحمله من حلول لكل القضايا الشائكة التي نقف حائرين أمامها، فديننا ذو أفق رحب يجد الحلول لكل الإشكاليات، وينشر السلام والوئام.
ولم يكن الإسلام في يوم ما دين إرهاب ولا وحشية. قال تعالى: (وجعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً).
والوسطية تصور وموقف وتفكير يدفعنا للحلول المعتدلة حيث لا إفراط ولا تفريط، ويمنحنا مساحة واسعة من الاتزان الفكري والنفسي؛ فلا نغلب جانباً على آخر ولا تميل كفة على حساب كفة أخرى.
وتتضح الوسطية في كثير من المعاني الإسلامية التي شملت جوانب عديدة في المأكل والمشرب مما يستدعي عدم الإسراف أو التقتير على النفس, أضف إلى ذلك الموازنة بين احتياج الروح والجسد فلا نترك أرواحنا حبيسة ولا نطلق لها العنان لتتمرد على أجسادنا.
ويشمل معنى الوسطية أموراً ومفاهيم عديدة في كافة نواحي حياتنا وأفكارنا ورؤانا, وجميع معاملاتنا وعلاقاتنا الإنسانية، لذا وانطلاقاً من ذلك يتوجب علينا إعادة بلورة أفكارنا والعودة لحقيقة ديننا العظيم والسعي الدؤوب لتقريب وجهات النظر وتيسير الأمور وبث روح الألفة والتسامح من أجل الوصول إلى عالم أفضل تسوده الطمأنينة والاستنارة وتختفي فيه مظاهر القمع والاضطهاد وكل ما يسيء إلى جوهر الإنسانية.