مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

مفهوم الموازنة

لانزال نعجز عن فهم إشكاليات همومنا الاجتماعية نتيجة مفاهيمنا الخاطئة والسير وراء أفكار تبلورها عقليات ‏موغلة في القدم ورافضة لكل جديد.. وما نعانيه من تدن في التفكير وإحجام عقولنا عن الفكر السليم والفهم ‏الحقيقي لشريعتنا الإسلامية أدى بنا إلى انحدارنا نحو هاوية التطرف والعيش في مساحة ضيقة.‏
هذا التوجه خلق تراكماً نوعياً للفكر المتشدد داخل البنية الزمنية للحقبة المعاصرة، وجعله يقف في شكل مضاد ‏لليبرالية مما أدى إلى التناقضات وضروب الصراعات المريرة المتنوعة.‏
وكثير من الأفكار قد ضلت طريقها إلى الصواب وتزايدت وتيرة اندفاعها إلى هاوية الغلو والتطرف وما يترتب ‏على ذلك من نتائج قاسية ومدمرة؛ مما أدى إلى شعور المتطرف بالوحدة القاسية والاغتراب الفكري والروحي ‏عن مجتمعه.‏
وما يفعله الكثيرون من توهم النزاهة ومهاجمة كل من يخالفهم الرأي والنهج ينم عن أيديولوجيات تفكير متدنية ‏ومفاهيم خاطئة امتزجت بعقولهم حتى باتوا يعتقدون أنهم يفعلون الصواب ويقولون الحق.‏
ويجدر بنا أن نفهم معنى الوسطية الغائبة عن فهمنا وما تتطلبه من موازنة في تصوراتنا ومواقفنا وما تحمله من ‏حلول لكل القضايا الشائكة التي نقف حائرين أمامها، فديننا ذو أفق رحب يجد الحلول لكل الإشكاليات، وينشر ‏السلام والوئام. ‏
ولم يكن الإسلام في يوم ما دين إرهاب ولا وحشية. قال تعالى: (وجعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ‏ويكون الرسول عليكم شهيداً). ‏
والوسطية تصور وموقف وتفكير يدفعنا للحلول المعتدلة حيث لا إفراط ولا تفريط، ويمنحنا مساحة واسعة من ‏الاتزان الفكري والنفسي؛ فلا نغلب جانباً على آخر ولا تميل كفة على حساب كفة أخرى.‏
وتتضح الوسطية في كثير من المعاني الإسلامية التي شملت جوانب عديدة في المأكل والمشرب مما يستدعي عدم ‏الإسراف أو التقتير على النفس, أضف إلى ذلك الموازنة بين احتياج الروح والجسد فلا نترك أرواحنا حبيسة ولا ‏نطلق لها العنان لتتمرد على أجسادنا.‏
ويشمل معنى الوسطية أموراً ومفاهيم عديدة في كافة نواحي حياتنا وأفكارنا ورؤانا, وجميع معاملاتنا وعلاقاتنا ‏الإنسانية، لذا وانطلاقاً من ذلك يتوجب علينا إعادة بلورة أفكارنا والعودة لحقيقة ديننا العظيم والسعي الدؤوب ‏لتقريب وجهات النظر وتيسير الأمور وبث روح الألفة والتسامح من أجل الوصول إلى عالم أفضل تسوده ‏الطمأنينة والاستنارة وتختفي فيه مظاهر القمع والاضطهاد وكل ما يسيء إلى جوهر الإنسانية.‏

ذو صلة