مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

غريزة العقل

ميز الله عز وجل الإنسان بالعقل ليصبح سيد الكون ومن ثم يحاسب على أقواله وأفعاله. هذا العقل أصبح طرفاً في ‏الصراع بين الفلسفة والدين، خصوصاً عندما أشار البعض إلى أن الفلسفة ضد الدين، في حين أنها قامت ‏باستخدام العقل لتأكيد حقائق الإيمان، وإن كانت قد جعلت له حدوداً لا يتجاوزها على الرغم من قدراته العديدة. ‏لقد أجمعت معاجم اللغة العربية على أن العقل يعني الإمساك والمنع، يمنع صاحبه عن التورط في المهالك. ‏
ومن الملاحظ أن العقل جذب اهتمام الكثيرين من المفكرين والفلاسفة المسلمين، ففي كتابه (الفصل في تحكيم ‏العقل) لابن حزم الأندلسي، إشارة إلى أن المنطق هو سليقة العقل الإنساني، وأن العقل يتفق مع المنطق. وكذلك ‏نجد تصويراً للعقل بأنه في حالة تطور طبيعي من حالة تحسيس في الظلام إلى أعلى ذروة في النظر الفلسفي ‏دون معرفة من الخارج، هذا ما تضمنته رسالة (حي بن يقظان)، ودعا الشاعر الباكستاني محمد إقبال في كتابه ‏‏(التجديد في الفكر الإسلامي) إلى تحكيم العقل، كما أشار الجاحظ إلى العقل: كتمان السر وحفظ اللسان، وما ‏تضمنه كتاب (الحدود في الأصول) لأبي الوليد الباجي (العقل هو العلم الضروري الذي يقع ابتداء ويعم العقلاء) ‏‏-العلم الضروري هو ما يلزم نفس المخلوق بحيث لا يمكنه الانفكاك منه ولا الخروج عنه-، وكطبيعة الأمور ‏اختلف العلماء في قضية مكان العقل في جسم الإنسان، فالأحناف والحنابلة قالوا إن العقل محله الدماغ -أي ‏الرأس-، ودليلهم على ذلك يزول العقل عندما يضرب الرأس ضربة قوية، وأشارت المالكية والشافعية إلى أن ‏العقل محله القلب؛ ودليلهم على ذلك استشهادهم بقوله عز وجل: (فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون ‏بها) (الحج: 46). ‏
ومن أشهر أقوال السلف في العقل، أن عبدالله بن المبارك عندما سئل: ما خير ما أعطي الرجل؟ قال: غريزة ‏العقل، وما ذكر الإمام الشافعي: العقل آلة التمييز، وما أشار إليه ابن تيمية: العقل يطلق ويراد به أربعة معان: ‏أحدها علوم ضرورية يفرق بها بين المجنون الذي رفع القلم عنه وبين العاقل الذي جرى عليه العقل فهو مناط ‏التكليف، والثاني: علوم مكتسبة تدعو الإنسان إلى فعل ما ينفعه وترك ما يضره، العمل بالعلم يدخل في مسمى ‏العقل أيضاً، بل هو من أخص ما يدخل في اسم العقل الممدوح، والغريزة التي بها يعقل الإنسان. ‏
مجمل أقوال الفلاسفة أن العقل جوهر بسيط مدرك للأشياء بحقائقها، وهو أيضاً قوة النفس التي بها يحصل تصور ‏المعاني وتأليف القضايا والأقيسة؛ فهو قوة تجديد تنزع الصور من المادة تدرك المعاني الكلية، وهذه القوة لها ‏مراتب: مرتبة العقل المستعد لإدراك المعقولات، مرتبة العقل بالملكة، مرتبة العقل بالفعل والعقل المستفاد.‏

ذو صلة