ميز الله عز وجل الإنسان بالعقل ليصبح سيد الكون ومن ثم يحاسب على أقواله وأفعاله. هذا العقل أصبح طرفاً في الصراع بين الفلسفة والدين، خصوصاً عندما أشار البعض إلى أن الفلسفة ضد الدين، في حين أنها قامت باستخدام العقل لتأكيد حقائق الإيمان، وإن كانت قد جعلت له حدوداً لا يتجاوزها على الرغم من قدراته العديدة. لقد أجمعت معاجم اللغة العربية على أن العقل يعني الإمساك والمنع، يمنع صاحبه عن التورط في المهالك.
ومن الملاحظ أن العقل جذب اهتمام الكثيرين من المفكرين والفلاسفة المسلمين، ففي كتابه (الفصل في تحكيم العقل) لابن حزم الأندلسي، إشارة إلى أن المنطق هو سليقة العقل الإنساني، وأن العقل يتفق مع المنطق. وكذلك نجد تصويراً للعقل بأنه في حالة تطور طبيعي من حالة تحسيس في الظلام إلى أعلى ذروة في النظر الفلسفي دون معرفة من الخارج، هذا ما تضمنته رسالة (حي بن يقظان)، ودعا الشاعر الباكستاني محمد إقبال في كتابه (التجديد في الفكر الإسلامي) إلى تحكيم العقل، كما أشار الجاحظ إلى العقل: كتمان السر وحفظ اللسان، وما تضمنه كتاب (الحدود في الأصول) لأبي الوليد الباجي (العقل هو العلم الضروري الذي يقع ابتداء ويعم العقلاء) -العلم الضروري هو ما يلزم نفس المخلوق بحيث لا يمكنه الانفكاك منه ولا الخروج عنه-، وكطبيعة الأمور اختلف العلماء في قضية مكان العقل في جسم الإنسان، فالأحناف والحنابلة قالوا إن العقل محله الدماغ -أي الرأس-، ودليلهم على ذلك يزول العقل عندما يضرب الرأس ضربة قوية، وأشارت المالكية والشافعية إلى أن العقل محله القلب؛ ودليلهم على ذلك استشهادهم بقوله عز وجل: (فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها) (الحج: 46).
ومن أشهر أقوال السلف في العقل، أن عبدالله بن المبارك عندما سئل: ما خير ما أعطي الرجل؟ قال: غريزة العقل، وما ذكر الإمام الشافعي: العقل آلة التمييز، وما أشار إليه ابن تيمية: العقل يطلق ويراد به أربعة معان: أحدها علوم ضرورية يفرق بها بين المجنون الذي رفع القلم عنه وبين العاقل الذي جرى عليه العقل فهو مناط التكليف، والثاني: علوم مكتسبة تدعو الإنسان إلى فعل ما ينفعه وترك ما يضره، العمل بالعلم يدخل في مسمى العقل أيضاً، بل هو من أخص ما يدخل في اسم العقل الممدوح، والغريزة التي بها يعقل الإنسان.
مجمل أقوال الفلاسفة أن العقل جوهر بسيط مدرك للأشياء بحقائقها، وهو أيضاً قوة النفس التي بها يحصل تصور المعاني وتأليف القضايا والأقيسة؛ فهو قوة تجديد تنزع الصور من المادة تدرك المعاني الكلية، وهذه القوة لها مراتب: مرتبة العقل المستعد لإدراك المعقولات، مرتبة العقل بالملكة، مرتبة العقل بالفعل والعقل المستفاد.