مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

فلسفة المسلمين

بينما أنا أطالع مجلتكم الرائدة (المجلة العربية) في عددها 440 استوقفني المقال الموسوم (فلسفة اليونان وأثرها على بنية الفلسفة الإسلامية) فوقفت حياله مليّاً أتصفحه لكن سرعان ما غاضني هذا المقال, وباعتباري باحثاً في الفكر الإسلامي يحق لي أن أبدي موقفي مما دبجه الكاتب بقلمه من أجل تفنيد هذا الادعاء الموهوم، إذ يرى الكاتب عبدالمجيد الانتصار أنَّ الفكر الفلسفي اليوناني كان له فضل على تشكيل الفلسفة الإسلامية باعتبار أنَّ مفاهيم أفلاطون وأرسطو وغيرهما شكلت عقلية الفيلسوف المسلم، ولنا أن ندحض الافتراءات التي ساقها الكاتب في مقاله فنقول إنَّ منهج الفكر الإسلامي كان قد تشكل وتكامل قبل ترجمة الفلسفة اليونانية وهذا دحض للشبهة المشار إليها, ذلك أن الفكر الإسلامي يتعارض مع الفلسفة اليونانية التي غابت من دنياها الأخلاق وتوارى عنها التوحيد فضلاً عن تعارض الإسلام مع المذهب العبودي الذي هو حجر الأساس في الفلسفة اليونانية بعامة. ومن ثمَّ نرى جلياً أن الإسلام قدم للمسلمين منهجاً أصيلاً يعبر عن أصالته ويرفض تبعيته لأي فلسفة دخيلة تصادمه. ولقد ساق الكاتب منتصراً لرأيه أسماء لفلاسفة انتسبوا للإسلام ليبرهن بذلك على صحة ما ذهب إليه أمثال: الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد.. فهؤلاء كما يقول المفكر الإسلامي أنور الجندي (مجرد امتداد للروح الهيلينية في العالم الإسلامي وأن علماء المسلمين هم علماء الأصول والفقهاء وعلماء الكيمياء والطبيعة والطب...) فإذن الفلاسفة الذين ذكرهم صاحب المقال لا يمثلون المسلمين في شيء.
وهاهم علماؤنا الأفذاذ أمثال شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية الذي ردَّ على منطق اليونان، وها هو ذا حجة الإسلام أبو حامد الغزالي الذي أعلن أن الفلاسفة عجزوا في الإلهيات عن الوفاء بالبراهين التي اشترطوها في المنطق ولا يعزب عن الذاكرة أن العلامة ابن خلدون تصدى لابن رشد لما أعاد فلسفة أرسطو وأحياها في المغرب, فقد هاجم ابن خلدون (وهو من المغرب أيضاً) الفلسفة اليونانية, وجرى مجرى الغزالي وابن تيمية.
بقي هنا أمر يجب ألا يفوتنا الحديث عنه وهو أن الفلسفة اليونانية التي نقلت إلى العربية قام بترجمتها النساطرة الذين استعانوا بها في تأييد المسيحية وأنها ليست هي الفلسفة اليونانية الأصلية وإنما هي فلسفة شوهتها النصرانية، فضلاً عن ذلك فقد أشار كثير من الباحثين إلى فساد النقل وأشاروا إلى أن (الانتحال) كان بضاعة رائجة عند القدماء في القرون الوسطى على السواء؛ وأظهروا أن هناك كتباً نقلت إلى العربية كتلك التي نسبت إلى أفلاطون وهي ليست له ككتاب الروابيع. 
 وبالجملة فإن ما جاء في المقال لا يستسيغه المثقف المسلم؛ ولست أدري ما الذي حمل الكاتب على أن يفوه بما لا يثبت أمام منهج تراث المسلمين الذين رفضوا أن يعبث بفكرهم فلسفات وأيديولوجيات تتصادم مع فكرهم الذي استمدوه من دينهم. 
ذو صلة