مكانة الذئب عند العرب لا تقل عن مكانة الليث في الضواري والنسر في الكواسر والناقة بين السوائم.
ويرى المعتقد الشعبي أن الذئب إذا اعترض طريق الإنسان من اليمين انتصر عليه الإنسان، وإذا اعترضه من اليسار انتصر الذئب على الإنسان.
والذئب لا يهاجم الإنسان، ويتجنبه قدر استطاعته، ولا يهاجمه فرداً لفرد ولكن قد تهاجمه مجموعة عند الجوع الشديد.
وضع العرب في الأحرف الثلاثة التي صاغوا منها مصطلح دلالة مشعة تتوضح من خلالها خصائص الذئب في الخَلق والخُلق، فالذال والهمزة والباء أصل واحد يدل على قلة الاستقرار، ومن هنا سمي الذئب -الحيوان كثير الحركة الذي لا يستقر بمكان- بذلك. ويقول صاحب اللسان في مادة (ذأب) قالوا: (رماه الله بداء الذئب)، يعنون الجوع (يقال إن الذئب يتحمل من الجوع ما ليس له مثيل إلا الأسد)، لأنهم يزعمون أنه لا داءَ له غير ذلك.
اتخذ العرب الذئب رمزاً للصوص وقطاع الطرق والمارقين والدهاة. وفي القاموس: (ذؤبان العرب لصوصهم ورعاعهم). وتعني كلمة ذؤبان أيضاً صعاليكهم وشطارهم أو قطاع الطرق وقراصنة الصحراء. وقد عُرفت هذيل بين العرب بالصعاليك الذؤبان. وضربوه مثلاً للغدر ومعايشة النفاق، ورمزوا به عن الأشخاص الذين لا تهمهم إلا مصالحهم الخاصة.
ومع ذلك فالذئب حيوان أصيل في صحراء العرب ولغتهم. كما أن للذئب أثره العميق في تفكير العرب وخيالهم فمنه اشتقت أسماء وأفعال وصفات ومن حركاته وخُلقه استعيرت رذائل وفضائل ألصقت بالبشر وبه ضربت الأمثال في الغدر والحذر والمكر. ومن مسلكه استلهم الشعراء العرب كثيراً من صور الفخر والهجاء.
فلم يكن الذئب في أغلب الأحيان الحيوان البغيض، فقد أكبر العرب فيه الصبر والبأس، وحقروا الغدر، وجعلوا مضاءه رمزاً للرجولة والشرف، وعلة ذلك قسوة الحياة في الصحراء وتقرير القوة والأقوياء، وشيوع الغزو الذي سوغ مسلك الذئب، وجعله أحد الصعاليك من الذين ينتزعون قوتهم بقوتهم.
وقد ألف الإنسان العربي الشهم في صحرائه الواسعة الذئب وضيفه وأصبحت هذه الألفة حقيقة شائعة وصارت موضوعاً مهماً لقصائد عديدة في شعرنا العربي القديم نرى ذلك من خلال العديد من القصائد الشعرية العربية التي تتناول كيف وجد الشاعر في نفسه هذا الضيف الطارئ -الذئب- وكانت الصحراء باتساعها وإيحاشها إطار اللقاء بين ذئب جائع بلا زاد وإنسان خائف ذي زاد، فإذا ترك الذئب أنيابه جانباً فليس أجدر منه في مشاركة الإنسان في طعامه فالجوع لا يليق بأحد حتى لو كان ذئباً.
وتضييف الذئب في الشعر العربي ليس كله محض خيال وأوهام شعراء، فالذئب الجائع لا يروم أكثر من الطعام، فإذا قدم له وشبع، ترك صاحبه وولى، أما مصاحبته ومرافقته وقتاً طويلاً، فقد اختلطت فيها الحقائق بالأوهام، فمنها ما يمكن تصديقه، ومنها ما هو محض أوهام وخيالات شاعر.
وفي هذه المعمورة ضوارٍ أقوى وأكثر فتكاً من الذئب ولكنها لا تمتاز بخصائصه ولا تجاربه في الخبث والدهاء، لذلك احتل هذه الشهرة من بين حيوانات الأرض جميعها، وصار مضرب الأمثال في الدهاء والفطنة والحذر، وبالغوا في حذره حتى تصوروه ينام بعين واحدة ويترك الأخرى مفتوحة تحرسه وفي ذلك قال حميد بن ثور قولته المشهورة:
ونمتُ كنوم الذئب في ذي حفيظةٍ
أكلت طعاماً دونه وهو جائع
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي
بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع
والذئب متوحش بطبيعته حتى ولو ربّيَ صغيراً بين الناس، فطبيعته الشرسة ترجع إليه غريزياً فقد حكى الأصمعي أنه مرّ ببعض الأحياء فوجد عجوزاً وبجانبها شاة مقتولة وذئب مقطع الأوصال فسألها عن السبب فقالت: الذئب ربيناه صغيراً، ولما كبر فعل بالشاة ما ترى، وأسمعت الأصمعي أبياتاً من الشعر قالت فيها عن الذئب:
بقرتَ شويهتي وفجعت قلبي
وأنت لشاتنا ولد ربيب
غذيت بدرها وربيت فينا
فمن أنباك أن أباك ذيب
إذا كان الطباع طباع سوء
فلا أدبٌ يُفيدُ ولا أديبُ
ولتأثر العرب بالذئب أطلقوا عليه أسماء وكُنى كثيرة، واهتمام العرب بحفظ أسماء الذئب يرجع إلى أثره فيهم من نهب وقتل وخطف لأغنامهم ومواشيهم على مرّ العصور، فهو عدوهم اللدود، يذكرونه أكثر مما يذكرون أعداءهم، وما كان ذلك إلا لكثرة بوائقه فيهم، فمن أسمائه: السرحان، والأطلس، وأويس، ويسمونه أيضاً (أم عامر)، والسيّد (السيد عند سائر العرب هو الذئب عدا هذيل فيعني عندها الأسد، والذئب في لغة هذيل أيضاً هو السبع) والعملّس، والخاطف وذؤالة، ويكنّى الذئب عند العرب بأبي مذقة وأبي جعدة (وهي الشاة)، ومن كناه أيضاً: أبو ثمامة وأبو جاهد وأبو رعلة وأبو سلعامة وأبو العطاس وأبو كاسب وأبو سبلة.
ويُعادي كثير من الناس الذئب لأنه يفتك بحيوانات المراعي والمزارع، فكثيراً ما يضطر الذئب إلى مهاجمة المراعي والمزارع للحصول على غذائه، فينقض على الأغنام الصغيرة أو العجول الرضيعة وغيرها من حيوانات المزرعة، ليهرب بإحداها وينجو بوليمة دسمة إذا لم تصله رصاصات أصحاب المزارع، كما يُعادي كثير من الصيادين الذئب لأنه يهاجم ويقتل حيوانات الصيد، مثل الآيل والغزال. وهناك اعتقاد خاطئ بأن الذئب يهاجم الإنسان، مع أن الذئاب تتجنب الناس قدر استطاعتها، ولا تهاجم الإنسان فرداً لفرد ولكن قد تهاجمه مجموعة عند الجوع الشديد، وعلى العموم فإن ذلك لا يحدث إلا نادراً حيث تهرب الذئاب من الناس رغبة في العيش بعيداً عن المشاكسات والأضواء وأصوات الآلات، وكذلك رصاص الآدميين وفخاخهم التي تنهي حياتها، لتفوز بها فراءً ثميناً على أكتاف النساء.
وفي بعض الدول التي تُحَرّم صيد الذئاب أو قتلها للحفاظ على التوازن البيئي، تعوض الحكومة أصحاب المزارع عما يلتهمه الذئاب من حيوانات المزرعة، فلا يتعرض لها أحد ولا يشعر بوجودها أحد، إلا من حدوث نقص في أعداد الحيوانات.
الذئب في الأساطير العربية
يحتل الذئب مكانه خاصة في عالم الإنسان الروحي، كيف لا وهو نوع من السباع رفض التدجين وأصر على الاحتفاظ بحريته الغريزية، ولقد أنتجت هذه العلاقة الغريزية المتنافرة بين الإنسان والذئب أساطير ووعياً إنسانياً رمزياً صار فيهما لكلمة الذئب دلالة غير متطابقة مع موضوعها فقد تحولت إلى مفهوم متعدد الدلالات كالشر والغدر والشراسة والتوحش، إلى جانب الجرأة والصبر والشجاعة.
أسطورة الرجل الذئب والعواء في القمر المكتمل
الذئب من أكثر الحيوانات التي دارت حولها الحكايات والأساطير في العديد من المجتمعات والمعتقدات الشعبية، ففي العهد القديم يرمز الذئب للشيطان، وفي كثير من الثقافات دارت حوله الحكايات المخيفة، أشهرها أسطورة الرجل الذي يتحول ذئباً في الليالي القمرية، فيقتل ويمص الدماء، وهو ما يفسر به البعض عواء الذئاب ليلاً كلما اكتمل القمر بدراً في أواسط الشهور العربية.
والحقيقة أن الربط بين الذئب والقمر في أسطورة (أصبحت في نهاية المطاف معتقداً شعبياً شائعاً) خطأ علمي لأن علماء الطبيعيات لم يجدوا علاقة بين حالة القمر وعواء الذئب، فالذئاب تعوي أثناء الليل لأنها مخلوقات ليلية، أما لماذا ترفع وجوهها باتجاه القمر والنجوم عندما تعوي فذلك لأن توجيه الصوت إلى أعلى يسمح له بالوصول لمسافات أبعد، وعواء الذئاب هو عبارة عن وسيلة اتصال عبر المسافات الطويلة، تنقل معلومات مختلفة، وتبلغ المسافة التي يستطيع صوت الذئب أن يقطعها حوالي 12 كيلومتر.
وقد حدد العلماء أسباب عدة لعواء الذئب أجملوها في الآتي:
- دعوة القطيع للقاء.
- إشارة للقطيع لمعرفة الموقع.
- تحذير للذئاب من خارج القطيع من الدخول إلى منطقة القطيع الخاصة.
- البحث عن رفيقات في موسم التزاوج.
- العواء يعبر عن حجم الذئب وصحته فتقوم الذئاب بتدريب أصواتها لجذب الإناث.
- تعوي الذئاب معاً كجوقة وبنغمات مختلفة، هذا العواء الجماعي يمكن أن يحمي القطيع لأن هذه الطريقة في العواء تخدع المستمع فيتوهم أن هناك عدداً أكبر من الذئاب.
أسطورة الذئب والجن
تقول الأسطورة إن الذئب أقوى مخلوق على الأرض لكنه لا يعرف ذلك، وإن الذئب الكائن الوحيد الذي تخافه الجن بسبب حدة نظره وبريق عينه الذي لا ينطفئ حتى بعد موته (تقول الأسطورة العربية: إن الذئب يأكل الجن. ورغم أن تلك المقولة لا دليل عليها بالنفي أو الإثبات، إلا أنها تنتشر في كثير من المناطق العربية كثقافة شعبية سائدة، لذا يستهدف العرب الذئب ويعلقونه أو يحبسونه في مزارعهم لمنع الجن، والبعض الآخر يتخذه وسيلة لشفاء الممسوس والملبوس والمتأثر بالجان وعالمهم الخفي)، كما تقول الأسطورة إذا وقعت عين الذئب على جني فإنه لا يحول عنه بصره بل يثبت نظره عليه بشكل تام، ولو فصل بينهما وادٍ لدار الذئب حوله، حتى لا يجعل هذا الجني يغيب عن عينه حتى يأكله، هذا الاعتقاد السائد لدى الكثير من العامة -أن الذئب يأكل الجن- يجعلهم فور اصطياد الذئب وتعليقه يبادرون بالحصول على ذيله وجلده لطرد الجان، كما يقوم بعض الرعاة بقطع ذيل الذئب واستخدامه كعصاة لإخافة الأغنام وجمعها عند تفرقها لأنها تشم منه رائحة الذئب فتجتمع.
والذئب لا يأمن على نفسه من رفاقه، وقد جرت عادة الذئاب على أن تواجه بعضها بعضاً عندما تنام، وإذا ضعف الذئب أو جرح أكلته الذئاب، وإذا مرض الذئب فإنه يلجأ إلى مكان قصي بعيد عن الذئاب لأنه يعلم أنها ستأكله إذا علمت بضعفه.
وللذئب جلد قادر على التحمل، وهو صبور، كما أنه من لصوص الليل ينشط للقنص في الظلام، وينام في النهار، وأحب الطعام إليه الشياه، وما كان في حجمها من ماعز وظباء (إذا دنا الذئب من الغنم فإنه يعوي ويذهب إلى جهة أخرى ليخدع كلب الحراسة -الذئاب لا تخشي إلا من بعض أنواع الكلاب- فيذهب إلى الجهة التي سمع منها العواء، ثم يأتي لسلب الغنم والكلب بعيداً عنها، ويمسك بقفا الشاة ويضربها بذنبه حتى تعدو معه)، ولا يهاجم الإنسان إلا إذا جاع.
والذئب يشم رائحة دم البشر على بعد أميال بالصحراء والإنسان إذا أصيب وخرج منه دم في الصحراء يصبح هدفاً للذئب لا يستطيع الخلاص منه بسهولة.