مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

التكنولوجيا المزيفة والسقوط المريع

يعتقد البعض أنه امتلك العالم بين يديه حين استطاع أن يستعمل التكنولوجيا ويفك رموزها ومصطلحاتها، فيتوهم أنه أصبح متخصصاً في مجالات المعرفة متقناً لها، لكنه في الحقيقة واهم، يراهن على عامل الزمن عله ينصفه فيما يرمي إليه.
والحقيقة أن المعرفة لا تعطي أسرارها إلا لمن يتعمق في سبر أغوارها، فمن المهم أن نتعرف على التقنيات الحديثة ونوظفها في خدمة المعرفة التي نريد، ولكن لا يعني ذلك الانسلاخ عن الثقافة والرهان على التكنولوجيا فقط، إنما الأمر يستدعي المواءمة بين الثقافة والتقنية فتكون هذه في خدمة تلك، وتكون النتيجة هي الهدف الأسمى الذي نسعى إليه. أما أن نربط تطورنا بالتقنية وحدها فهذا وهم نمنّي أنفسنا به لا يسمن ولا يغني ولا يصل بنا إلى الرضا التام عن أعمالنا.
فنحن في هذا العالم لسنا وحدنا، فالتطور أمر مشروع علينا أن نسير في ركابه، لكن لا يمكننا أن ننسى دورنا في ترسيخ قدراتنا الثقافية والمعرفية في المجال المطلوب، حتى تتحقق المنفعة والمنعة العلمية والثقافية، لا أن نبقى في مهب الريح نعتقد أننا فزنا من خلال التقنيات بكل شيء، بينما نحن نهمل ترسيخ العلوم الإنسانية في مجالاتها الحقة، وكي نتصالح مع أنفسنا علينا أن نتعمق في قراءة الذات الفردية والجمعية وأن نستفيد من كل ما توفر لنا لنقدمه للأجيال بطريقة سلسة وعلمية ونمكنهم من إدراك أنفسهم بوعي ومسؤولية، فنكون بذلك قد حققنا فوزاً على الذات المنقوصة وأنانيتها الخاطئة، ورسمنا معاً طريق الخلاص للأجيال التواقة إلى التغيير المنشود، وصغنا من تجليات الحاضر انطلاقة واعية إلى المستقبل القابل للحياة والتطور، وتخلصنا من الوهم والسقوط المريع، وأوجدنا أسساً صالحة لبناء الحضارة التي نريد، بعيداً عن الفوضى والانفلات اللذين لا يقدمان لنا إلا الجهل والتخلف، بينما نحن نسعى لإدراك أهدافنا المسكونة بالموضوعية والعقلانية والإبداع السامي، الذي نحتاجه في مسيرة العطاء الحقيقية والنبض المستدام، على أن تذكرنا الاجيال بالخير، لما نقدم لها من إبداعاتنا الخصبة بكل أنواع الثقافة الشاملة والعلم الوفير. إن الحياة تتطلب منا أن نقدم النصيحة، وننتج المعرفة، ونستلهم من الحاضر أفقاً لمستقبل نريده أن يحمل الخير لأبنائنا في تكثيف المعارف وتنشيط دور القيمين على المناخات الأدبية والعلمية المتنوعة للوصول إلى المنعة والسؤدد في وجود يدعونا دائماً لمواكبته.

ذو صلة