كانت ومازالت إحدى المدن الشهيرة في سلطنة عُمان، ومن أبرز العواصم السياسية والتجارية لعُمان عبر التاريخ. إنها مدينة صحار تلك المدينة العريقة في محافظة شمال الباطنة والتي تتميز بموقعها الإستراتيجي المهم على بحر عُمان.
تشتهر مدينة صحار بوجود العديد من المعالم التاريخية والأثرية بين جنباتها، ومن أبرز معالمها الأثرية، قلعتها الشهيرة التي اختلفت المصادر التاريخية في تحديد عهد تشييدها، حيث تذكر بعض المصادر أنها بنيت في عهد عُمان بن قحطان، فيما تنسبها مصادر أخرى إلى عهد مالك بن فهم الأزدي، وهناك رأي ثالث ذكر أن من قام بتشييدها هو الجلندي بن المستكبر، وفي هذا إشارة إلى أن تاريخ بناء القلعة يعود إلى فترة ما قبل الإسلام.
إلا أن الحفريات الأثرية المكتشفة حول القلعة في عام 1980م بينت أن تاريخ بنائها يرجع إلى القرن الرابع عشر الميلادي في الطرف الجنوبي من المدينة، وأن أمراء مملكة هرمز هم الذين قاموا ببنائها وذلك خلال عهد حكم ملوك النباهنة لعُمان.
حيث تشير المصادر إلى أن مبناها الأصلي شيد بأمر من أمير هرمز خلال فترة حكم الأمير بهاء الدين أياز (1291 - 1311م) حين امتد نفوذه إلى الجانب المطل على بلاد فارس الممتد من مضيق هرمز إلى ميناء قلهات في عُمان.
ومن خلال آثار المبنى الأصلي الموجود في موقع القلعة الحالية يتضح لنا أن التحصين الأقدم كان عبارة عن مبنى مربع الشكل محاطاً بجدران يصل ارتفاعها إلى 45م من جميع الجهات، وأنه كان مبنياً من الطوب المحروق وعليه طوب من الطين، كما كان لهذا التحصين برجان ضخمان عند طرفيه. كما عثر على بقايا منازل يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر للميلاد تحت أساسات جدران القلعة الحالية.
ودلت الاكتشافات الأثرية في القلعة إلى وجود حضارة مزدهرة في هذه المنطقة، ويؤكد ذلك ما ذكرته دائرة المعارف الإسلامية من وصف قصر أمير صحار: (أهم عماير المدينة قصر أميرها وقد زين زينة فاخرة، وبه عقود وأعمدة مستديرة رفيعة وأقبية متعارضة وأبراج وشرفات بارزة. ويقوم القصر على ربوة صغيرة داخل المدينة، ويحيط به سور وخندق يمكن عبوره على جسر يؤدي إلى الباب الكبير الداخلي، وعلى السور بعض مدافع الميدان القديمة وأربعة مدافع ضخمة أمام المدخل وثمة ميدان مكشوف أمام القصر غرست فيه أشجار تمتد على ساحل البحر. والبلدة محاطة بأسوار لا تزال تقوم عليها بعض المدافع القديمة، ويحميها خندق من جهة البر).
وقد شهدت القلعة استقبال حاكمي عمان عبد وجيفر ابني الجلندي لعمرو بن العاص مبعوث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عام 9هـ/ 630م لدعوتهما إلى اعتناق الإسلام، وبهذا تعد صحار العاصمة الأولى في عُمان التي استقبلت رسالة الإسلام ودخلت فيه طواعية.
وقد أدخلت على القلعة عدة تعديلات في العصور اللاحقة سواء من قبل العرب أو البرتغاليين الذين احتلوا السواحل العُمانية بما فيها صحار في مطلع القرن السادس عشر الميلادي تحديداً عام 1507م، ويعتقد أن تصميم حصن صحار كان الركيزة التي اعتمد عليها البرتغاليون في أبنيتهم الحربية في منطقة الخليج.
وترك لنا القائد البرتغالي ألفونسو دي ألبوكيرك Alfonso Albuquerque وصفاً للقلعة ذكر فيه بأنها مربعة الشكل بها ستة أبراج تحيط بها، كما يوجد بها برجان كبيران عند البوابة، وتحتوي على آبار عذبة وتتسع لنحو 300 جندي وكان يطوقها جدار، ويوجد بها مساحة مفتوحة تمتد حتى البحر مخصصة للموكب والاستعراضات العسكرية.
في 1621م أعاد القائد البرتغالي جواو دي سوزابینل Joao de Souza Pinel بناء القلعة، واستبدل الحجارة بالطوب القديم لتقوية المبنى، وأضيف لمبنى القلعة برجان عند الجهة المقابلة للبحر، وتم تقليص المسافة بين الجدار والقلعة من 150 إلى 70م أي إلى أقل من النصف تقريباً. وكانت القلعة تحتاج إلى أكثر من ألف رجل لتأمين الحماية لها.
وتظهر رسومات البرتغالي دي ریسنده De Resende التي تعود إلى عام ۱۹۳۰م مبنى القلعة على شكل مستطيل بجدران مبنية من الحجر السميك وأبراج عند كل زاوية من زوايا المبنى.
بقيت قلعة صحار في أيدي البرتغاليين حتى عام 1643م عندما حاصر الإمام ناصر بن مرشد اليعربي المدينة والقلعة، وتمكن من طرد البرتغاليين من صحار. وفي عهد الإمام ناصر بن مرشد أدخلت على القلعة بعض التعديلات.
ومع بداية تأسيس الدولة البوسعيدية في عهد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي تم إضافة أبراج أخرى لها عام 1747م، كما قام والي صحار في عهد السلطان فيصل بن تركي، محمد بن أحمد بن هلال بتجديدها عام 1902م، ثم جددت مرة أخرى في 1958م وذلك إبان حكم السلطان سعيد بن تيمور، وفي عهد جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- تم ترميمها، وحولت إلى متحف عام 1993م يروي التاريخ الحافل لمدينة صحار بشكل خاص وتاريخ عُمان بشكل عام.
يحتوي متحف القلعة على معروضات يسرد الجوانب المهمة من تاريخ صحار عبر العصور خصوصاً ما يتعلق بتجارة النحاس القديمة التي يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، والجوانب البارزة في العلاقات الدبلوماسية والتجارية التي جمعت عُمان مع الحضارات الأخرى وبشكل خاص مع الصين، إضافة إلى وصف للفترة التي كانت فيها صحار عاصمة عُمان خلال منتصف القرن.
كما يحتوي على نماذج من الصناعات التقليدية التي اشتهرت بها صحار مثل: السلال والأدوات التقليدية المصنوعة من سعف النخيل والقصب والفخار والأدوات النحاسية.
وأبرز محتويات القلعة هو ضريح السيد ثويني بن سعيد البوسعيدي الذي حكم عمان بين عامي (1856 - 1866م). كما تتميز القلعة بوجود نفق يمتد بطول ۱۰ كلم باتجاه الغرب من داخل قلعة صحار، حيث مثل النفق آنذاك الطريق الرئيس لإرسال التعزيزات والإمدادات خلال فترات الحصار التي تعرضت لها صحار في العصور المختلفة.