مجلة شهرية - العدد (581)  | فبراير 2025 م- شعبان 1446 هـ

المجلة العربية.. تعزيز الأمن الثقافي العربي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد..
فإن أمتنا العربية تواجه في الأزمنة الأخيرة تحديات كبيرة متمثلة في اتجاهات عدة تحاول إدخال مجموعة من الأفكار والأطروحات والسلوكيات الغريبة عن مجتمعاتنا، وجعلها مكونات لبناء ثقافيّ واجتماعيّ غريب عن أمتنا، هذا إلى جانب محاولات لنشر صورة مشوهة عن حضارتنا وهويتنا وثقافتنا العربية، تمهيداً لإحداث قطيعة بين شبابنا وأصولهم ومنظومتهم القِيمية.
وإننا ونحن في قلب تلك التحديات، وفي غمار معركتنا المستمرة حول الحفاظ على هويتنا، لا ننسى كل قلم ولسان ساهم بجهده وعلمه في نشر الثقافة العربية، وإحياء أصولها في عقول شبابنا ووجدانهم، وآمن بمدى أهمية الثقافة وقيمتها في مجتمع له خصوصيةٌ معرفيةٌ وإرثٌ حضاريٌّ كبير، تمثل ثقافته مرآته التي تظهر قِيمه الاجتماعية وثوابته الفكرية.
وإننا اليوم نحتفل بإحدى تلك الأيادي البيضاء التي مرَّ على عطائها المتتالي خمسون عاماً في تعزيز الثقافة العربية ومواكبة الأعمال الأدبية وإثراء المجال الثقافي العربي بالعديد من الدراسات والمناقشات الأدبية والثقافية.
لقد استحقت المجلة العربية اسمها بجدارة، وأثبتت أصالتها وصدق انتمائها لأمتنا العربية على مدار خمسين عاماً، صدرت فيها بشكل شهريّ، وحافظت على تنوّع موضوعاتها الثقافية، وشمولها لكافة القضايا والمواضيع المؤثرة، كما شجعت المجلة المشاركات الإبداعية من قراء المجلة في أبواب الأدب العربي ومجالاته، كالقصة القصيرة والشعر، وكل ذلك في إطار من التفاعل الذي حرصت عليه المجلة دائماً مع قرائها خلال صفحات ساحة الحوار التي تتواصل فيها المجلة مع قرَّائها.
ولم تكتف المجلة بهذا الجهد بل أرادت تطوير أدواتها المستخدمة في نشر الثقافة العربية، فتوجهت نحو إصدار سلاسل من الكتب بشكل منتظم في مجال التراث الثقافي والكتب المترجمة وحتى الكتب الموجهة إلى الأطفال بفئاتهم العمرية المختلفة، وغير ذلك الكثير.
لقد انطلقت المجلة العربية بصدور عددها الأول عام 1975م، ومنذ ذلك الحين والقائمون عليها يعلمون تماماً أن الثقافة مكون مكتسب لا ركيزة فطرية، وأننا قادرون على تحسين الوضع الثقافي داخل بلداننا العربية بتطوير أساليبنا والابتكار فيها، والعزم على نشر رسالتنا مؤمنين بمدى جدواها في بعث الحضارة العربية والإسلامية من جديد.
إننا نحتاج اليوم -وبشكل أكثر من أي وقت مضى- إلى تعزيز أمننا الثقافي، والذي لا يقل أهميةً بحال من الأحوال عن تحقيق أمننا الاجتماعي والغذائي وحتى العسكري، وذلك الأمن الثقافي لن يتم إلا بالحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية، لاسيما ونحن اليوم نواجه أزمات متلاحقة من تبدل القيم والسيولة الأخلاقية.


*مفتي جمهورية مصر العربية           *رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم

ذو صلة