يطالعنا الدكتور الصيني في مقالته (راحلون وسط الصخب) في العدد (422) من (المجلة العربية)، بموضوع مهم ألا وهو رحيل المبدع وسط صخب تعيشه الأمة، وخصوصاً الراحلون في عام (2011)، لما لهذه السنة من خصوصية في تضمنها لأحداث جسام غطت على الكثير من أحداث غيرها.
فالمبدعون بما يمتازونه من خصوصية مكانتهم كرافدين للحركة الفكرية والإبداعية الإنسانية، تفقد الإنسانية بفقدهم جزءاً من ينابيع إثرائها، ورافداً مهماً من روافد مخزونها وتراثها وتكوينها الحضاري والإنساني.
ورحيلهم لا يشكل رحيلاً عادياً وإن كان يطغى عليه الضجيج، فإن صمت رحيلهم يخلق في نفوس المقدرين لقيمتهم مأساة رحيلهم، أولئك الذين كانوا يثرون الحياة بنتاجهم الذي يصنع للحياة مفاهيمها المعاشة، ويصنع منها سلالم ارتقاء في المعنى والمبتغى، لتتحرك تلك المعاني راسمة للحياة ألوانها ومعانيها وإبداعاتها.
تودعهم القلوب والعيون بصمت المستشعر بالفقد. منهين بذلك مابدؤوه من أعمال إبداعية، ونتاجات فكرية وإنسانية، وذكريات تعصف بالأمكنة والأزمنة والأشياء، وأمنيات بمنتجات جديدة يحد منها الموت ذلك الموت قاطع طريق يوقف مسيرة الحياة ليقف كل مبدع عند حال قد يكملها مبدع جديد ولد للحياة بروح جديدة تستمد من الماضين ما يؤهلها لغدها الحالم.
وقد لا يحتفل بولادة مبدع مهما كان نوع إبداعه كما في الماضي، لكنه يفرض فيما بعد ولادته شكل ولون إبداعه على الحياة والناس، لأن الإبداع لا يمنعه الإهمال وعدم الاهتمام، فالمبدع ينتج والحياة تتلقف وتنشر وتوزع، ويكفي المبدع إكراماً خلود اسمه على ما يستمر من حياة تلي ولادته.
وقد تكون حياة جديدة تبدأ برحيل المبدع، تبدأ في البحث عن أهمية وجوده في الحياة وعن فجيعة فقده وعن النبش في تفاصيل حياته التي قد تكون غير مسلط عليها الأضواء حين الحياة، ليسلط عليها في فقدها ولتكون تلك الحياة مثالاً يحتذى وطريقاً يسلك.
ولكن على الرغم من أن المبدع في حياته يسهم في إكرام ذاته بفرض وجوده بإنتاج مميز يفرض على الحياة المبدعة، إلا أنه يحتاج لدعم الذين يضنون بأنهم مناصري الإبداع والمهتمين بشأنه، إننا نفرض إيقاعنا على الحياة بإبداع مبدعينا لذلك ليس من المفترض إهمالهم أو عدم الاكتراث بهم أحياء وتمجيدهم عند الرحيل.
ومهما يكن الصخب المرافق لموت المبدعين يغطي على موتهم فإنهم يتجاوزون ذلك الضجيج، فقد ينتهي الضجيج يوماً لكن الإبداع يتعالى يوماً بعد يوم متجاوزاً كل ضجيج.