مجلة شهرية - العدد (582)  | مارس 2025 م- رمضان 1446 هـ

التوحيدي والألفية الثالثة

رغم شهرة أبي حيان التوحيدي التي تعدت الحدود وتجاوزت كل الأقلام باعتباره أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء بمنهجه العلمي المتميز الذي جمع بين ألوان وفنون كثيرة من النقد والإبداع إلا أنه مازال حتى ألفيتنا الثالثة مجهول الهوية فالبعض يزعم أنه فارسي وآخر بغدادي وغير ذلك كما جاءت سيرته لنا عبر ترجمة ياقوت الرومي التي حملت صفة المجهول بالنسبة لهويته سواء كانت عربية أو فارسية أو غير ذلك لكننا نقف من الرجل الأديب موقفاً مختلفاً باعتباره رسالة تستحق الدراسة من زوايا كثيرة لتعدد مواهبه وميوله المزاجية التي عرف بها وغير ذلك من الثوابت والمتغيرات في شخصيته المتقلبة والمتعمقة في عالم وتاريخ.
ومن بين تلك الآراء التي تحمل العديد من المتناقضات في شخصية أبي حيان التوحيدي وتصفه لنا بالخسة والضعف بدلا من المروءة والقوة كما ذكر عنه في معجم الأدباء لياقوت الرومي بقوله: إنه كان سخيف اللسان.. قليل الرضا.. عند الإساءة إليه والإحسان الذم شانه والثلب دكانه!
ومن الثابت أن التوحيدي كتب كتابا بأكمله في ذم الوزيرين ابن العميد وابن عباد وذلك بعدما ضن بهما وضاقت به السبل للخروج من عتمة الفقر المرير ويئس من جواب فما هو البديل لمن اتهمه دون سند حقيقي من وعي وألمعية فكر ؟ لأن الوزيرين أذاقاه الذل والهوان بلاحدود وما أقسى الذل والحصار النفسي على العقل البشري سواء كان صاحبه أبا حيان التوحيدي أو غيره من البشر، كما وصف بالزندقة والكفر كما أشاع عنه أليس أبو الفتح بن فارس بين العامة من الناس الذين يرددون بلا أدني تفكير ؟
ويقال ضمن مايقال عن التوحيدي إنه تعرض بالاتهام والتجريح لصديقه ( مسكويه ) لسبب علمي وهو تعلق مسكويه بعلم الكيمياء ومن هنا نجد شكاً ونحن نفكر بعقلية الألفية الثالثة ونفتح باب الحوار للفيلسوف أبي حيان التوحيدي فنجده يرفض التعليق مكتفيا بقوله إن مسكويه أستاذ لي، ولنا في طابور لاينتهي من التهم المبنية على صورة فقط ؟
ونجده عبر هذه السطور يطالعنا بمكنونه النفسي تجاه صديقه ( أبي الوفاء المهندس ) بقوله هذه الأبيات الشعرية لنفهم منها ما نفهم بعين ومنطق:
أعد خمسين عاماً ما على يد
لأجنبي ولا فضل لذي رحم
الحمد الله شكرا قد قنعت فلا
أشكو لئيما ولا أطري أخا كرم
ويقدم لنا التوحيدي اعترافاً صريحاً وهو يقول: بأن (العجز غالب) لأنه مبذور في الطينة ولكنه ينشد مع الآخرين مالنا نعبد العباد إذا كان إلى الله فقرنا وغنانا!
ولذا نجده يشكو الفقر والناس بقوله (سباع ضارية وكلاب عاوية وعقارب لساعة وأفاع نهاشة) ولكنه شكا أيضاً ضعف الإنسان بوجه عام، وشكا من تناقض البشرية، وشكا من قسوة الحياة الإنسانية. كان التوحيدي دائم الشكوى كأنه يعيش معنا الألفية الثالثة بنفس الهم من غياب الروح الثقافية في عالم مفتوح ربما لا نجد فقراً بل نجد ظلماً في المعني والحوار؟
ومن عجب قول التوحيدي وهو يصرخ (العلم بلاء والجهل عناء والعمل رياء والقول داء والسكوت هباء والنظر عداء وكل ذلك سواء فأما بلاء العلم فلأنه يجلب على صاحبه جميع الكد، وأما داء القول فلأنه يصب العجب على أهله في كل قبول ورد، وأما هباء السكوت فلأنه يعري صاحبه من كل فائدة، وأما عداء النظر فلأنه يعود على صاحبه بكل آبدة، وأما سواء كله فلأنه علم لذوي النهي باحتمال كله فهات الآن حالاً ليس للعلم فيها نسب ولا للجهل فيها سبب ولا للعمل فيها بقية ولا للقول فيها خبية ولاللسكوت معها علاوة ولا للنظر عندها علاقة إلخ).
ومن هنا نجد قالباً لحوار غائب فيه التوحيدي يحاول اكتشاف عالم آخر عسى أن يجد الإجابة التي تشفي صدره من نقده الصريح لعالم كان يعيش فيه ومن الحق أن نقف وقفة قصيرة قبل الحكم على شخصية أديب الفلاسفة بمنطق وتقسيم العالم السويسري (كارل يونج ) إلى نموذج منبسط ونموذج منطو، لوجدنا في الحكم الذي نصدره من سنن وتشريعات الألفية الثالثة أنه منطو وهذا لجملة أسباب من بينها الفقر وعدم المرونة مع معطيات الآخر لكي يقبل به إنساناً كما قبلنا به فيلسوفا تنويريا لكل عصر.
pantoprazol 60mg pantoprazol yan etkileri pantoprazol iv
ذو صلة