مجلة شهرية - العدد (580)  | يناير 2025 م- رجب 1446 هـ

الموسيقى الشعبية الكورية

يعود تاريخ ظهور الموسيقى الكورية بشبه الجزيرة إلى بدايات استقرار السكان المحليين هناك، وقد تضمن أرشيف التاريخ الصيني العديد من الأدلة على عراقة تقاليد الموسيقى في كوريا من خلال السجلات المكتوبة لمجموعة الأغاني الشعبية بعنوان (الفلاحون السعداء) والرقصات المرافقة لها، وكذلك ما تم العثور عليه من مقاطع شعرية وغنائية في زخارف القبور والرسومات على الحيطان، وهي تعود إلى فترات حكم المماليك الثلاثة (57-668 ق.م). وحتى القرن الخامس عشر على الأقل.
كانت العلامات الموسيقية تدون في صفحات مسطرة وتحاذيها إشارات في الأداء وقد كتبت جميعها بالأحرف الصينية، ويمكن تصنيف الموسيقى الشعبية الكورية إلى صنفين رئيسيين: موسيقى القصور أو البلاط وموسيقى الحياة العامة، وقد مثلت الموسيقى التي تعزف أثناء أداء المراسم البوذية والشامانية صنفاً ثالثاً، أما موسيقى القصور فكانت تعزف في البلاط وأساساً للأرستقراطيين تزامناً مع الطقوس الكونفوشيوسية والمآدب أو الأحداث العسكرية. وكانت تتميز بطابعي الجلالة والاتزان تماشياً مع طبيعة تلك الاحتفالات والمناسبات، وهي تعزف في الغالب على وقع الغناء والرقص، وتعتبر موسيقى القصور مزيجاً من الموروث الوطني الكوري والأجنبي الصيني في نفس الوقت. ويتضمن الصنف الثاني، أي الموسيقى الشعبية، أغانٍ ومقطوعات موسيقية مخصصة لمهرجانات الفلاحين والحفلات العامة، ويغلب عليها طابع البساطة والبعد عن كل تكلف وذلك على خلاف موسيقى القصور والمراسم.
وتعتبر الأوبرا الدرامية من بين أكثر أنواع الموسيقى الشعبية انتشاراً. وتسمى موسيقى الحجرة (chamber music) وهي تؤدى بواسطة عدد محدود من العازفين والمغنين، وقديماً كانت تؤدى في حجرات داخل القصور، ولا تعزف الموسيقى الشعبية على انفراد بل ترافقها في العادة رقصات أو أنواع أخرى من التسلية على غرار الألعاب الجماعية أو سرد الحكايات، ويختلف أداؤها من جهة إلى أخرى.
وتتضمن الموسيقى الشعبية الكورية حوالي ستة أنواع مختلفة من الآلات، منها: الناي والطبل والأجراس إضافة إلى الآلات الوترية. وتصنع الآلات في العادة من طرف عدد محدود من المتخصصين المهرة رغم أن بعضهم يصنع آلاته بنفسه، وقديماً كانت الآلات الموسيقية بجنوب شرق آسيا تقسم وفق المادة الأولية التي صنعت منها، سواء كانت من الحجارة أو جلود الحيوانات أو المعادن أو الحرير أو الخزف والخيزران والخشب.
وفي الوقت الحالي يتضمن المتحف الوطني الكوري مجموعة متنوعة من الآلات الموسيقية الكورية القديمة بما في ذلك الآلات التي كانت تستعمل في القصور أو الاستعراضات الحربية أو الاحتفالات والمناسبات الدينية، كما اشتهر رواق الفنون الكوري بعرضه لتشكيلة واسعة من المعازف القديمة والتحف الموسيقية النادرة إضافة إلى مجموعة من الصور المجسدة لبعض الموسيقيين الكوريين القدامى بلباسهم التقليدي وهم بصدد العزف.
وتتميز الثقافة الكورية بعراقتها وامتدادها في القدم، كما أنها تختلف عن جارتيها الصينية واليابانية، ففي كوريا يلعب الإيقاع دوراً مهماً في كل الأنماط الموسيقية ومناحي الحياة اليومية تقريباً، وفي جانب آخر ساهمت الثقافة الموسيقية الشعبية الكورية في تطوير التراث الموسيقي بدول جنوب شرق آسيا من خلال استحداث نظام التدوين الموسيقي الذي يعرف باسم (chongganbo)، وهو نظام يعتمد على شبكة منقطة ترسم عليها الألحان الموسيقية تساعد العازفين على اتباع إشارات الأداء والإيقاع بدقة.
ويمكن أداء الموسيقى الكورية من طرف الموسيقيين المحترفين أو الهواة على حد سواء، ويعتبر (البانسوري) من أكثر الأنماط الفنية الشعبية الراقية، ويتطلب أداء هذا اللون الموسيقي وإتقانه سنوات من التدريب والتعلم حيث يصطحب المغني آلة إيقاعية إسطوانية الشكل تشبه الطبل في حين يقوم المغنون بسرد إحدى القصص الشعبية التي يمكن أن تدوم لساعات، أما الشكل الثاني فيسمى (سانجو) ويتميز مؤدوه بالبراعة الفائقة، وهو يجمع بين الطبل والآلات الوترية. ولكل آلة وترية تقاليد عريقة تدرس في مدارس خاصة وعلى يد موسيقيين وعازفين متخصصين، وتتضمن عروض السانجو حركات خفيفة وسريعة وأخرى بطيئة، وفي المقابل يتميز النمط الموسيقي الذي يسمى (نونغاك) بالإيقاعات الصاخبة في الهواء الطلق. ويسمى هذا النوع عادة بـ(موسيقى المزارعين)، وقد نشأت في الريف ولكنها انتشرت بسرعة في جميع أنحاء شبه الجزيرة الكورية، وكانت في البداية ترافق الأنشطة اليومية للمزارعين وذلك قبل ظهور فرق موسيقية محترفة تؤدي هذا النمط من الأغاني على الطريقة العصرية، ثم جابت أنحاء البلاد ولاقت نجاحاً كبيراً. وتفرع عنه ما أصبح يعرف لاحقا بموسيقى (ساملنوري) خلال سنوات السبعينات بفضل مجموعة من الموسيقيين، سرعان ما حظي بدوره بشهرة واسعة داخل كوريا وحتى خارجها.
وفي العموم تتميز الأغاني الشعبية في كوريا بالإيقاع والتكرار والارتجال في كثير من الأحيان وخصوصاً التي تؤدى في مجموعة من المغنين، كما تؤدى الأغاني بنمط موحد في جميع أنحاء البلاد على الرغم من الاختلافات بين الجهات من حيث الإيقاع واللحن والأساليب الصوتية واللهجات، وعلى عكس الأنماط الشعبية المحترفة على غرار البانسوري والسانجو والنونقاك، فإن عدداً من الأغاني الشعبية لا تزال تحتفظ بجانب كبير من طابعها المحلي أو الجهوي.
إلا أنه مع تمازج الثقافات الأجنبية في شبه الجزيرة الكورية خلال العقود الماضية، تحول الانتباه تدريجياً عن الأشكال الموسيقية التقليدية نحو البحث عن صوت أشد ميلاً إلى الأنماط الغربية المعاصرة، وبذلك شهد تاريخ طويل من التقاليد الموسيقية الرسمية المرتبطة بالقصور والتقاليد الأرستقراطية تحولاً في الاهتمام الشعبي وتراجعاً في الحضور في الحياة اليومية، وتعمقت هذه الظاهرة مع ارتباط العديد من الأنماط الموسيقية التقليدية باحتفالات وطقوس زالت ممارستها أو اقتصرت على جوانب محددة من الحياة اليومية، وعلى الرغم من ذلك شهدت سنوات الثمانينات والتسعينات اهتماماً متزايداً بالموسيقى الشعبية الكورية، كما عملت الحكومة الكورية على تشجيع الإنتاج الفني الوطني والتوعية بضرورة المحافظة على الموروث الموسيقي التقليدي، كما ساعدت الجاليات المهاجرة في أماكن مثل الولايات المتحدة على الحفاظ على التقاليد المتلاشية وإعادة إحيائها.
ذو صلة