تبقى مسألة منهجية دراسة تاريخ الموسيقى من الإشكاليات العالقة بالمعرفة العلمية في الموسيقى العربية الإسلامية، والتي عادة ما يـمر عليها مروراً عرضياً دون محاولة التعمق فيها، ويتم الاكتفاء بالمقاربات التي ترى في تاريخ الموسيقى العربية الإسلامية صورة ما للأحداث السياسية ولحياة الأمراء في القصور...إلخ.
والحقيقة أن هذه المسألة يجب أن تطرح فننظر من ورائها إلى جميع الأسئلة التي يمكن أن تلتصق بها. إذ يجب أن يقف الباحث الموسيقي حائراً أمام أسئلة عديدة في هذا الموضوع ليخرجها من إطارها الانطباعي ويجمع بينها في منهاج علمي يفصل بين المفاهيم. وهذا الكم من التساؤلات يمكن طرحها كالتالي:
إلى ماذا سنؤرخ في الموسيقى العربية؟ ألآلاتها أو لطرق الغناء المختلفة عبر التاريخ أو لشخصياتها أو لسلالمها الموسيقية النظرية أو لمواقف الفقه منها باعتبارها إشكالاً فقهياً أو لكتابات المستشرقين عنها، أو لـتأثير التحولات الفكرية والسياسية فيها، والقائمة تطول؟ ثم كيف نؤرخ للموسيقى العربية؟ بأي منهاج نلتزم وأي المعايير نعتمد؟ أليست كل المحاور تستحق أن تكون زاوية يمكن أن ننظر من خلالها إلى مشاهد مختلفة من تاريخ الموسيقى العربية؟ من جهة أخرى، عن أي تاريخ للموسيقى العربية نتكلم؟ هل هو تاريخ الموسيقى باعتبارها علماً أم باعتبارها ممارسة؟ وهل هناك تطابق بين العلمي والعملي؟ ثم لأي موسيقى نؤرخ؟ هل الموسيقى (الرسمية) أم الموسيقات التي لا ترى على أنها أهل لأن يؤرخ لها (وهنا نتحدث عن الموسيقى التي توصف بالشعبية)؟ وهل من الضروري التأريخ للموسيقى العربية في حد ذاتها؟ أليست نشاطاً كمالياً تتداعى بأي اضطراب سياسي واقتصادي كما أثبتته نظرية العمران البشري الخلدونية؟ ثم ألا يشكل مصطلح (عربية) في حد ذاته عائقاً أمام التأريخ الموسيقي للحضارة العربية الإسلامية عموماً؟ متى ظهر هذا المصطلح؟ ومن كان وراء تأصيله في ثقاقاتنا؟ وما الغاية من ذلك؟ لماذا لا نجد مؤلفات صريحة بعنوان (تاريخ الموسيقى الأوروبية) مثلاً ونجد في المقابل عناوين حديثة كثيرة تجمع بين مصطلحي (الموسيقى) و(العربية)؟ هل هي مسألة ذات أبعاد أيديولوجية لها علاقة بالهوية؟ إذ ما معنى أن يكون الإنسان عربياً أولاً؟ ومنه ما معنى أن تكون الموسيقى عربية؟
كل هذه الأسئلة لو استطعنا أن نجيب عنها في بحوث مختلفة لتحصلنا على مجلدات تجمع بين مناهج مختلفة في التأريخ بقراءات نقدية تجعل من تاريخ الموسيقى عندنا أوضح تاريخ على الإطلاق، وبالتالي لو اعتمدنا على هذا المنهج على مختلف المعارف والصنائع، وهو القائم على طرح التساؤلات والإشكاليات والإجابة عنها ببحوث علمية موضوعية ونقدية ومقارنتها بما توصلت إليه الدراسات الحديثة، لأمكن أن نرفع كل ما يعتبر مبهماً في تاريخ هذه الحضارة العريقة بعلومها وصناعاتها وآدابها.