الموسيقى والغناء من ركائز هوية الشعوب، كما أنها إحدى المواد المهمة في التأريخ، ومنذ عصور طويلة عرف الإنسان الغناء والموسيقى واستخدمها في مختلف نواحي الحياة؛ وكان الاستخدام أولاً بهدف عسكري أثناء المعارك وذلك لتحميس الجنود. والموسيقى هنا تشمل كل أنواع الموسيقى المستخدمة بدءاً من الصيحات وحتى استخدام آلات النفخ ذات الأصوات القوية. وهي تُستخدم في الوقت الحالي للتعبير عن الحس الديني والعاطفي والوطني والسياسي وحتى العسكري، وكل المشاعر الإنسانية.
ويعد النشيد الوطني لكل دولة هو أحد أميز العناصر الموسيقية المعبرة عن حضارة وثقافة هذه الدولة؛ فهو في الغالب يخرج من موسيقى يؤلفها أبناء هذه الدولة أو إذا كانت من غيرها فيتم صبغها بالروح الفنية لهذه الدولة لتتناسب مع شكلها الحضاري وموسيقاها.
برز الاستخدام السياسي والوطني للأغنية في الوطن العربي في العصر الحديث للنضال ضد الاحتلال مثلما كانت أغاني سيد درويش في مصر ضد الاحتلال الإنجليزي، والتي كانت تعبر عن المصريين في هذه المرحلة. وقد تميزت أغاني سيد درويش باستخدام مقامات الموسيقى الشرقية التي كانت دارجة في مصر آنذاك، واتخذت بعض هذه الأغنيات الشكل الحماسي أو النشيد، وذلك تأثراً بهذه المرحلة في التاريخ المصري، وقد أُخِذ من أغاني سيد درويش النشيد الوطني الحالي لجمهورية مصر العربية وهو (بلادي بلادي) بديلاً عن النشيد السابق (اسلمي يا مصر).
واستخدم مؤلفو وملحنو الأغنية الوطنية والسياسية عدة قوالب لتوصيل رسالتهم، فما بين السخرية للحماسة للطرب، ومضت هذه القوالب في شكل متوازٍ حيث إن لكل عصر أغانيه الوطنية الساخرة والحماسية والطربية، والتي تعبر عن الواقع السياسي لتلك الفترة وكذلك القوالب الغنائية المستخدمة، من حيث اللحن والتوزيع الموسيقي. كما تراوح الأسلوب الشعري ما بين التلميح في السخرية تارة، أو أن يكلم الشاعر الوطن كمن يكلم حبيبته. وظهر هذا بشدة في عدة أغانٍ للفنان علي الحجار، مثل أغنية (عم بطاطا)، والتي يتكلم فيها عن المواطن المصري وسماته في التعامل مع الحكام. وأغنية (ماتغربيناش) والتي يتحدث فيها للوطن باعتباره حبيبته.
وقد استُخدمت الأغاني السياسية والوطنية أحياناً للغناء ضد الحكام المستبدين مثل أغاني الشيخ إمام التي كانت في أغلبها مناهضة لنظام محمد أنور السادات، الرئيس الأسبق، ومحمد حسني مبارك، الرئيس السابق.
كما استُخدمت الأغاني السياسية أيضاً من الأنظمة المستبدة لتغييب شعوبها. مثل تلك التي كانت تدعمها السلطة في مصر بعد ثورة 1952، والتي كانت تتغنى بأمجاد عبدالناصر وثورة يوليو، مثل أوبريت (وطني حبيبي) للموسيقار محمد عبدالوهاب. وهي كانت في الغالب أغانٍ موسمية تختفي بمجرد اختفاء المناسبة أو الشخص الذي كانت تمجده الأغنية. مثل الأعمال الفنية التي كانت تُنتج في عهد مبارك وتُغنَّى في مناسبات نصر أكتوبر أو أي عيد قومي.